Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر August 5, 2019
A A A
هل تغشّ المنظمات الدولية ودُول “سيدر” اللبنانيين؟
الكاتب: سركيس نعوم - النهار

بعد صدور “الموازنة” اللبنانية في أعقاب مخاض عسير أولاً داخل الحكومة وثانياً داخل مجلس النواب وثالثاً في أروقة المؤسسات الدستورية الثلاثة، تلقّت دولة لبنان تهاني كثيرة من دول عدّة معنية بلبنان وراغبة في مساعدته لتجاوز مصاعبه الاقتصادية المتنوّعة المتراكمة، سواء ثنائياً أو في إطار مؤتمر “سيدر” الذي انعقد قبل الانتخابات النيابية الأخيرة بأشهر. كما قدّمت تهاني مماثلة منظمات دولية قد يكون “البنك الدولي” أهمها في هذه المرحلة. وقد دفع ذلك خبراء اقتصاديين جديين في البلاد الى التساؤل عن دوافع التهاني المشار اليها وأسبابها باعتبار أن الطعن الجدي في الموازنة ممكن لعيوب كثيرة فيها رغم المخارج “القانونية” وغير الدستورية التي اعتمدتها الدولة لاصدارها من أجل اقناع المجتمع الدولي الاقتصادي والمالي والسياسي بأن لبنان استكمل كل ما طلبه منه وخصوصاً في مؤتمر “سيدر”، وبأنه ينتظر حالياً تدفق المساعدات التي وُعد بها. فقطع حساب موازنة الـ2017 لم ينجز ولم يصادق عليه رغم أن كل المعنيين بالمالية العامة في مجلسي النواب والحكومة أكدوا الانتهاء من وضعه قبل أشهر. وقطوع حسابات سنوات كثيرة سابقة لا تزال غير منجزة. ويعتقد اللبنانيون بغالبيتهم أنها لن تنجز، ليس فقط لغياب السجلات والمستندات والاوراق اللازمة، علماً أنها قد تكون موجودة، بل لأن الهدف الأساسي للمصرين على انجازها هو الاستناد اليها لاتهام أخصام سياسيين لهم بالفساد والسرقة والغش، وتالياً لإقصائهم عن السلطة والانفراد فيها. وهذا أمر يرفضه المستهدفون بهذه العملية ليس لأنهم غير فاسدين باعتبار أن الفساد يعم كل المؤسسات وغالبية زعامات “شعوب” لبنان، بل لأن الهدف الفعلي هو تسوية حسابات طائفية مذهبية داخلية. وفي أجواء كهذه تتعطل كل محاولة “لتجليس” الدولة ومؤسساتها خوفاً من انفجار يطيح الجميع. و”الاصلاح” الذي كان يفترض أن تتضمن الموازنة الجديدة قواعده ومشروعاته غاب كلياً، واقتصر في حال وجوده جزئياً على “إنجاز” وحيد هو خفض عجز الموازنة الى نحو 7,5 أو 7,6 في المئة، علماً أنه عملياً لا يقل عن 15 في المئة، وربما أكثر لأن مصرف لبنان يقدم بدوره مبالغ مالية لخفض هذا العجز الأمر الذي يسخّف الادعاء اللبناني بالنجاح في خفض العجز الى النسبة التي يطلبها المجتمع الدولي.
وفي أي حال يسأل أيضاً الخبراء الاقتصاديون أنفسهم كيف تكون الموازنة جيدة، إذا كانت نسبة النمو 1,5 في المئة رسمياً في حين أنها صفر في المئة بحسب مصرف لبنان، واذا كانت ديون لبنان بعملته وبالدولار الأميركي فاقت الـ86 مليار دولار وصارت فوائدها السنوية نحو 6,7 مليار دولار. وكيف سيتم تنفيذ الاصلاحات الموعودة اذا كان اكتتاب المصارف اللبنانية بـ11 مليار دولار (بالليرة اللبنانية) الذي عوّل ويعوّل عليه الكثيرون لن يحصل أو الشكوك في حصوله كبيرة، أولاً لأن المصارف رفضت ذلك، وثانياً لأن حاكم مصارف لبنان رفض التزام المصارف بذلك. ويتساءلون ثالثاً عن الطريقة التي ستجبى بها الضرائب في جو عام من الافلاس أو على الأقل الخوف منه. ويتساءلون رابعاً كيف يمكن لدول ومنظمات دولية تهنئة لبنان بموازنة تعرف قطعاً أنها نتيجة تسويات وتركيبات ليس عند واضعيها خطط استراتيجية لبناء ليس اقتصاد لبنان بل أيضاً لبناء دولة منيعة فيه؟ ولماذا وفي مقابل ماذا تُقدّم شهادات حسن السلوك لحكومات بل لدولة مشرفة على الافلاس الاقتصادي بعد افلاسها السياسي والوطني المزمن رغم “وعد الناس بالسمك الذي في البحر” أي النفط والغاز؟ ويضيف هؤلاء أن دفع المصارف فوائد تقارب الـ20 في المئة لإيداعات كبيرة بالدولار “مربوطة” لمدة طويلة ليس دليل صحة بل مؤشر الى وضع خطير، وخصوصاً اذا نص الاتفاق على حسم 10 في المئة من المبلغ المودع كفائدة مسبقة وعلى فائدة أخرى تفوق الـ12 في المئة تستوفى لاحقاً في مواعيدها. ويؤكدون أن فوائد بهذا الحجم لو أعطتها دول ثرية جداً بنفطها وغازها ومواردها الطبيعية الأخرى ومناعاتها واحتياطها المالي مثل السعودية لواجهت مخاطر إفلاسية جدية جداً. فكيف بلبنان شبه المفلس و”المهرهر” في كل المجالات؟ أراد البعض في الدولة مقاضاة مؤسسة التصنيف “موديز” لأنها وصفت وضع لبنان البائس بدقة. وطالب مؤسسة أخرى هي “ستاندارد أند بورز” بإرجاء إصدار تصنيفها الذي كان مقرراً في الـ23 من آب الجاري ستة أشهر كي لا ينكشف عدم جدية لبنان وصعوبة أوضاعه على أنواعها. فهل تتجاوب؟ وإذا فعلت فهل من يضمن أن تقوم دولة لبنان بما يجب خلال الأشهر الستة المشار اليها، بحيث يصبح تصنيف المؤسسة نفسها جيداً؟ طبعاً ليس سهلاً إعطاء جواب إيجابي عن ذلك. فالخطوات السياسية الحكومية المفيدة غائبة. والحكومة مشلولة. والإصلاح غائب رغم المطالبات اللفظية به.
هذا على الصعيد الاقتصادي فماذا على الصعيد السياسي؟ الوضع أكثر خطورة على هذا الصعيد. فالداخل اللبناني يعيش أجواء تشبه أجواء عشية بدء الحروب عام 1975، واتفاق الطائف يقترب من الانهيار لعقم الطبقات السياسية في كل “الشعوب” والبديل منه غائب. واحتمالات الحرب الاقليمية وإن بالوكالة لا تزال واردة. فروسيا أبعدت الايرانيين عن جنوب سوريا المحاذي لإسرائيل (الجولان) لكنها أبقت “حزب الله”. وإسرائيل منزعجة وغاضبة وتضرب. والأمين العام له السيد حسن نصرالله قال أكثر من مرة أخيراً إن استهدافه في سوريا سيشعل إضافة الى جبهتها جبهة لبنان، ويعني ذلك دماراً هائلاً في الجانبين.