Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر September 20, 2017
A A A
هل الهوية «البيومترية» ذريعة جديدة لاقرار «التمديد الرابع»؟
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

وافق مجلس الوزراء في الجلسة التي عقدها مساء الأحد بشكل مفاجىء من دون وجود أي حدث إستثنائي أو طارىء، على تطوير بطاقة الهوية الحالية الى بطاقة بيومترية تُعتمد في العملية الإنتخابية أي ما يُشبه «البطاقة الممغنطة» التي كانت السبب الأساسي للموافقة على «التمديد التقني» من قبل المعترضين على تمديد المجلس النيابي لنفسه للمرة الثالثة، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. كما وافق على اقتراح وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على آلية تسجيل المغتربين للمشاركة في العملية الإنتخابية. فهل يأتي عدم التمكّن من إنجاز هذه الهوية قبل الموعد المقرّر للإنتخابات في أيار من العام المقبل كذريعة جديدة تحتّم تمديداً رابعاً للمجلس نفسه؟!

الجواب أتى سريعاً على لسان وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي أكّد أنّ «هذا الأمر يساعد جدّاً على إجراء الإنتخابات في مواعيدها، وسيُنجَز قبل موعد هذه الإنتخابات بعد إقراره قانونياً في مجلس النواب»، ما يُطمئن رسمياً بأنّ الإنتخابات سوف تُجرى في مواعيدها من دون أي تأخير أو تأجيل، وأنّه ليس هناك بالتالي صفقة بقيمة 32 أو 40 مليون دولار، كما قيل، لإنجاز هذه الهوية. غير أنّ أوساطاً سياسية شكّكت بما أعلن وبدخول مسألة تحديث الهوية الحالية الى بيومترية بشكل فجائي على خط التحضير للإنتخابات النيابية خلال الأشهر المتبقية حتى أيار من العام 2018، في الوقت الذي كان يُحكى فيه عن تقريب موعد الإنتخابات مع تعذّر إنجاز «البطاقة الممغنطة»، إذ لا شيء يمنع من إجرائها خلال شهرين أو ثلاثة بدونها.

فإذا كانت وزارة الداخلية متأكّدة أنّه بإمكانها إنجاز الهوية البيومترية قبل موعد الإنتخابات، على ما قالت الاوساط، والتي تتمتّع بامتيازات أكثر من «البطاقة الممغنطة» سيما وأنّها صالحة لمدى الحياة وتُستخدم لأمور عدّة، على عكس البطاقة البيومترية الخاصة فقط بالإنتخاب، غير أنّ المعوقات التي قد تنجم عن إنجازها واعتمادها للمرة الأولى لا بدّ وأن تكون جمّة ولم يُحسب لها أي حساب منذ الآن. فماذا لو أتى موعد الإنتخابات من دون أن تكون قد أنجزت للناخبين كافة، لا سيما وأنّه لا يُمكن العودة الى الإنتخاب بالهوية الحالية بعد أن يتمّ إقرار الهوية البيومترية في مجلس النوّاب؟

وتعدّد الأوساط بعض الصعوبات التي قد تعيق اعتماد الهوية البيومترية قبل موعد الإنتخابات لا سيما فيما يتعلّق بالمسائل الإجرائية مثل ضرورة حضور كلّ ناخب شخصياً الى مراكز إنجازها للحصول عليها سيما وأنّها تعتمد على التقاط صورة الفرد الشخصية كما على بصماته مثل بصمة العين وسوى ذلك، فضلاً عن تكبّد الناخبين كلفة الإنتقال مرتين الى المراكز أولاً لإنجاز البطاقة وثانياً من أجل تسلّمها، ما يعني أنّ بطاقات كثيرة قد لا تُسلّم الى أصحابها قبل الإنتخابات لأسباب عدّة.
في المقابل، ذكرت الاوساط أنّ إتمام الهوية البيومترية يُدخل الإنتخابات النيابية في باب الإصلاح لجهة الحدّ من التزوير أو الإنتخاب مرتين، كما أنّه يُمكن استخدامها في المطارات (الـ إي.غيت) من دون أن تحلّ نهائياً مكان جواز السفر، وفي استحقاقات أخرى مثل الإنتخابات البلدية والإختيارية وسواها ويجري إصدارها لمرة واحدة فقط لمدى الحياة، الأمر الذي يُشجّع الناخبين على الحصول عليها، وإن تكبّدوا بعض العناء.

