Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر November 19, 2022
A A A
هل ستنهض التعرفة الجديدة بمؤسسة “كهرباء لبنان”؟
الكاتب: يمنى المقداد - الديار

ضجّ الحديث مؤخرا بعودة كهرباء الدولة إلى تغذية طويلة نسبيا مقارنة بسنوات ثلاث عجاف من الانقطاع، لكنّها عودة محفوفة بالمخاطر المالية واحتمال الاستمرارية على السواء، في ظلّ تعرفة جديدة غير ثابتة تتّبع أسعار دولار “صيرفة” محليا وأسعار المحروقات عالميا.

لم تصبح التعرفة الجديدة للكهرباء نافذة حتى بداية شهر كانون الاول، وفق ما أعلن وزير الطاقة والمياه وليد فياض مؤخرا، لكن ما أصبح نافذا بذهن المواطن هو القلق من فاتورة ضخمة تنتظره من مؤسسة كهرباء لبنان، فبعد أن كان سعر الكيلواط 135 ليرة، أصبح 10 سنتات لأوّل 100 كيلواط/ساعة،27 سنتاً وربّما 37 سنتا لما يزيد على 100 كيلواط/ ساعة، وهناك 21 سنتاً لكلّ أمبير تعرفة شهرية ثابتة، و 4.3 دولار بدل تأهيل.

وبعيدا عمّا يمكن أن تصبح عليه فاتورة المواطن بعد دخول التعرفة الجديدة حيز التنفيذ والتي يمكن أن تقارب اربعة ملايين بحسب حجم الاستهلاك وبمعدّل وسطي قابل للزيادة المطّردة، أسئلة تطرح اليوم: هل تضمن زيادة التعرفة النهوض ولو جزئيا بمؤسسة كهرباء لبنان وضمان استمرارية التغذية الكهربائيّة؟

عكوش: كهرباء لبنان كلّفت الدولة حوالى 40 مليار دولار
حول إمكاني النهوض مجدّدا بمؤسسة كهرباء لبنان، ومدى فعالية الإجراءات الجديدة للوزارة، أشار الخبير الاقتصادي عماد عكّوش لـ “الديار” إلى أنّ هناك مشكلة تتعلّق باستمرارية وعمل المؤسسة، لأسباب عديدة منها أنّ ذلك يتطلب منها أن تحقّق التوازن بين إيرادتها ونفقاتها، فيما هي واقعا تقبع بحالة عجز دائم منذ أكثر من 20 سنة، فقد أخذت سلفا من الخزينة بما يعادل 20 مليار دولار وفوائد بالقيمة نفسها، وكلّفت الدولة حوالى 40 مليار دولار، وشدّد على أنّه لا بدّ من القضاء على هذا العجز كي تستمر، لكنّنا غير قادرين على ذلك حاليا، نتيجة الهدر الفني والتقني الذي يتجاوز 40%، والذي لا يمكن تخطّيه لقدم المصانع وشبكات التوزيع وعدم توصيلها ببعضها، وكذلك لعدم القدرة على تحصيل جباية 100% لأسباب سياسية وطائفية، إن كان من المجمّعات والمخيّمات، والمصانع والمنتجعات السياحية المغطاة من قبل سياسيين، ومثلها إدارات الدولة، ما يعني استمرار العجز لفترة طويلة، موضحا كذلك أنّ الاستمرار بالمؤسسة يعني الاستمرار بالعجز، ودفع كلف إضافية، وبالتالي فإنّ الاستمرار بهذه المؤسسة يعتبر مستحيلا.

ما جدوى ومصير الهبات؟
حصل لبنان على هبات عديدة منها الهبة العراقية المقدّرة بحوالي 500 ألف طن من الفيول، ومنها المنتظر كالإيرانية: 600 ألف طن، والروسيّة: 10 آلاف طن، لكن وفق عكّوش لم تستعمل بعض هذه الهبات سابقا بالشكل الصحيح – مثل الهبة العراقية – لإعادة هيكلة المؤسسة كي تعود للعمل بشكل صحيح وتموّل نفسها بنفسها، بل تمّ توزيع الإنتاج بشكل شبه مجاني، وهذا مطروح اليوم بما خصّ الهبة الإيرانية والروسية، والتي يمكن أن توزّع بنسبة تزيد عن 60% بشكل مجاني، لافتا في المقابل إلى أنّ هناك موانع سياسية بالنسبة لهذه الهبات لغاية اليوم، بحيث لم يتّخذ رئيس الحكومة القرار بقبولها، ويحتمل أن لا يتّم ذلك، وهذا ما تدلّ عليه مرافقة رئيس الحكومة لوزير الطاقة إلى الجزائر، للتفاوض مع شركة “سوناطراك”، حول زيادة واردات الغاز، والدخول بمناقصة لشراء الفيول الخاص بمؤسسة كهرباء سواء عبر هذه الشركة أو من خلال مناقصة عالمية.

