Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر December 13, 2024
A A A
هل تتحول سورية إلى خاصرة رخوة أميركية إسرائيلية؟
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

– إذا كان أحد وجوه المشهد السوري هو الخسارة التي لحقت بخط المقاومة عبر فقدان دولة مواجهة محورية بحجم سورية لعبت دوراً تاريخياً في دعم المقاومة واحتضانها، وإذا كانت هذه الخسارة جسيمة معنوياً لكن حجمها المادي محدود جداً باعتبار أن المقاومة عموماً، واللبنانية خصوصاً، تجاوز مرحلة الحاجة للرعاية والدعم، وقد اشتد عودها، وصارت تصنّع أسلحتها، وخصوصاً طائراتها المسيّرة التي أظهرت فاعلية استثنائية في الحرب الأخيرة، إضافة لكونها تمتلك مخزوناً لا يُستهان به من الصواريخ الدقيقة ولم تستعمل منه إلا القليل. هذا إضافة الى ما أظهرته الحرب من حجم قوة المقاومة البرية المحترفة ومستوى كفاءتها ومهاراتها، إلا أن ثمة وجهاً آخر للمشهد السوري إسرائيلياً قوامه زوال الشعور بالاطمئنان الذي كان قائماً، رغم أن سورية دولة مواجهة يحكمها رئيس يصفه الإسرائيليون بـ”الراديكالي” الخطر، مقابل قلق من جبهة حساسة يقف خلفها نظام حكم جديد يُبدي رغبة بالتهدئة، لكن الحديث عن قدرة السيطرة تبدو موضع نقاش في مؤسسات الكيان، قبل سنوات يحتاجها بناء أي نظام جديد.

– ينشغل الباحثون الأميركيون بمحاولة إيجاد معادلة تتفادى ما يسمّونه بالثقب الأسود في الوضع السوري، ومحوره التصادم الكرديّ التركيّ الحتميّ، وصعوبة اتخاذ واشنطن خياراً حاسماً بالتضحية بالتحالف مع أحد الطرفين، والواضح أن الدولة العميقة في واشنطن غير معنيّة بتركيا بمقدار اهتمامها بالأكراد، بينما في الدولة الظاهرة حرص على مكانة تركيا ودورها الإقليمي وعضويّتها في حلف الناتو، يقوم قائد المنطقة الوسطى في القوات الأميركية بزيارة شرق الفرات يعلن خلالها القلق من عودة تنظيم داعش والحاجة للتعاون مع قوات سورية الديمقراطية لمواجهة هذا الخطر، ثم يصل مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان إلى المنطقة انطلاقاً من تل أبيب حيث تقام الحسابات الأمنية الدقيقة، وبينما يعقد مؤتمراً صحافياً مخصصاً لمستقبل التفاوض حول اتفاق ينهي الحرب في غزة، يتركز حديثه عن أهمية التعاون مع قوات سورية الديمقراطية. وعندما يتحدّث وزير الدفاع من واشنطن حول المنطقة، يذكر التعاون مع قوات سورية الديمقراطية وينسى تركيا.

– الخاصرة الرخوة الأميركية المسماة العلاقة التركية الكردية الملتهبة، تقابلها خاصرة رخوة إسرائيلية عنوانها، التحسب لعودة نشاط عمليات المقاومة عبر الجبهة السورية، حيث كانت فصائل المقاومة تراعي وضع الدولة السورية وعدم تعريضها لمخاطر الردود، ولذلك تحجم عن القيام بعمليات عبر الحدود السورية. وهذا العامل لم يعُد موجوداً مع وجود مخيمات فلسطينية في سورية ومن ضمنها تشكيلات إسلامية سوف يكون من الصعب ضبطها، في ظل وجود مناخ إسلاميّ يسيطر على المشهد السوري. والمشكلة التي يتحدث عنها المحللون الإسرائيليون هي أن الدفع باتجاه الضغط على المشهد السوري الجديد للتقرّب من صيغة سلام مع “إسرائيل” يشبه الحالة المصرية والأردنية، وترتيبات أمنية موازية فهذا سوف يزيد من مشروعية الفلسطينيين بعدم مراعاة الوضع السوري. وإذا كان الخيار هو ترك هامش مريح للمشهد السوري للمطالبة بالجولان وخطاب عدائيّ للاحتلال، فإن ذلك سيشكل مدخلاً لمطالبة سورية الجديدة بحماية خيار المقاومة.

– يشكل ترحيب حركة حماس بالمشهد السوري الجديد واعتباره بشارة نحو القدس وفلسطين، سوف يطرح غداً سؤالاً من نوع لماذا لا تقوم دمشق المنتمية لمناخ حماس الثقافي والسياسي باستضافة قادة حماس الذين لا يجدون مقراً لهم في عواصم المنطقة؟ ولأن تل أبيب تعرف أنها لن تفتح الطريق لحلول للقضية الفلسطينية فهي تعرف أنها تغلق كل طرق الوسطيّة والمهادنة على القيادات الفلسطينية، وخصوصاً قادة حماس، حتى لو أرادوا ذلك، وكلما كانوا يحظون ببيئة مساندة لها قدر من الشرعية وقريبة من حدود فلسطين، كان القلق الإسرائيلي أشدّ. وكلما كان الضغط على سورية الجديدة للابتعاد عن فلسطين كانت نسبة إحراج القيادة السورية الجديدة أعلى، وإضعافها وهي في بدايات الطريق لإثبات قدرتها على بناء دولة في ظل هويتها والمترتبات السياسية لهذه الهوية، وفلسطين في مكانة غير قابلة للحذف من الهوية الإسلاميّة.

– واشنطن وتل أبيب رغم محاولة إظهار الشعور بالقوة، تعيشان هواجس الثقوب السوداء في هذا المشهد، وحتى الآن يبدو أن السيطرة على هذه الثقوب محفوفة بالمخاطر.