Beirut weather 25.41 ° C
تاريخ النشر March 13, 2025
A A A
هل ستتمكن الحكومة من تحقيق الاصلاحات خلال سنة؟
الكاتب: أميمة شمس الدين - الديار

في إطار الزيارات التي يقوم بها صندوق النقد الدولي من أجل التوصل إلى إبرام اتفاق مع لبنان يُمنح بموجبه ثلاثة مليارات دولار لبنان بأمس الحاجة اليها زار وفد من الصندوق لبنان، حيث عُقدت الاجتماعات التقنية المتخصصة بين خبراء بعثة صندوق النقد الدولي ومع وفد من البنك الدولي، ومديري المديريات والخبراء المختصين في وزارة المالية ، والتي تهدف الى الوصول الى خلاصات وتوصيات في الملفات المطروحة تعزيزاً للشفافية في المالية العامة ولإصلاحات أكثر شمولية.

ووفقاً لبيان من وزارة المالية البارز من اللقاءات التي عقدت مع بعثة صندوق النقد الدولي لقاء مع مديرية الواردات والمجلس الأعلى للجمارك بحيث جرى تقييم شامل إزاء تحديث المعلومات المتعلقة بالتحصيل ربطاً بالأوضاع التي مرّ بها لبنان، وكان تركيز على الدور الحاسم لموضوع تعبئة الإيرادات وجمع البيانات قبل الشروع في دورة الرقابة المنتظمة وفق المادة الرابعة Article IV والتي تمّ تعليقها العام الماضي. وكذلك على قضايا الالتزام والجهود المبذولة لتعزيز تلك الأنشطة من خلال التشغيل البيني Interoperability، بالاضافة الى التقدم في برنامج التدقيق الوطني، لا سيّما بعد المساعدة الفنية التي قُدمت للبنان خلال العامين الماضيين.

ويأتي “هذا التعاون في سياق الجهود المشتركة بين الحكومة اللبنانية والبنك الدولي لدعم الإصلاحات المالية وتعزيز الحوكمة، بما يساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاستجابة للتحديات الراهنة”، بحسب ما أشار بيان المالية.

ومن المتوقع أن يعقد الوفد العديد من الاجتماعات مع المعنيين من بينها جمعية المصارف.

فهل ستتمكن الحكومة من ابرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بالرغم من عمرها القصير وهل ستتمكن من تطبيق الإصلاحات المطلوبة من الصندوق وهل سيتفهم الصندوق وضع لبنان في ظل الرضا الدولي على العهد والحكومة ويتنازل عن بعض الشروط؟

في هذا الإطار رأى الخبير الاقتصادي الدكتور جو سرّوع في حديث للديار ان طرفي التفاوض على الاتفاق مسؤولان عن فشله وقد سعى الطرف اللبناني بالمضمون إلى المفاوضات على اساس خطة lasard وعلى خلفية تحديد سقف مالي للخسائر علاجه شطب الجزء الأكبر من الودائع، وعليه قرار مسبق بتقليل عدد المصارف اما بالدمج او التصفية كما ما قد تقتضيه نتيجة تدقيق وتقييم المصارف الثمانية عشر الكبرى، وكذلك اقتراح إعطاء خمس رخص مصرفية جديدة برأسمال ٢٠٠ مليون دولار للرخصة الواحدة.

ويقول سرّوع ولدت هذه الخطة بالشكل مع احترامنا للجميع من لدن عدد قليل من الخبراء الاقتصاديين و شركة lasard من دون أي مشاورات جدية او تنسيق مع أصحاب العلاقة المباشرين، على سبيل المثال المصرف المركزي وجمعية المصارف ولجنة المال النيابية مما عرضها إلى جدل واسع ما لبث أن امتد إلى جهات رسمية ومدنية، وسرعان ما تحوّل الأمر برمته إلى جدل بيزنطي عقيم، قضى على الخطة برأينا في مهدها والذي كنا قد فندناه في حينه في مختلف الوسائل الإعلامية، وزاد في الطين بلةً إعلان الحكومة في حينه تعليق دفع استحقاق اليوروبد في ٢٠٢١.

ويتابع سرّوع : اما صندوق النقد فتمسك بمستوى الخسائر في الخطة وأصر على تطبيق نموذجه الاصلاحي الذي يتمثل بنموذج وبمقارنة لبنان بدول أخرى مماثلة كغواتيمالا على سبيل المثال لا الحصر، ومن دون أي اعتبار لخصوصية الحالة اللبنانية المتمثلة بكون أغلبية الدين العام الساحقة قد تم تمويلها من الداخل اللبناني وتحديداً من الودائع اللبنانية، وتحوّل الجدل إلى طبخة بحص على امتداد ما يزيد على أربع سنوات أنتجت اتفاقاً بشروط مسبقه لعرض الاتفاق على إدارة صندوق النقد الدولي مما جعل منه ومن شروطه عرف اللاعرف وعصية على التوافق عليها في الوقت اللازم تشريعا والممكن عمليا، معتبراً أن المفاوضات السابقة انطلقت من حسن نية وانتهت بعدم الثقة.

ووفقاً لسرّوع الوضع في العهد الجديد والحكومة الجديدة اختلف من حيث المبدأ تماماً وما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري لقي الترحيب الواسع من الداخل والخارج مما يمكن أن يشير على إمكان منح هذا العهد ثقة مبدئية التي كانت مفقودة، مما يشكل فرصة متاحة لإخراج لبنان من ظروفه التي طالت وبقيت إلى الآن عصية على الحلول .

