Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر January 29, 2017
A A A
هل حمى حزب الله لبنان من سوريا؟
الكاتب: عمر معربوني- بيروت برس

hizba

دائمًا ما تكون مقاربة المواضيع الخلافية موضع جدل، حيث تتحكم الأيديولوجيا والتعبئة بعقول المتلقين، وهنا نحن نقارب مسألة سأجهد أن أقدّم فيها خلاصات البحث العقلي والعلمي متخطيًا تموضعي الفكري، متجردًا من الغايات الضيقة رغم اني مقتنع بوجهة نظر تمثل فريقًا ويعارضها الفريق الآخر.

قبل البحث في البعدين الأمني والعسكري حول قدرة حزب الله على حماية لبنان من سوريا، أودّ أن اشير الى انه في الشهر الخامس من سنة 2011 هتف المتظاهرون في درعا: “لا ايران ولا حزب الله.. بدنا مسلم يخاف الله”. وفي التظاهرة نفسها تم حرق صور السيد حسن نصرالله، وكذلك فعل متظاهرون في دير الزور والبوكمال، في وقت لم يكن حزب الله قد اعلن موقفًا سلبيًا رغم الهتافات الطائفية التي هتف بها المتظاهرون والتي بدأت تعلن هويتهم والتوجه الذي يذهبون اليه، ومن الشعارات التي أُطلقت أيضًا: “العلوي عالتابوت والمسيحي ع بيروت”.
إنّ تذكيري بحرق صور السيد حسن نصرالله وبالشعارات الطائفية التي اطلقها المتظاهرون عَنَت لنا الكثير حينها في توصيف الذي يحصل، وأكّدت وجهة نظرنا حول استخدام النموذج التونسي والليبي والمصري في التظاهر، في محاولة لإسقاط نفس السيناريو في سوريا بفارق ان من تظاهر في تونس وليبيا ومصر لم يكن بإمكانه الهتاف بهتافات طائفية نظرًا لعدم وجود طوائف اخرى، باستثناء مصر التي تضم عددًا كبيرًا من المصريين الأقباط، وهم في المناسبة ليسوا بعيدين عن دائرة استهداف الأخوان المسلمين والحركات السلفية المتشددة.

الهدف ممّا يحصل كان واضحًا لنا منذ البداية، وما تغليف التحركات بالمطالب الإصلاحية إلّا غطاء لما هو آتٍ، حيث بدأت حملة اعلامية غير مسبوقة توازيها تحركات أمنية مريبة دفعت الأمور بسرعة الى الصدام المسلح، رغم أنّ الجيش السوري نزل الى المواجهة دون سلاحه لمدة ستة اشهر، واقتصر حمل السلاح على اجهزة الأمن في دلالة على حسن نوايا الدولة ورغبتها في عدم دفع الأمور الى الهاوية.

في أيار 2011، دعا السيد نصرالله الدولة السورية و”المعارضة” الى طاولة الحوار، وتدخل اكثر من مرة وتواصلت قيادة الحزب مع شخصيات معارضة، وهذا كله موثّق ويمكن العودة اليه والبناء عليه.
في نيسان 2013، وبعد سنتين من المواجهة تدخل حزب الله في سوريا، حيث لم يكن ممكنًا ان يبني الحزب استراتيجيته على حرق صور للسيد حسن ورفع شعارات طائفية فقط على خطورة المسألة ودلالاتها بموازاة مراقبة مسار المواجهة في سوريا.

