Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر February 8, 2022
A A A
هل الرسالة اللبنانيّة خطوة نوعيّة لحفظ الحقوق النفطيّة.. أم ثمّة «صفقة تجري من تحت الطاولة»؟
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

 

يستأنف الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو الإسرائيلي آموس هوكشتاين، هذا الأسبوع جولته المكوكية الثانية في لبنان والمنطقة، في ضوء الرسالة الأخيرة التي أرسلتها الحكومة اللبنانية الى مجلس الأمن عبر وزارة الخارجية والمغتربين والبعثة اللبنانية الدائمة لدى الأمم المتحدة، ردّاً على الرسالة «الإسرائيلية» الأخيرة. وقد جرى توزيع رسالة لبنان على أعضاء مجلس الأمن، مطالباً إصدارها كـ «وثيقة رسمية» من وثائق المجلس في إطار بند «الحالة في الشرق الأوسط». هذه الرسالة اللبنانية التي رأى فيها البعض خطوة نوعية وغير مسبوقة من قبل الحكومة اللبنانية التي لم تجتمع رسمياً لمناقشة مضمونها قبل إرسالها الى الأمم المتحدة، والتي كانت مطالبة بتعديل المرسوم 6433 لحفظ حقوق لبنان في المنطقة الإقتصادية الخالصة التي تنتهي عند الخط 29، فيما وجد فيها البعض الآخر ضوءاً أخضر لصفقة تجري من تحت الطاولة مع القوى السياسية، تجعل لبنان يخسر قسماً من المنطقة البحرية المتنازع عليها. فكيف سيكون عليه موقف لبنان خلال المحادثات الجديدة مع هوكشتاين الذي نصح «الإسرائيليين» قبل أن يصل الى لبنان «بعدم إثارة اللبنانيين كيلا يعترضوا على الصفقة التي جرى إبرامها مع الدولة اللبنانية»؟!

أوساط ديبلوماسية مطّلعة أوضحت أنّها ليست المرّة الأولى التي يردّ فيها لبنان على رسائل العدو الإسرائيلي التهديدية له، إذ سبق أن ردّ على المزاعم الواردة في الرسالتين «الإسرائيليتين» اللتين أرسلتا الى الأمم المتحدة في 2 شباط و21 كانون الأول من العام 2017، بشأن دورة التراخيص اللبنانية السابقة في 20 آذار 2017، و26 كانون الثاني 2018. أمّا الرسالة الأخيرة التي استبقت عودة هوكشتاين، فقد أعادت التأكيد على ما سبق وأن طالب به لبنان في رسالته المؤرّخة في 27 كانون الأول 2021 حول دعوة مجلس الأمن مطالبة العدو الإسرائيلي الإمتناع عن القيام بأي نشاط في المناطق المتنازع عليها. وأكّدت على أنّ جميع الأعمال بشأن دورة التراخيص الأخيرة التي أطلقتها الحكومة اللبنانية لمنح تراخيص للاستكشاف في عرض البحر تقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، خلافاً للإدعاءات «الإسرائيلية»، وهي غير قابلة للتنازل عنها بالحجج القانونية والميدانية الثابتة التي سبق وأن عرضها لبنان على طاولة المفاوضات غير المباشرة والتي تسمح له بتوسيع نشاطاته الإقتصادية جنوباً.

وهذا الأمر اعتُبر خطوة متقدّمة من قبل لبنان، على ما أضافت الاوساط، كونه «ثبّت» بطريقة أو بأخرى، ما قام الوفد اللبناني العسكري على طاولة المفاوضات بعرضه والتمسّك به على طاولة المفاوضات أي بالخط 29، الذي يملك حججاً قانونية وميدانية ثابتة، حتى وإن لم يتمّ ذكر اسم هذا الخط في الرسالة. كما دحضت وجود منطقة إقتصادية «إسرائيلية» خالصة مثبتة، بعكس ما ادّعى العدو الإسرائيلي بشأن ما يُسمّيه «حقل كاريش»، مجدّدة التأكيد على اعتراض لبنان الرسمي في رسالة سابقة على أي أعمال تنقيب في المناطق المتنازع عليها تجنّباً لخطوات قد تشكّل تهديداً للسلم والأمن الدوليين.