ماذا لو حصلنا على هذه الهبات؟
شرح عكّوش أنّه في حال حدوث ذلك، قد تكفينا الهبات سنة بطريقة الإنتاج والتوزيع الحالي، لأنّنا لا ننتج أكثر من 400 ميغاواط حراري، ولدينا أكثر من 400 ميغاواط كهرمائي، وكان من الممكن أن يوزّع هذان الإنتاجان بشكل عادل ويؤمنان بحدود 7 ساعات تغذية من الكهرباء يوميا، لكن الإنتاج الكهرمائي يوزع بشكل غير عادل، فهناك قرى تحصل على 22 ساعة تغذية، وأخرى على 24 ساعة وغيرها على 12 ساعة، فيما يغذّي الإنتاج الحراري بعض الإدارات والمرافق العامة، ما يبقي للمواطن نحو ساعتي تغذية يوميا فقط، وتساءل عن مدى الاستفادة من هذه الهبات اذا لم يتّم استخدامها بالشكل الصحيح في إطار إعادة هيكلة وتفعيل مؤسسة كهرباء لبنان، مؤكدا أنّ هذا الأمر شبه مستحيل بالمعطيات الحالية.

هل المشكلة بالتعرفة الجديدة؟
تساوي التعرفة الجديدة ما بين 10 سنت لأول 100 كيلواط، و 27 سنتا لما يزيد على ذلك، وباحتساب الكلفة الواقعة على المواطن لفت عكّوش إلى أنّه إذا اعتبرنا اليوم أنّ معدّل مصروفه بحدود 300 كيلواط في ظلّ 10 ساعات تغذية يوميا، فهذا يعني 70 دولارا تقريبا شهريا، على سعر صيرفة (30 ألف)، أي نحو مليونين و100 الف ليرة شهريا، معتبرا أنّ المشكلة ليست بالتعرفة الجديدة بقدر ما تتعلّق بالزيادة الكبيرة التي فرضتها المؤسسة على الرسم الشهري الذي يتجاوز 200 ألف ليرة شهريا حتى لو لم يستهلك المواطن الكهرباء، ما سيتسبب بمشكلة مع كثير من المواطنين وسيعتبرونها “خوّة” تفرضها الدولة عليهم في ظلّ عدم وجود الكهرباء دوما.

كما عرض عكّوش لمشكلة أخرى وهي عدم الفصل ما بين الإستهلاك المتراكم السابق في بعض المناطق وما بين الاستهلاك الجديد، فهناك فواتير قديمة عمرها بحدود السنتين، ولم يتم الكشف على العدّاد وتسعيرها وفق التعرفة القديمة، ما سيتسبب بمشكلة وهي: كيف سيتم تحديد قيمة الفواتير وعلى أي أساس إذا لم يتم احتساب العدّاد، خاصة أنّ هناك فواتير لم تدفع لغاية اليوم؟

الحلول سهلة… لكن!
الحلول سهلة وليست مستحيلة وفق ما يصف عكّوش، لكنّها تحتاج إلى قرارات جريئة من السلطات اللبنانية، والحل الوحيد لمشكلة العجز في مؤسسة كهرباء لبنان هو أن نقوم بعملية تلزيم الإنتاج والتوزيع والجباية إلى القطاع الخاص، مع إبقاء الرقابة على المؤسسة من قبل الحكومة ووزارة الطاقة، تماما كالرقابة على أسعار المحروقات والأدوية، فاليوم وحده القطاع الخاص يستطيع أن يحقّق أقل نسبة من الهدر الفني والتقني، وجباية 100% لفواتير الكهرباء كتجربة كهرباء زحلة، حتى في المجمعات غير الشرعية، ما يمكن أن ينشل المؤسسة من هذا العجز، إضافة إلى تحقيق أرباح للدولة حوالى 250 مليون دولار ضرائب (TVA) على مؤسسة كهرباء لبنان لمصلحة الخزينة، وحوالى 50 مليون دولار ضريبة دخل ورواتب وأجور يعني حوالى 300 مليون دولار سنويا، وهذا سيكون لمصلحة المواطن أيضًا الذي سيشعر بالفرق حين توجد الكهرباء لأكثر من 20 ساعة، ما سيمكّنه من التخلّي عن المولّدات الخاصة بكلفتها المرتفعة.

خلاصة القول… بدّدت الإجراءات الجديدة المتعلّقة بزيادة التعرفة والرسوم على الكهرباء الرسميّة المنتظرة، حلم المواطن بالتخلّص من كابوس المولّدات الخاصة، لتضيف إلى يومياته عبئًا جديدًا وتكلفة مرتفعة ومتقلّبة، في ظلّ انعدام الضمانات بنجاح هذه الخطة لناحية التغذية الطويلة والمستدامة، تحديدا لارتباط كلّ هذه العملية بسعر صرف الدولار، و”صيرفة” ومحروقات العالم المشتعل.