Beirut weather 11.41 ° C
تاريخ النشر December 29, 2024
A A A
هل رفع الفوائد على الليرة بنسبة ٤٥٪ يؤدي الى ازمة مصرفية جديدة؟
الكاتب: أميمة شمس الدين - الديار

تعرض بعض المصارف، على زبائنها إيداع مبالغ مالية نقدية بالليرة اللبنانية في مقابل فوائد عالية جدا كنوع من الاستثمار بالعملة المحلية الموعودة باستحقاقات متوسط الأمد، وتعرض المصارف الفوائد العالية على عملائها على الرغم من أنها قد تعكس حاجة ما. هذه المصارف تعرض على العملاء تجميد حسابات بالليرة على مدى 3 أو 6 أو 9 أشهر أو سنة على ان تسدد فوائد عليها تتراوح بين 30 و45 في المئة، تختلف بحسب حجم الوديعة والمدة الزمنية لتثبيت المبلغ.

وبصرف النظر عن العوامل التي دفعت المصارف إلى طرح تلك المنتجات ما هي المخاطر الحقيقية التي تحيط بالوديعة بالليرة في حال انخفاض سعر الصرف خلال فترة الاستحقاق؟

وهل ستؤدي هذه الخطوة إلى ازمة مصرفية جديدة أم أنها ستؤدي إلى عودة الثقة الى القطاع المصرفي؟

وهل سيؤثر هذا الأمر في سعر الصرف؟

في هذا الإطار ذكّر كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل في حديث للديار أن سياسة مصرف لبنان من أجل الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة تعتمد على سحب السيولة بالليرة اللبنانية من السوق وضبط الكتلة النقدية بالليرة المتداولة في السوق، مشيراً ان هذه السياسة بدأت في العام ٢٠٢٣ بعد تدهور سعر صرف الليرة التي وصلت إلى ١٤١ ألف ليرة للدولار الواحد في منتصف شهر آذار، وعندئذ تدخل مصرف لبنان وقام بشراء الليرة بكثافة من السوق مما أدى إلى سحب ٢٢ تريليون ليرة من السوق على مدار العام ٢٠٢٣ و أدى إلى تقلص حجم الكتلة النقدية بنسبة ٣٠%.

ويقول غبريل: استمر مصرف لبنان في هذه السياسة وأصبح موظفو وعمال القطاع العام يقومون بسحب رواتبهم بالدولار بدل الليرة من أجل ضبط وعدم زيادة حجم الكتلة النقدية في السوق مما يؤدي إلى طلب على الدولار ومضاربة على سعر الصرف التي تكون نتيجته ضغطا على سعر الصرف والتلاعب فيه، لافتاً أن الكتلة النقدية المتداولة في السوق تبلغ ٥٥ ألف و ٨٠٠ و ١١ مليار ليرة حاليا” أي ما يوازي ٦٢٤ مليون دولار التي تشكل ٦% من احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تقريباً .

وإذ لفت غبريل إلى أن مصرف لبنان قادر نظرياً على تجفيف الليرة اللبنانية من السوق إذا كان هناك حاجة، أشار إلى أن ضبط الكتلة النقدية في السوق أدى إلى شح الليرة في الاقتصاد لكن هذا لم يؤد وقتذاك إلى شح في السيولة لدى المصارف.

وبحسب المعطيات المتوافرة لدى غبريل فإن الذي حصل مؤخراً أن هناك مصارف لم يعد لديها سيولة كافية بالليرة البنانية وعندما احتاجت إلى سيولة استدانت من مصارف لديها فائض في السيولة بالليرة ولذلك وصلت الفائدة إلى ١٤٠% بين المصارف، “وهذا أدى إلى أن عددا قليلا من المصارف حاولت أن تستقطب الليرة من السوق وتعطي فوائد مرتفعة على الودائع المجمدة لفترات طويلة قد تمتد الى حوالى سنة”.

وتحدث غبريل عن نظرية تقول إن صندوق الضمان الاجتماعي حوّل ودائعه من المصارف التجارية إلى مصرف لبنان وهي كلها بالليرة اللبنانية وبعض المصارف كانت تعتمد على هذه الودائع ولم يعد لديها سيولة ولذلك لجأت إلى السوق بدلاً من أن تلجأ إلى الاستدانة من مصارف أخرى نظراً لأن الفائدة التي تدفعها إلى السوق (٤٥%) أقل بكثير من التي تدفعها إلى المصارف (١٤٠%) سيما أن مصرف لبنان لا يؤمن السيولة، مؤكداً أن عددا قليلا من المصارف قام برفع الفائدة على الودائع بالليرة إلى ٤٥% لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة .

ورداً على سؤال حول ما إذا كان ما قامت به هذه المصارف سيؤدي إلى أزمة مصرفية أم سيؤدي إلى عودة الثقة إلى القطاع المصرفي قال غبريل :هذا الأمر لن يؤدي لا إلى أزمة مصرفية و لا إلى عودة الثقة بها لأن الازمة قائمة اصلا واستعادة الثقة لا تقتصر على القطاع المصرفي وغير محدودة فيه وأزمة السيولة في العملات الأجنبية التي بدأت في العام ٢٠١٩ سببها سوء استخدام السلطة السياسية وسوء إدارة القطاع العام والمؤسسات العامة ذات الطابع التجاري، لافتاً ان أزمة الثقة هذه تطورت تدريجياً وأدت الى ازمة سيولة بالعملات الاجنبية حتى انفجرت في تشرين الاول من العام ٢٠١٩.

ووفقاً لغبريل عودة الثقة إلى المصارف ليست بمنأى عن عودة الثقة بالمؤسسات العامة وبالأداء السياسي الذي يأتي من خلال الالتزام بالمهل الدستورية وتطبيق القوانين وفصل السلطات ودعم استقلالية القضاء وقدراته ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي ومحاربة التهريب عبر الحدود بالاتجاهين، مؤكداً أنه لا يمكن فصل استعادة الثقة بالقطاع المصرفي عن استعادة الثقة بالدولة ككل وبمؤسساتها لأن القطاع المصرفي لا يعيش على جزيرة بمعزل عما يحصل في لبنان وهو بحاجة إلى استقرار وشفافية وبحاجة الى ثقة من أجل استعادة عمله الطببعي .

من جهة أخرى، رأى غبريل أنه لا يمكن الحديث عن أزمة مصرفية جديدة لأن تجميد الودائع بالليرة لمدة سنة يقتصر على عدد من المصارف لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة لكن في الوقت نفسه هذا الأمر ليس مؤشرا مريحا “وهذا يدعنا نتذكر بأن كل قرار له ثمن فمثلاً استطاع مصرف لبنان الحفاظ على استقرار سعر الصرف منذ تموز ٢٠٢٣ بالرغم من كل الخضات الأمنية التي مر بها لبنان بدءاً من حادثة الكحالة إلى معارك مخيم عين الحلوة وبدء حرب الإسناد و بعده توسع العدوان الإسرائيلي استطاع مصرف لبنان الحفاظ على سعر الصرف في ظل جو سياسي غير سليم من شغور رئاسي إلى حكومة تصريف أعمال وعدم التقدم في الوضع الإصلاحي”، لافتاً أن الثمن للمحافظة على سعر الصرف هو شح الليرة اللبنانية في السوق وفقدان الليرة لدورها الطبيعي في السوق وإن كانت المؤسسات التجارية تقبل الليرة لكن نحن في اقتصاد مدولر والتداولات بين الشركات تحصل بالدولار والتداولات بين الأفراد والمحال التجارية تتم بالدولار والتداولات أيضاً تحصل بالدولار .

ورداً على سؤال حول تأثير رفع الفائدة في الودائع بالليرة إلى ٤٥% على سعر الصرف قال غبربل سيؤثر من ناحية أن هذه المبالغ التي استقطبتها هذه المصارف هي مبالغ كانت موجودة في الخزائن والمنازل و ليست متداولة في السوق فالشركات لديها مبالغ كبيرة بالليرة تلجأ إلى وضعها في المصارف أفضل من أن تبقيها في الخزنة، لكن في الوقت نفسه لا يتوقع غبربل أن يتأثر سعر الصرف لا إيجاباً و لا سلباً لأن هذه المبالغ التي وضعت في المصارف هي من ضمن ال ٥٥ ألفا و ٨٠٠ و ١١ مليار ليرة من الكتلة الكتلة النقدية.

ويتوقع غبريل في الختام أن يستمر مصرف لبنان في سياسة الحفاظ على سعر الصرف لكنه سيأخذ بعين الاعتبار ما حصل، معتبراً أنه سيجد طريقة لمعالجة الموضوع” ولننتظر ما الذي سيقوم به مصرف لبنان من إجراءات وقرارات في هذا الخصوص فهل سيؤمن السيولة للمصارف كيلا تتعمم هذه الظاهرة على باقي المصارف؟ “.