الدولار الأميركي له تاريخ طويل ومؤثر، وقد أصبح العملة المهيمنة عالميًا خلال القرن العشرين. في عام 1792 تم إنشاء الدولار الاميركي بموجب الصك (Coinage Act)، مما أسّس لعملة موحّدة في الولايات المتحدة. كان الدولار في بدايته يعتمد على معياري الذهب والفضّة، حين كانت العملات تصنع من المعادن الثمينة. بحلول أواخر القرن التاسع عشر، اعتمدت معظم الدول المتقدمة، ومنها الولايات المتحدة، معيار الذهب، إذ ربطت عملتها به. اكتسب الدولار ثقة دولية نتيجة نمو الاقتصاد الأميركي واحتياطياته الكبيرة من الذهب.
بعد الحرب العالمية الثانية اجتمعت 44 دولة حليفة في بريتون وودز لوضع نظام مالي عالمي جديد، فتم ربط الدولار بالذهب، وربطت بقية العملات بالدولار، نظراً إلى امتلاك الولايات المتحدة أكبر احتياطي من الذهب وقوتها الاقتصادية، فأصبح الدولار هو العملة المرجعية للنظام المالي.
صدمة نيكسون
الرئيس نيكسون أوقف قابلية تحويل الدولار إلى ذهب (ما يعرف بصدمة نيكسون)، وأصبح الدولار عملة ورقيّة (Fiat) لا تُغطّى بالذهب بل بالثقة. رغم المخاوف، بقي الدولار قوياً بسبب الاستقرار السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة. أبرمت الولايات المتحدة اتفاقيات مع دول منتجة للنفط، وتحديداً السعودية، لتسعير النفط بالدولار؛ هذا أدى إلى زيادة الطلب العالمي على الدولار، مما عزّز من دوره في التجارة والاقتصاد العالمي.
بدأ الدولار يفقد جزءاً من هيمنته على ساحة التجارة والتمويل العالمية. وبحسب صندوق النقد الدولي، فقد تراجعت حصة الدولار من الاحتياطيات العالمية إلى 58% خلال العام الماضي، مقارنة بأكثر من 70% قبل عقدين. وقد رافق هذا التراجع تنامي استخدام عملات غير تقليدية مثل اليورو والدولار الأوسترالي واليوان الصيني. فبفضل التقدّم في أنظمة صناعة السوق الآلية وإدارة السيولة، أصبح بمقدور الشركاء التجاريين الجدد إتمام صفقاتهم باستخدام عملاتهم المحلية مباشرة، من دون الحاجة إلى المرور عبر الدولار كوسيط لتسوية المدفوعات.
من يمتلك الأسهم؟
في هذا السياق، تتزايد المخاوف من أن المستثمرين الأجانب من القطاع الخاص، وليس البنوك المركزية، هم من يشكلون حالياً القاعدة الأساسية لشراء الأصول الأميركية. وفي الوقت الذي دعمت فيه هذه الأموال الساخنة في السابق دورة صعود الدولار، انطوت على مخاطر كبيرة، نظراً إلى أن هذه التدفقات الرأسمالية سريعة التقلب.
اعتباراً من العام الماضي، بلغت قيمة الأسهم الأميركية التي يمتلكها المستثمرون الأجانب نحو 18 تريليون دولار، أي ما يعادل 60% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، مقارنة بأقل من 40% قبل عقد فقط. وإذا قرر هؤلاء المستثمرون تقليص حيازاتهم بنسبة لا تتجاوز 5%، فإن حجم عمليات البيع الناتجة قد يؤدي إلى مضاعفة عجز الحساب الجاري، الذي يسعى ترامب جاهداً للحد منه.
تأثير سياسات ترامب
يمكن أن يكون لسياسات ترامب الجمركية تأثيرات متباينة على الدولار الأميركي. فعلى الرغم من أن الرسوم الجمركية قد تقلل من الواردات وتقوي الدولار مبدئيًا من خلال تقليص العجز التجاري، فإنها قد تؤدّي أيضًا إلى ردود فعل انتقامية من دول أخرى، ممّا يضرّ بالصادرات، ويخلق حالة من عدم اليقين في الأسواق. في أغلب الأحيان، تدفع هذه الحالة المستثمرين إلى سحب استثماراتهم من الأصول الأميركية، مما يُضعف الدولار. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي الرسوم إلى رفع أسعار الواردات، مما يزيد التضخم، وقد يدفع ذلك الاحتياطي الفيديرالي إلى رفع أسعار الفائدة، الأمر الذي قد يعزز الدولار. ومع ذلك، إذا ارتفع التضخم مع تباطؤ النمو الاقتصادي، أو إذا تراجعت الثقة العالمية في الدولار بسبب سياسات عدوانية مثل معاقبة الدول التي تتخلى عن استخدامه، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف الدولار الأميركي على المدى الطويل.
يتجه ترامب إلى فصل الولايات المتحدة عن النظام الاقتصادي العالمي، فيما يتوقع المحللون انكماشاً في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد خلال هذا العام. لترامب أن يُعيد النظر في فهمه للعالم. وإلى أن يفعل ذلك، قد يكون الدولار، للأسف، ضحية جانبية لسياساته.