في المقابل، تجد أوساط متابعة لملف ترسيم الحدود البحرية والبريّة، أنّ الرسالة صيغت بلغة قانونية إحترافية عالية، ما يعني أنّه جرت صياغتها بالتنسيق مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونية غوتيريس، ومع الحكومة الأميركية كما مع بيروت. ففي الظاهر هي تعترض على عمليات التنقيب «الإسرائيلية» في المنطقة المتنازع عليها، بما فيها «حقل كاريش»، حيث انّ هذا الحقل يخترقه الخط 29، ما جعل المراقبين يفترضون أنّ الحكومة اللبنانية قد تخلّت عن الخط 23. غير أنّ الرسالة طمأنت الأميركيين بأنّها مع احتفاظها بحقّها في تعديل المرسوم 6433 وتبنّي الخط 29 بلا مواربة، فهي احتراماً لمساعي وساطة هوكشتاين آملة بنجاحها سوف تُعلّق قيامها بتبنّي هذا الخط القانوني، ووصفتها بالهدية المجانية للوسيط (كما لغوتيريس)، بهدف نجاح مهمته، ولهذا لم تقم بتعديل المرسوم وتودعه لدى الأمم المتحدة. ولكن، إذا فشلت المفاوضات، فستقوم بعكس ذلك. هذا تهديد يقوم به الضعيف لا القوي. والشعب اللبناني الذي يعاني من الفقر والبطالة والأزمة المعيشية الخانقة ليس في جوّ تقديم الهدايا المجانية لأحد.

أمّا «الخط التفاوضي» الذي لم يتمّ التوصّل الى ترسيمه بعد الجولات الخمس من المفاوضات غير المباشرة التي حصلت حتى الآن بين لبنان و»اسرائيل» منذ انطلاقها في 14 تشرين الأول من العام 2020، فتقول الأوساط الأولى انّه ستتمّ العودة الى مناقشته على طاولة الناقورة من حيث توقّفت المفاوضات ومن دون شروط مسبقة، على ما ورد في الرسالة الأخيرة، ولكن من دون تحديد أي موعد للجولة السادسة منها، وإذ لفت لبنان نظر مجلس الأمن الدولي الى أنّه لم يقم لحينه بأي خطوات إضافية احتراماً لمبدأ الوساطة، فإنّ هذا يسجّل له احترامه لمهمة الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة.

وفي ما يتعلّق بمسألة تأكيد لبنان على «الإحتفاظ بكامل حقوقه، في رفع أي مطالب لاحقة ومراجعة حدود منطقته الإقتصادية الخالصة، كما تنصّ المادة الثالثة من المرسوم 6433 تاريخ 1 تشرين الأول 2011، إذا فشلت المفاوضات غير المباشرة في تحقيق التسوية التفاوضية»، فهي تعني، بحسب رأي الاوساط، إمكان أن يعدّل لبنان إحداثياته ويودعها الأمم المتحدة في وقت لاحق. فالأمر يتوقّف على ما سيظهر له على الساحة الميدانية، فضلاً عن الإحتفاظ بحقّه في الإحداثيات الجديدة التي رسمتها قيادة الجيش والتزم بها الوفد المُفاوض على طاولة المفاوضات، أي بتوسيع المنطقة المتنازع عليها من النقطتين 1 و23 الى النقطتين 23 و29، وقد نجح في ذلك.

وبناء عليه، يُفترض أن تأتي عودة هوكشتاين المرتقبة لتوفير ظروف التفاهم على آلية ترسيم الخط البحري، وإن كان الأمر لن يحصل بالسهولة التي يعتقدها البعض، كون لبنان دخل في مسار الإنتخابات النيابية المقبلة. وتجد الاوساط أنّ رسالة لبنان الأخيرة الى مجلس الأمن، تدلّ على إصرار لبنان في الحصول على المثلث البحري بمساحة 860 كلم2 بكامله، ما يعني لا عودة الى ما يُسمّى «خط هوف»، فضلاً عن نصف المساحة تقريباً في منطقة النزاع الإضافية بمساحة 1430 كلم2، ما يجعله يحمي «حقل قانا» الذي يطالب به فيها، في حال اقترح هوكشتاين تقاسم الحقول النفطية كلّما جرى استكشاف أحدها بحسب موقعه في هذه المنطقة، ووفق هذه المعادلة، يمكن أن يعطى لبنان «حقل قانا» مقابل حصول العدو الإسرائيلي على «حقل كاريش»، على أن يتمّ رسم خط حدودي متعرّج، لكيلا يقتطع أجزاء من الحقلين المشار إليهما.