و لفت سرّوع إلى أن الاتصالات مع صندوق النقد الدولي في هذا الإطار ومع البنك الدولي لم تنقطع أصلاً، ولكنها زادت من وتيرتها مع العهد الجديد وبدأت على مختلف المستويات والتي مهدت للزيارة الحالية لوفد الصندوق.

اما في ما يتعلق بالشروط، فأشار سرّوع إلى أن رئيسة الصندوق قد أبدت في أكثر من مناسبة في الماضي وفي الأمس القريب في القاهرة عزمها لإدخال بعض المرونة في موقف الصندوق في ما يتعلق بمصير الودائع وحجم الخسائر وتأمين بعض المطالب “وبرأيي ما كان شرطاً في السابق قد يتحول الان الى أمور مطلوبة وان بإصرار وضمن أولويات”.

وعدّد سرّوع على سبيل المثال وليس الحصر الإصلاحات الأولية المطلوبة :

-الهيئات الناظمة للكهرباء وغيرها

استقلالية القضاء

-الحوكمة والادارة الرشيدة

-محكمة مالية خاصة ومتخصصة

-إعادة هيكلة المصارف

-إعادة هيكلة المصرف المركزي والاجهزه الرقابية- تعيين حاكم لمصرف لبنان يمتلك كفاءات عملية وأكاديمية إسوةً بأمثاله في العالم المتقدم- تمكين المصرف المركزي من إرثاء و ترسيخ أسس الإدارة الفاعلة والفعالة للسياسة النقدية بتطبيق القوانين المرعية الإجراء والنافذة وتفعيلها في سبيل تجفيف الاقتصاد الموازي وكذلك أي محاولات لإيجاد سوق موازي للتعامل بالعملات الأجتبية- التفاوض مع حاملي سندات اليوروند بهدف إعادة هيكلتها وعودة لبنان إلى أسواق الدين الدولية.

أما على صعيد الإصلاح المالي، فيلفت سرّوع إلى أن صندوق النقد الدولي يعتمد على النسب الآتية: نسبة الدين العام إلى الدخل القومي نسبة الودائع إلى الدخل القومي نسبة العجز في الموازنة والاستدامة أي القدرة على إيفاء الدين .

وقد علم سّروع من بعض المصادر ان صندوق النقد قد ابدى استعداده للمرونة في ما يتعلق بالتوافق على قيمة الدين العام وعلى المدى الزمني للوصول إلى النسبة المطلوبة التي من الممكن أن تكون ٨٠ % من الدخل القومي خلال عدد من السنوات يمكن الاتفاق عليها، “وهذه نسبة برأيي مقبولة بالأخص إذا أخذنا بالاعتبار أن الاقتصاد الوطني من المتوقع أن يبدأ بالنمو ابتداءً من السنة المقبلة ونأمل أن تكون موازنة السنة المقبلة موازنة برؤية وجدية حقيقية تختلف من حيث المضمون والشكل وأساليب التطبيق جدية وفاعلة”.

ورداً على سؤال متى تتوقعون أن يتم هذا الاتفاق؟ قال سرّوع قد يكون من المفيد جداً أن يقسم الاتفاق إلى قسمين الأول تقني يهدف إلى المساهمة الفورية في الإصلاحات المرجوة وفق الأولويات المستهدفة وتوقيت محدد، والثاني اتفاق مالي الذي من الممكن أن يلي الاتفاق التقني إذ ان انفاذه تقنياً ومالياً سيكون جزءًا من اي حزمة مالية التي من المتوقع ان توفرها ما بات يعرف بالدول المانحة من أجل عملية تعافي لبنان الاقتصادي والمالي وبناء قدراته .

ولكن يرى سرّوع أن هذا الأمر وان كان من الممكن جمع هذه الدول وحتى إنشاء الصندوق الذي تم الإعلان عنه يبقى هذا الأمر مرهوناً إلى حد كبير بالاستقرار السياسي والأمني والناجز بلبنان “وهذا برأيي لا يبدو ممكناً الآن لا بل يبدو ان الحرب على لبنان ما زالت مستمرة بدليل ارضنا محتلة والادعاءات والاعتداءات الإسرائيلية على البلاد ما زالت قائمة واهلنا مبعدون عن بيوتهم واراضيهم، متخوفاُ من أن هذا الامر مرشح للتصعيد في ظل الجدل القائم حول مضمون اتفاق ٢٧ أيلول بخصوص القرار ١٧٠١، والاهم الملفات التي ما زالت مفتوحة في المنطقة وأهمها الملف النووي الإيراني ولزوم التموضع التفاوضي المفتوح على كل السبل والاساليب التي تلبي مصالح اصحاب العلاقة بالمباشر وغير المباشر وعلى اختلافهم بنيات متطرفة يخجل منها مكيافيلي بذاته.

وتحدث سرّوع عن موضوع إعادة الإعمار الباهظة والعالية الكلفة، فلبنان يحتاج الى إعادة إعمار ما خلفته الحرب عليه ووفقاً للبنك الدولي تبلغ كلفة الإعمار ١١ مليار دولار، وما يعرف بالدول المانحة أنها بالواقع دول مستثمرة في الفرص المتاحة والتي يشجعها الاستقرار، فعلى لبنان إذا أراد أن يعطي أي أولوية لقضية إعادة الإعمار عليه أن يطلق عملية الإصلاح الموعودة بأسرع وقت ممكن بالتزام وجدية وفعالية وإلا الفرصة المتاحة قد تضيع كما ضاعت سابقاتها.