Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر March 6, 2022
A A A
هل تتكرّر أزمة العام 2008 الإقتصاديّة بسبب الأزمة الروسيّة – الأوكرانيّة؟
الكاتب: يمنى المقداد - الديار

 

مع بداية مشوار التعافي الإقتصادي من أزمة كورونا، والـتأهب العالمي لتخفيف القيود الإحترازية، وأملا بانطلاقة قريبة ترمّم اقتصادات الدول، حلّت الأزمة الروسيّة- الأوكرانية لتفرض معادلات إقتصادية جديدة، وتؤسس لجولة أخرى من التبعات السلبيّة سببها هذه المرة وباء “الحرب”.

رغم كلّ الترنّح الإقتصادي العالمي، هل أصبح بإمكاننا القول إنّ الإقتصاد العالمي تعافى من آثار جائحة كورونا؟

الخبير الإقتصادي الدكتور عماد عكّوش يؤكّد لـ “الديار” أنّ الإقتصاد العالمي قد تعافى بنسبة كبيرة قبل الأزمة الأوكرانية، والمؤشرات كثيرة منها معدل النمو الكبير الذي حققته الصين والذي بلغ حوالي 8.5 %، وزيادة الطلب على المحروقات والنفط، وهذا ما تجلّى بارتفاع سعر برميل النفط عالميا قبل الأزمة الأخيرة، على الرغم من زيادة الإنتاج العالمي بعد تخفيضه بسبب أزمة كورونا.

كساد إقتصادي

مما لا شكّ فيه أنّ التأثيرات الإقتصادية للحرب الأوكرانية -الروسيّة تتجاوز حدود البلدين لتمتّد إلى العالم بأسره، المتقدّم والنامي على السواء، وبرأي عكّوش فإنّها قضت على الإنتعاش الكبير في الأسواق العالمية ونمو الناتج القومي في معظم الدول، مشيرا إلى أنّ تأثيراتها كبيرة على أسعار الطاقة تحديدا، وأنّ تجاوز سعر برميل النفط والغاز لـ 100 دولار، سيؤثّر بشكل كبير جدا على النمو الإقتصادي العالمي ويؤدي لانكماشه كما حصل سنة 2008 عندما تجاوز سعر البرميل 100 و 120 دولارا، بالأخصّ في الدول الإستهلاكية صاحبة أكبر إقتصادات العالم كدول الإتحاد الأوروبي والصين والهند، وكذلك الولايات المتحدة التي تستهلك وحدها نحو 20 مليون برميل يوميا فيما لا يتخطّى إنتاجها 10 مليون برميل، موضحا أنّ ارتفاع سعر برميل النفط سيؤثر على كلفة الإنتاج ويرفع أسعار السلع الإستهلاكية، ما سيؤدّي بالمحصلة لانخفاض في الإستهلاك وانكماش في الإنتاج.

من المستفيد من الأزمة؟

رغم تداعياتها السلبيّة على اقتصادات دول العالم، هناك من يجد في الأزمة الأوكرانية -الروسيّة غنائم كثيرة، هنا يفيد عكّوش، أنّ بعض الدول المنتجة للنفط والغاز يمكن أن تستفيد من الأزمة الأوكرانية- الروسيّة ولكن بشكل مؤقت، فارتفاع سعر برميل النفط والغاز سيؤثر على الناتج القومي لهذه الدول ووارداتها، وسيحدث فائضا بموازناتها، خاصة أنّ معظم موزانات هذه الدول مبنية على سعر برميل نفط لا يتجاوز 65 دولارا، ما ينعكس تاليا على معدلات نموها، مؤكّدا أنّه نمّو مؤقت، فالإنكماش الاقتصادي الذي يمكن أن يحصل نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة سيؤثر على الطلب العالمي عليها فتنخفض الكميات المباعة ما سينعكس بدوره على واردات هذه الدول في المستقبل.

العقوبات على روسيا تعزّز صادرات الغاز الأميركي

بدأت الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على روسيا، وهدّدت بالمزيد تباعا، وهذا سيؤثّر بطبيعة الحال على قطاع النفط والغاز الروسيّ وعلى أوروبا المستوردة ودول أخرى. فمن هي أكثر الدول المستفيدة، وما البديل عن الغاز الروسي؟

تجدر الإشارة، إلى أنّ قادة الاتحاد الأوروبي وافقوا خلال قمتهم في بروكسل على فرض حزمة عقوبات جديدة على روسيا استهدفت قطاعات المال والطاقة والنقل. وبرأي عكّوش فإنّ الإتحاد الأوروبي بصدد فرض عقوبات على الشركات الروسيّة وخاصة اتجاه القطاع المصرفي والشركات المالية، لكنّه استبعد –بحسب بيان الإتحاد- فرض عقوبات على شركات الطاقة، ما يجعل من شركات الغاز والنفط بمنأى عن هذه العقوبات، لكنّ الأمر منوط بالأحداث اللاحقة، وما إذا كانت ستتصاعد وتشمل شركات النفط والغاز، موضحا أنّ المستفيد من كلّ ذلك هي الولايات المتحدة الأميركية المصدر الأكبر للطاقة والغاز المسال للإتحاد الأوروبي، فقد صدّرت الشهر الماضي نحو 7.3 مليون طن من الغاز، ما يجعلها أكبر مصدر للغاز المسال في العالم تليها قطر.