قرار المواجهة داخل سوريا الذي اتخذه حزب الله كان منطلقًا من حسابات استراتيجية، وهي:
1-    إنّ أي سقوط للدولة السورية كان سيشكل مخاطر غير محدودة على حزب الله ولبنان، فمن ينسى التعهدات المبكرة لـ”الثوار” للكيان الصهيوني بأنّ اولى اجراءاتهم ستكون قطع العلاقة مع ايران وقطع خطوط الإمداد عن حزب الله، خصوصًا أنّ سوريا كانت خط الإمداد الوحيد للحزب، وهذا ما دفع حزب الله الى التدخل في اماكن محددة ترتبط ببيئة الحزب في الداخل السوري ولها خصوصية عقائدية عنده كمقام السيدة زينب ومقام السيدة رقية، اضافة الى سلوكيات الجماعات المسلحة الوحشي في اكثر من مكان من سوريا وخصوصًا في بلدة القصير على الحدود مع لبنان.

2-    الخيار الأول لدى حزب الله تمثل في بدء معركة القصير وحسمها والتوجه جنوبًا على كامل خط الحدود مع سوريا، حيث كانت الجماعات المسلحة تسيطر على اغلب منطقة القلمون جرودًا وبلدات، وهو ما يدخل ضمن الخطة الرابعة الأميركية – الصهيونية والتي كانت تقضي بربط القلمون من مشارف حمص مع حرمون في منطقة الجولان لتحقيق الإطباق على دمشق بموازاة خطة اخرى سميت بخطة “H”، وهي كناية عن طريقي تقدم نحو دمشق يبدأ الأول من درعا وينتهي عند دمشق ويسير الطريق الآخر عبر اوتوستراد السلام ويصل ايضًا الى دمشق، ويربط بينهما طريق يربط الطريقين عند بلدات الكسوة وزاكية وصولًا الى خان الشيح، وهي مناطق تحررت جميعها في الآونة الأخيرة. مشاركة حزب الله في هذه المعارك كانت ضروريةً لدرء الخطر عن دمشق ولبنان معًا، حيث شكّل الإنتصار على الجماعات الإرهابية من القصير الى القلمون نطاق أمان واسع لسوريا ولبنان ومنع اسقاط العاصمة دمشق وتمدد الجماعات الإرهابية عسكريًا باتجاه لبنان، وهو الأمر الأهم لا بل الأكثر اهمية.

3-    خفف تدخل حزب الله في سوريا من حجم العمليات الأمنية داخل لبنان رغم وجود الكثير من الثغرات التي يمكن للجماعات الإرهابية الولوج من خلالها حيث، بدا واضحًا ان هذه الجماعات بدأت تعتمد اكثر على عناصر لها موجودين في لبنان، سواء كانوا لبنانيين او من جنسيات اخرى، وهي مخاطر ستبقى موجودة حيث لا يمكن لأي بلد تأمين امن بنسبة 100% رغم الجهد الكبير والمميز الذي تقوم به الأجهزة الأمنية اللبنانية والتي باتت تمتلك خبرات كبيرة في الإستعلام والتعقب والمتابعة والتنفيذ.

برغم كل ما تقدم، علينا ان لا ننسى امرًا اساسيًا وهو ان لبنان ومنذ انطلاق الحرب في سوريا تم تصنيفه من الجماعات الإرهابية كساحة جهاد وليس ساحة نصرة، وهو حال سوريا ايضًا ما قبل اطلاق هذه الحرب العدوانية وهو أمر ليس خافيًا ويمكن تبينه من وثائق الجماعات الإرهابية وسلوكها وتصريحات مسؤوليها، وهو ما يُسقط حجة القائلين ان ذهاب حزب الله الى سوريا كان سبب عمليات الجماعات الإرهابية في لبنان.

ما يجري في ادلب حاليًا من تذابح بين الجماعات الإرهابية يقدم لنا نموذجًا عن طبيعة هذه الجماعات، وما كان يمكن ان يحصل من مجازر ومذابح في المنطقة يتخطى كل التوحش الحاصل فيما لو استطاعت ان تسيطر على العراق وسوريا بشكل نهائي.
إذن، وانطلاقًا من الوقائع فإنّ حزب الله عندما دافع ويدافع عن سوريا انما يدافع عن لبنان كل لبنان.