Beirut weather 18.54 ° C
تاريخ النشر December 13, 2018
A A A
هل غذّى العملاق الأميركي “الثورة الصفراء” ولماذا؟
الكاتب: سعدى نعمه - موقع المرده

تحوّلت ساحات الشانزيليزيه المتلألئة والمزدهرة الى “واحات شغب قاتمة وسوداوية” يصعب التنقل فيها فأُغلقت المؤسسات التجارية والمتاجر الباهرة تجنباً لمزيد من أعمال السرقة والإقتحام والإيذاء، فعمّت الحرائق في كل الأرجاء وثار الشعب على فرض ضرائب جديدة من قبل الحكومة الفرنسية وغدت “الثورة الصفراء” حديث الساعة واهتمام الناس من حول العالم.

هذه “الثورة” ليست غريبة عن التاريخ الفرنسي الذي شهد مثيلاتها على مر العقود، فثار الشعب على البورجوازية المتربّصة مطالباً بانصافه بشتى الطرق وتحسين معيشته.
في عهد الرئيس الشاب القادم من عالم المال والاقتصاد الى معترك السياسة، استفحلت الاحتجاجات واعمال الشغب وألهبت الشارع الباريسي ومعظم مدن فرنسا وقراها وقد تطورت إلى حدود انتقلت فيها إلى اطلاق لقب «رئيس الأغنياء» على الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.

في الآونة الأخيرة، برز اختلاف في وجهات النظر الفرنسية الاميركية وتوتر في العلاقات بين البلدين اثر دعوة الرئيس ماكرون الى إنشاء “جيش أوروبي حقيقي” للدفاع عن “القارة العجوز” قابله تنديد اميركي حيث انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصريحات نظيره الفرنسي حول إنشاء “جيش أوروبي” للوقوف بوجه قوى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، معتبراً أن اقتراحه “مهين جداً”.
ووصل الحدّ ببعض المراقبين والمحللين السياسيين الى اعتبار ان “شهر العسل” قد انتهى بين ماكرون وترامب خاصة بعد الدفاع الفرنسي الملحوظ عن الاتفاق النووي الايراني.

والسؤال: هل لهذا التمايز الفرنسي الأميركي صلة باحتجاجات فرنسا العارمة وهل غذّت أميركا هذه الثورة؟
وهل ستدفع باريس ثمن مواقفها الاخيرة؟
يشير المحلل السياسي والدكتور الجامعي شارل رزق الله في حديث خاص لموقع المرده الى أن “فرنسا تقف اليوم في وجه العملاق الأميركي وبالتالي ستدفع ثمن مواقفها لان فكرة تشكيل جيش أوروبي مستقل عن الولايات المتحدة الأميركية، وتشكيل مجلس أمن اوروبي هو بمثابة خلق قدرة دفاعية بمعزل عن حلف شمال الأطلسي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وتتحمل أعباء تمويله، ليبقى فاعلاً مستعداً لمجابهة الاخطار، بينما لا تسدد الدول الأوروبية ما يتوجب عليها من مستحقات، لذلك فان تأسيس الجيش الأوروبي يقلص من أهمية حلف شمال الأطلسي ونفوذ الولايات المتحدة أوروبياً وعالميًا، كما تخشى هذه الأخيرة الهيمنة الروسية على القارة الأوروبية. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدعم فكرة إنشاء الجيش الأوروبي”.

ورأى رزق الله “أن المحاولة الفرنسية بانشاء هذا الجيش لن تنجح، لأن إنكلترا ترفض تأسيس الجيش، لارتباطها الوثيق بالولايات المتحدة، وهذه نقطة مهمة”.

وحول ما قيل عن ان الولايات المتحدة تغذي الاحتجاجات أو التظاهرات الفرنسية، قال رزق الله: ”
أعود للتاريخ متذكراً أزمة الدولار وأزمة الذهب والجنيه الاسترليني التي تفاقمت في أوروبا في أواسط آذار من العام 1968، وذلك في عهد الرئيسين السابقين ليندون جونسون وشارل ديغول، وموقف هذا الأخير من الأزمة حيث عمّت على أثرها التظاهرات في فرنسا التي ارتدت طابعاً اقتصادياً، تماماً كما يحصل اليوم، وشكلت في حينها ضغطاً على الدولة انتهى باستقالة ديغول متسائلاً في هذا الاطار من كان يقف وراءها؟ ولفت رزق الله الى أن الاحتجاجات اليوم، تشكل ضغطاً على فرنسا وإلهاء رئيسها وحكومته بأمور إقتصادية وهنا يطرح السؤال نفسه لماذا لم يحتج الشعب الفرنسي من قبل؟.

وقال: “أظن أن أحداث فرنسا تخبىء وراءها عدولاً عن فكرة إنشاء جيش اوروبي، يعقبه تسديد الدول الأوروبية ما للحلف الاطلسي من مستحقات، لأن ضمان الأمن الأوروبي يكون في إطار حلف شمال الأطلسي”.