أمّا التسجيل المسبق للناخبين الذي لا يزال موضع نقاش وتباين في مواقف الأحزاب السياسية، فتجد الأوساط نفسها أنّه على وزارة الداخلية أن تكون جاهزة لإتمام العملية الإنتخابية مع أو بدون تسجيل مسبق، في حال تمكّنت من إنجاز الهوية البيومترية انطلاقاً من عدد الناخبين. فالتسجيل المسبق في مسقط رأس الناخب، بحسب البعض مثل «التيّار الوطني الحرّ» و«تيّار المستقبل»، سيُكلّفه المال نفسه الذي يستطيع دفعه يوم الإنتخاب للإنتقال من مكان سكنه الى مكان الإنتخاب في حال لم يتمّ اعتماده في مكان إقامته. كما أنّه، بحسب رأيه، قد يقيّد الناخب الذي لم يتسجّل مسبقاً، ومن ثمّ تحمّس للإنتخاب في اللحظة الأخيرة، فيُحرم عندها من حقّه في الإنتخاب، أي أنّ من مساوىء هذا التسجيل عدم إشراك الجميع في الإنتخابات. علماً أنّ الخلاف لا يزال يدور حول موضوع التسجيل المسبق للإنتخاب في أماكن الناخبين خارج مسقط رؤوسهم.

ويرى البعض الآخر مثل «حزب الله» و«حركة أمل» و«القوّات اللبنانية» في هذا التسجيل المسبق للإنتخاب أنّه شرط أساسي لتنظيم العملية الإنتخابية، وتسهيل لعمل وزارة الداخلية وتخفيف لنفقاتها التي تصل الى أكثر من 130 مليون دولار لناحية فتح أقلام الإقتراع اللازمة فقط في البلدات والقرى. كما أنّ معرفة أعداد الناخبين قبل موعد الإنتخابات من شأنه أن يحدّ أيضاً من تكاليفها، من وجهة نظر هذا الفريق، على ما أضافت الاوساط، فلا تُصدر مثلاً عدداً كبيراً من البطاقات لناخبين موجودين على لوائح الشطب وغير مهتمّين بالإقتراع أصلاً. فالتسجيل المسبق، برأي هذه الأحزاب، يُسهم في توفير كل اللوازم اللوجستية لعملية الإقتراع قبل موعدها، ومن لا يتسجّل مسبقاً لا يستطيع الإقتراع في مكان سكنه، إنّما يبقى له الحق بالإنتخاب في مسقط رأسه. وهذا الأمر من شأنه أن يُلغي فرضية دفع تكاليف انتقال الناخب من مسكنه الى بلدته، شرط انتخاب المرشّح الذي يُقدّمها له.

وممّا لا شكّ فيه أنّ اعتماد الهوية البيومترية على غرار البلدان المتطوّرة، يُصحّح العملية الإنتخابية نوعاً ما، على ما لفتت الاوساط، وهذا الأمر يُجمع عليه السياسيون لهذا وافقوا على إقرارها بعد أن جرى الحديث عن تعذّر إنجازها خلال الإنتخابات المنتظرة. لهذا يبقى موضوع عدم احترام المهل والمواعيد، من المسائل التي تُشكّل مجازفة كبيرة حتى قرب موعد الإنتخابات، سيما وأنّ إصدار الهوية وتوزيعها أو تسليمها وما يترافق مع هذه العملية من آلية وإجراءات، وأخطاء في الأسماء والصور والبصمات وإعادة تصحيحها يحتاج الى أشهر عدّة. كما أنّ بعض الأخطاء قد تظهر لاحقاً، أي خلال العملية الإنتخابية ولا يكون هناك من إمكانية لتصحيحها.

وتخشى الأوساط نفسها ألا تكون الأشهر القادمة كافية لإتمام ما تمّ التوافق عليه في مجلس الوزراء أخيراً، علماً أنّ القرار السياسي قد اتخذ، من أعلى المستويات، بضرورة اعتماد الهوية البيومترية في انتخابات أيّار المقبل سيما وأنّها تتيح للناخبين بالإقتراع في أماكن سكنهم. لهذا تقول بعض المعلومات أنّه سيتمّ العمل عليها سريعاً بعد التلزيم لكي لا تبقى أي ذريعة للإطاحة بالإنتخابات النيابية المقبلة وإقرار «تمديد رابع» من قبل مجلس النوّاب لنفسه، لأنّ الوصول الى مثل هذا الأمر المرفوض اليوم من قبل جميع الأحزاب والقوى السياسية قد «يطيّر البلد»، على ما سبق وأن حذّر رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي.

وشدّدت الاساط على أهمية عدم الربط بين الهوية البيومترية والتسجيل المسبق لكي لا يتمّ التذرّع بالأسباب التقنية مجدّداً بهدف إقرار «التمديد الرابع». ولكن يبقى الأهمّ بالنسبة للناخبين هو ألا يكون الهدف من إصدار الهوية البيومترية يتوقّف فقط عند الصفقة المالية التي جرى الحديث عنها وليس تسهيل العملية الإنتخابية على الناخبين، وإتمامها بالتالي بكلّ شفافية ومصداقية وإيصال ممثلي الأحزاب الفعليين الى الندوة البرلمانية.