“نورد ستريم 2”

لا يستبعد عكّوش أن تستمر الولايات المتحدة الأميركية بالضغط باتجاه فرض الكثير من العقوبات على شركات الغاز والنفط الروسية وهي بالأساس قد فرضت عقوبات على “نورد ستريم 2” وأوقفت العمل به، وهو السيل الشمالي الذي يمرّ تحت بحر البلطيق وبموازاة المياه الإقليمية لبولندا والدنمارك وألمانيا، وكان يمكن أن يغذّي دول الإتحاد الأوروبي بخمسين مليار متر مكعب من الغاز سنويا ويساهم بنسبة كبيرة بأسعار طاقة رخيصة لها، لافتا إلى أنّ السيل الأول “نورد ستريم 1” لا يزال شغالا، لكنه يعمل بناء على طلب الدول التي هي بحاجة لهذا الغاز، وتساءل عكّوش عمّا إذا كان سيتّم وقف العمل بهذا الخط أيضًا، معتبرا أنّ ذلك رهن التصعيد السياسي والعسكري والعقوبات، ومستبعدا في الوقت عينه أن تصعّد الولايات المتحدة العقوبات على شركات الطاقة الروسية، لأنّ لا مصلحة لها في ذلك.

لبنان والأزمة الأوكرانيّة- الروسيّة

يتوجّس إقتصاديون من حدّة تأثير الأزمة الروسيّة- الأوكرانيّة على اقتصاد لبنان في بعض القطاعات. يشرح عكّوش هذا التأثير بأنّ لبنان دولة مستهلكة للطاقة والنفط والغاز، ومن الطبيعي أن يؤثر ارتفاع هذه السلع على ناتجه القومي، ويمكن أن يحدث انكماشا في اقتصاد البلاد نتيجة ارتفاع اسعار السلع الإستهلاكية، ويقلّص قدرته على التصدير للخارج لارتفاع ارتفاع أسعار النقل والشحن، كما سيصبح خروج العملات الصعبة من البلد أكثر من دخولها، مشيرا كذلك الى أنّ لبنان يعتمد بدرجة كبيرة جدا على توريدات المغتربين والتي ستنخفض بدورها اذا حصلت أزمة كساد في العالم.

في خضّم هذا الأثر السلبي، هناك إيجابية لفت إليها عكّوش وهي أنّه يمكن للبنان أن يخلق فرصة من هذا التهديد الإقتصادي من خلال الإسراع بالتنقيب عن الغاز والإستفادة من الآبار الموجودة على الشواطىء اللبنانية، ولكن الأمر يحتاج الى قرارات سياسية جريئة.

كيف يمكن للبنان تفادي هذه الأكلاف الإقتصادية أو التعامل معها؟

يقترح عكّوش أن يذهب لبنان إلى الطاقة البديلة، الخيار الأفضل للبنان سواء في هذه الأزمة وغيرها، مطالبا بسنّ وإقرار تشريعات وقوانين جديدة تسمح بانتاج الطاقة البديلة عبر البلديات والشركات، مصدرها الرياح أو الشمس فالكلفة ستكون الأقل بين كلّ الخيارات المتاحة.

بديل القمح الأوكراني

تأثير آخر للأزمة الأوكرانية يتعلّق بالقمح وأزمة الرغيف المتوقعة، فبحسب وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، يمتلك لبنان كميات من القمح تكفيه من شهر إلى شهر ونصف، كاشفا أنه يحاول حجز كمية كبيرة من القمح تكفي لبنان لمدة عام، مضيفا في حديث تلفزيوني أن لبنان يستورد من أوكرانيا ما بين 50 إلى 60% من القمح، والباقي من روسيا ومولدوفيا وغيرها من الدول، وأوضح أن بعض المناطق في روسيا تستطيع تصدير القمح الروسي، بشرط “أن لا تقف العقوبات عقبة أمام عمليات التصدير”.

عكّوش يرى أنّه بعد تدمير الإهراءات جرّاء تفجير المرفأ لم يعد يملك لبنان يملك احتياطي استراتيجي للقمح وما يملكه موجود إما في سفن عائمة أو داخل المطاحن، ولتجنّب أيّ أزمة رغيف يفترض أن تبدأ الحكومة بالبحث عن بدائل وإجراء مناقصات للحصول على الطحين من دول أخرى، خاصة وأن الأزمة الأوكرانية يبدو أنّها ذاهبة باتجاه التصعيد الطويل، وعلى الحكومة أن تؤمن الطحين بحجز السفن على فترات متعددة.

عكّوش رأى أنّه إذا لم يتّم رفع إنتاج منظمة أوبك بالنسبة للنفط، وتوقيع إتفاقية نووية مع إيران( كانت تصدر نحو 3.5 مليون برميل يوميا)، فنحن ذاهبون الى أزمة كبيرة جدا بالنسبة لأسعار الطاقة إذ يمكن أن يتجاوز سعر برميل النفط 150 دولارا، ما يعني وقوع مشكلة كبيرة بالنسبة للإقتصاد العالمي، يمكن أن يؤدي إلى كساد كبيرة جدا والى أزمة شبيهة بأزمة 2008، عطفا عن أزمة إنسانية إذ ستصبح الدول عاجزة عن تأمين مساعدات للدول الفقيرة لانها ستعاني نقصا في السيوةلة جراء الكساد، وبالتالي عدم القدرة على تأمين مساعدات للدول الفقيرة.

ركود 2008

تعود الذاكرة بخبراء الإقتصاد والمال إلى الأزمة المالية العالمية التي تفجّرت في أيلول 2008، واعتبرت الأسوأ منذ كساد العام 1929، وقد بدأت في من خلال أزمة الإسكان في الولايات المتحدة الأميركية، وامتدت إلى الدول الأوروبية والآسيوية والخليجية والنامية، والتي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأميركي، ما أحدث ركودا في اقتصاد كل من الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وأيطاليا وألمانيا وكندا وروسيا وغيرها من الدول.

فهل يعيد التاريخ نفسه ونكون أمام 2008 جديد؟ مآل الأزمة الروسيّة-الأوكرانيّة كفيلة بالتوضيح في الأيّام المقبلة!