Beirut weather 14.65 ° C
تاريخ النشر August 30, 2025
A A A
هل انتهى زمن “البريفيه”؟
الكاتب: عمر عبدالباقي - لبنان الكبير

تعود إشكالية الشهادة المتوسطة “البريفيه” إلى الواجهة مع انطلاق العام الدراسي الجديد، في ظل تجدد الحديث عن إمكانية إلغائها نهائيًا بعد أن أُلغيت استثنائيًا أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة بسبب ظروف أمنية واقتصادية وصحية. وبين من يرى أن هذه الخطوة إصلاحية وتصب في مصلحة الطلاب، ومن يعتبرها تهديدًا للعدالة التعليمية، يبقى النقاش مفتوحًا على مصراعيه.

تُعتبر البريفيه منذ عقود امتحانًا رسميًا إلزاميًا يشكّل الفاصل بين مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي. لكنها منذ عام 2014 عُرضة للتأجيل أو الإلغاء عند الأزمات، ما أضعف مكانتها وأعاد طرح السؤال: هل ما زال هذا الامتحان ضروريًا بشكل تقليدي، أم أصبح عبئًا يجب التخلص منه؟

شدّدت وزيرة التربية الدكتورة ريما كرامي على أن موضوع البريفيه “لا يمكن النظر إليه كخطوة معزولة، بل هو جزء من إصلاح شامل للنظام التربوي في لبنان”. وأوضحت أن الوزارة تعمل على تغيير العقلية التعليمية السائدة عبر تحديث المناهج وتخفيف الحشو فيها، وإدخال مقاربات تعليمية أكثر تفاعلية، إلى جانب تطوير آليات التقييم.

وقالت كرامي:

“الإلغاء مطروح، لكننا نسعى لتنفيذه ضمن خطة زمنية مدروسة. الهدف ليس التخلص من الامتحان بقدر ما هو إعادة صياغة المسار التعليمي بما يخدم الطالب ويخفف عنه الضغط النفسي”.

وأضافت أن الوزارة، بالتعاون مع المركز التربوي للبحوث والإنماء، تدرس اعتماد بدائل قائمة على التقييم التراكمي والمشاريع، ما يعطي صورة أشمل عن مستوى الطالب بدلًا من الاعتماد على امتحان واحد يحدد مستقبله.

ولفتت إلى العقبات الكبيرة التي تواجهها الوزارة، خصوصًا المالية والإدارية، قائلة:

“نحن نعمل وفق موازنات قديمة لا تسمح بتوسيع الخطط كما نريد. قرار التعليم لأربعة أيام في المدارس الرسمية كان صعبًا ومؤلمًا، لكنه فرض نفسه لغياب الموارد. مع ذلك، أثبت طلاب المدرسة الرسمية تفوقهم أحيانًا بالحصول على منح جامعية، لكن هذا النجاح غير متساوٍ بين جميع المدارس”.

 

نعمة محفوض: استبدال البريفيه بتقييم مستمر أفضل

وفي حديث لموقع “لبنان الكبير”، أكد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، نعمة محفوض، أن هناك خطة لتغيير أسلوب تقييم الطلاب في مرحلة التعليم المتوسط، مشيرًا إلى أن الأمر لا يعني إلغاء التعليم أو فقدان المعايير الأكاديمية:

“في المناهج الجديدة، سيكون هناك بدائل لطرق التقييم التقليدية. بدلاً من الامتحان السنوي الموحد، سيتم اعتماد تقييم مستمر يشمل الفصل الأول والفصل الثاني، بالإضافة إلى العلامات الشفهية والاختبارات الشهرية والعلامات الفصلية. الهدف هو متابعة مستوى الطالب بشكل دائم وليس مرة واحدة في اليوم المحدد للامتحان.”

وأشار محفوض إلى أن هذا الأسلوب يتيح تقييم الطالب بشكل أكثر دقة وعدلاً، ويأخذ بعين الاعتبار جهود الطالب على مدار العام الدراسي بدلًا من اختبار كل المعرفة في جلسة واحدة:

“لا يمكن اختبار جميع الطلاب مرة واحدة في ساعة محددة. بعض الطلاب يواجهون صعوبة في يوم الامتحان، بينما قد يكون أداؤهم جيدًا على مدار العام. التقييم المستمر يضمن أن يُقاس مستوى الطالب بشكل أكثر واقعية”.

وحول إمكانية البدء بالمناهج الجديدة، أشار نقيب المعلمين إلى وجود عقبات مادية، خصوصًا مع الوضع الاقتصادي الحالي:

“المناهج جاهزة تقريبًا، لكن البلد يواجه صعوبات مالية في تأمين الكتب لجميع الطلاب، لذلك يتم العمل على حلول تدريجية”.

وأكد محفوض أن موضوع إلغاء البريفيه لم يُحسم رسميًا بعد، وأن ما يُثار اليوم من أخبار يبقى مجرد مقترح على طاولة النقاش:

 

“لا يوجد قرار معلّق أو نهائي. نحن نتابع التطورات عن كثب، وهدفنا دائمًا المحافظة على المستوى الأكاديمي للطلاب وضمان تعليم فعّال”.

وختم نقيب المعلمين حديثه بالتأكيد على أن التقييم المستمر أفضل أكاديميًا من الامتحان السنوي الموحد، لأنه يعكس قدرات الطالب بشكل أكثر شمولية ويقلل من التوتر والضغط النفسي المرتبط بالامتحانات التقليدية.

بين مؤيد ومعارض

أيّد الأخصائي التربوي حسام حمادة لموقع “لبنان الكبير” إلغاء البريفيه، معتبرًا أن “النظام القديم لم يعد يتلاءم مع حاجات الطلاب ولا مع متطلبات سوق العمل. امتحان رسمي في هذا العمر لم يعد مقياسًا حقيقيًا للقدرة التعليمية”. وأوضح أن التقييم التراكمي والمشاريع والملفات الدراسية يمكن أن تكون بدائل أكثر دقة وعدالة.

في المقابل، يرى ناظر مدرسة رسمية في بيروت، الأستاذ فؤاد مراد، أن الإلغاء “يضرب العدالة التعليمية”. وأضاف:

“إذا تركنا التقييم لكل مدرسة، سنشهد تباينًا كبيرًا بين مدارس متساهلة وأخرى صارمة، ما يضيّع المعيار الوطني. ورغم شوائبه، يبقى الامتحان الرسمي هو الضامن الوحيد لتكافؤ الفرص”.

على المستوى الشعبي، لا يقل الجدل حدة.

رنا، والدة طالب في الصف التاسع، اعتبرت أن “إلغاء البريفيه يخفف الضغط النفسي عن الأولاد، ويجعلهم يتفرغون للتعلم بدل التركيز على امتحان واحد يقرر مستقبلهم”.

بينما جورج، والد لطالبة في مدرسة خاصة، شدد على أن “الامتحان الرسمي يوحّد الطلاب على معيار واحد. إذا ألغيناه، سيصير في فوضى، وكل مدرسة ترفّع طلابها بطريقتها”.