Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر January 18, 2020
A A A
هل تستبق مخاوف “فيتش” القرار المؤلم بالتعثر؟
الكاتب: سابين عويس - النهار

فيما تتسارع خطوات البلاد نحو ملامسة قعر الهاوية، وسط غياب اي مؤشرات لمساع جدية لتلافي السقوط، تسير جهود تأليف الحكومة بخطوات سلحفاتية، غير عابئة بعامل الوقت الضاغط، مستغلة الوقت المستقطع بين التأليف وتصريف الاعمال لرمي مسؤولية الانهيار على مجهول معروف الهوية.

لم تعد لدى الاوساط الاقتصادية أي شكوك حيال لعبة هدر الوقت التي تمارسها السلطة السياسية باتقان للهروب من مسؤولية ما آلت اليه اوضاع البلاد الرازحة تحت وطأة ازمة مالية واقتصادية ونقدية غير مسبوقة، لن تكون بمنأى عن تداعياتها لمرحلة طويلة.

ولم تعد هذه الحقيقة مجهولة لدى هذه الاوساط، بعدما باتت واضحة هندسات السلطات المعنية الرامية الى تحميل الناس مسؤولية الاجراءات الموجعة المتصلة بإشراكهم في تحمل اعباء الدين العام من خلال اقتطاعات ستطال ودائعهم ومدخراتهم، من خارج القانون، على غرار ما حصل ولا يزال في شأن القيود على التحويلات والسحوبات بالنقد الاجنبي.

وما بين الكباش الحاصل على تقاسم الحصص والثلث المعطل في حكومة اللون الواحد التي تعكس بسخرية فاقعة حجم الثقة والتضامن في ما بين مكوناتها، وبين حال المماطلة السائدة على مستوى مواجهة الانهيار، جاء كلام كبير محللي وكالة “فيتش” الائتمانية جيمس مكورماك الى وكالة “رويترز” اول من امس عن ان “مالية لبنان غير المستقرة ترجح ان يتخلف البلد بطريقة ما عن سداد ديونه” من دون ان يستبعد أن يعمد إلى “سيطرة على جزء من الودائع المصرفية للمدخرين” على غرار ما حدث في قبرص.

وفي رأي مكورماك، إن حالة الديون المتعثرة تعرّف بأنها عندما يكون هناك تغيير جوهري في شروط السداد. ويشمل ذلك مد أجل الاستحقاق (الموعد النهائي للسداد) لتجنب تخلف عن السداد. وكلام المحلل جاء غداة نقاش على مستوى السلطتين المالية والنقدية استكمل في ما بعد في الاجتماع المالي في بيت الوسط، حول اقتراح حاكم المصرف المركزي رياض سلامة من اجل اجراء مبادلة للبنانيين من حاملي السندات المستحقة في التاسع من آذار المقبل ( مجموع الاصدار 1،2 مليار دولار، 50 في المئة تقريبا منه محمول من المصارف اللبنانية)، مقابل السداد لحاملي السندات الاجانب. وقد قوبل اقتراح سلامة بطلب وزارة المال تأجيل المبادلة ريثما تقرر الحكومة خطتها حيال تمويل الدين في السنة الجارية. والسبب الاساس لذلك يتصل بالمحاذير القانونية التي سيرتبها هذا الاقتراح الذي قدمه سلامة في شكل اولي من دون درس تبعاته القانونية، وامكانات اجراء انتقائية على مستوى حاملي السندات بين المحليين والاجانب.

وفي السياق عينه، لفت كلام رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري غداة الاجتماع المالي الذي ضمه الى سلامة وخليل، والذي تناول هذا الموضوع، عندما قال ان عملية استبدال الدين من مسؤولية الحكومة المقبلة، راميا كرة الملف في ملعب هذه الحكومة، علما ان هذا القرار جاء في اعقاب المعلومات التي ترددت ليل اول امس ان الولادة الحكومية باتت وشيكة، وبالتالي، ستتحول حكومة تصريف الاعمال الى حكومة مستقيلة تصدر مراسيم استقالتها فور صدور مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة.

والخطير في كلام مكورماك، معطوفا على كلام الحريري ان هذه المسألة المالية الدقيقة التي تشكل موضع اختبار لقدرات لبنان المالية على الالتزام بديونه وعدم التخلف، في سابقة ستكون الاولى من نوعها، يؤشر الى ان لا معالجة لها قبل تشكيل الحكومة، علما ان حكومة تصريف الاعمال تملك صلاحية اجراء الاستبدال او اتخاذ القرار بالسداد. واهمية الاعلان المسبق عن قرار الحكومة قبل موعد الاستحقاق هو لإراحة السوق وتخفيف الضغط على السندات، وابعاد كأس خفض التصنيف مجددا، خصوصا ان السلطات المالية والنقدية مدركة ان وكالات التصنيف الدولية في حال ترقب لما سيكون عليه موقف لبنان، من اجل تحديد تصنيفها الائتماني له. وهنا، تبرز خطورة كلام مكورماك الذي رجح ان يتم خفض التصنيف إلى C عند الاعلان عن التبادل وعند اكتماله. والمرجح خفض التصنيف إلى تعثر محدود، من دون ان يغفل الاشارة الى أن المزيد سيأتي في ما بعد، على قاعدة “أن المالية غير مستقرة” وأن نوعا من إعادة الهيكلة هو أمر محتمل، ولكن توقيت ذلك أقل وضوحا.

لا يوصد المحلل الباب كليا امام الحل، اذ يقول انه “عندما ننظر في وضع الحكومة في ما يتعلق بالسداد، يبدو ان الامر تحت السيطرة بالنسبة لحجم احتياطات النقد الأجنبي لدى المصرف المركزي. هو شحيح بعض الشيء، لكن إذا لم تتحقق التدفقات، سيصبح الأمر بالفعل أكثر إلحاحا”.