وأوضحت الأوساط المتابعة أنّ «الخطّ المتعرّج» هو حلّ بديل عن الترسيم الأفقي، لمعضلة المشاركة في وارادات الحقول المشتركة، وبدلاً عن ذلك يكون «حقل لنا وحقل لكم». ولأنّ الدول ذات سيادة، فيمكن أن تختار بالتوافق فيما بينها «الخطّ المتعرّج» أو الخط المستقيم. فإذا وافقا فلن تعارض الدول الأخرى هذا الحلّ، وستوافق عليه. وعندئذ يتمّ تسجيله لدى الأمم المتحدة، وتكون له مشروعية دولية. ولكن لبنان غير ملزم بالموافقة إذا كان لا يريد هذا «الخطّ المتعرّج»، كما يمكنه أن يطالب بتعويض ما مقابل تخلّيه عن القسم المخصّص له في «حقل كاريش»، أي الذي يدخل ضمن منطقته البحريّة، على أن يقيّمه ويحدّده هو، لا أن تكون الصفقة «خذوا قانا ونحن كاريش». فـ «حقل قانا» من حقّ لبنان، ونصف «حقل كاريش» هو له بموجب الخط 29.

وتساءلت الاوساط عمّن يقصد هوكشتاين بقوله اللبنانيين، عندما دعا «الإسرائيليين» الى عدم إثارتهم كيلا يعترضوا على الصفقة التي جرى إبرامها مع الدولة اللبنانية، كما تردّد. هل هم مهندسو الصفقة وعرّابوها من مسؤولين غير متفقين على موقف واحد؟ أم هم المعارضون من المجتمع المدني بقيادة العميد جورج نادر ود. فؤاد غزيري وبمساندة من د. عصام خليفة والسفير بسّام النعماني، الذين يدعمون موقف الوفد العسكري المفاوض والمتمسّك بالخط 29؟ وهل يخشى هوكشتاين أن يتمكّن هؤلاء من تأليب الرأي العام اللبناني على الصفقة المزعومة، أم أنّه يخاف من أن ينسحب أحد العناصر الأساسيين في الدولة من المفاوضات التي تجري تحت الطاولة والتي لا تؤدّي في النتيجة إلّا الى إضعاف الموقف اللبناني التفاوضي؟

واستطردت الاوساط : ما هي تفاصيل هذه الصفقة التي أُنجزت؟ هل هي فعلاً «خطّ متعرّج» يمرّ بين حقلي «قانا» و»كاريش» من دون أن يمسّ بأي منهما، أم «خط بحري مستقيم» بين النقطتين 23 و29 قد يحمل اسم الخط 25، أو اسم أي شخصية معنيّة بترسيمه، على غرار «خط هوف»، فـ «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم»؟ وهل سيجيب أحد من المعنيين عن تفاصيل تقاسم الثروة في الحقول المشتركة الحالية أو التي قد تُكتشف لاحقاً في حال جرى اعتماد هذا الحلّ التسووي الأخير؟! وهل إذا جرى التوصّل الى هذا الحلّ، لكي يتمكّن لبنان من الاستفادة من مردود ثروته النفطية لإنقاذ وضعه الإقتصادي من المزيد من الإنهيار، ستعود الشركات الدولية الملزّمة التنقيب عن الغاز والنفط في البلوكين 4 و9 حتى الآن، أي كونسرتيوم الشركات (توتال الفرنسية، ونوفاتيك الروسية، وإيني الإيطالية)، لبدء أعمال التنقيب؟ أم ستنتظر الإشارات السياسية، والتسويات الجارية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في محادثات فيينا، وخصوصاً أنّ ملف الترسيم الحدود البحرية اللبنانية موضوع على طاولة هذه المفاوضات، كما تقاسم الأدوار في لبنان والمنطقة؟! وهل ستبقى محادثات هوكشتاين بين لبنان و»اسرائيل» كلاماً في الوقت الضائع، الى حين إعطاء الضوء الأخضر من دول الخارج؟!