Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر January 7, 2019
A A A
هل اصبح خطر الدمار الشامل قاب قوسين؟
الكاتب: العميد شارل ابي نادر - موقع المرده

في متابعة بسيطة لمنسوب التوتر الذي يتصاعد حاليا بشكل متسارع بين روسيا من جهة وبين الولايات المتحدة الاميركية من جهة اخرى، لا يمكن وضع ذلك في الاطار العادي الذي تعوّدت عليه الدولتان، وتعّود ايضا عليه المجتمع الدولي في المرحلة الاخيرة، منذ ما قبل الحرب الباردة وخلالها وما بعدها، فاليوم اصبحت لا تحصى ولا تعد الملفات الخلافية العنيفة والصدامية بين الدولتين، ومن الواضح ان الوضع حاليا بين القطبين اصبح يأخذ منحى خطيرا وحساسا، ولم يعد من الممكن النظر اليه نظرة روتينية عادية.
ما بين الخلافات الروسية الاميركية حول ملف سوريا ومتفرعاته المتشعبة والمعقدة، وملفات اوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وملف الكوريتين وملف الاتفاق النووي الايراني، وملفات السباق على التوسع وبسط النفوذ في المحيطات وما وراء البحار، الى ملفات العقوبات الاقتصادية والخلافات الجمركية، تبقى اكثرها خطورة بين الدولتين، تلك المتعلقة بخرق كل من الطرفين ( حسب اتهام كل طرف للآخر) للمعاهدات الادق والاكثر حساسية، والمتعلقة بضبط التسلح بالصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى وحتى الطويلة منها، وايضا بخرق المعاهدات المتعلقة بوقف تطويرالقدرات الاستراتيجية وبتخفيض الرؤوس النووية.
وفيما تتداخل وتتناقض حجج ومبررات اتهام كل طرف للآخر، فتسمع الاول يتهم الثاني بتقويض الاستقرار العالمي وبتوجيه الامور الى مواجهة مدمرة، ليرد الثاني الاتهام مفندا تجاوزات الآخر للقوانين وللمعاهدات الدولية، تبقى النتيجة الثابتة ان الخطر الاكيد لن يوفر احدا من الاثنين ومن الدول المحيطة بهما، عند تفلّت الامور وغياب آليات الضبط التي من المفترض ان تكون خطا احمرا لا مجال لتجاوزه من احد.
بالمقابل، وفيما لم يكن هذا الملف الصاروخي النووي المذكور اعلاه قد وجد طريقه للحل، وبدت الامور بين الدولتين في طريقها نحو سباق تسلح قديم جديد، حيث اعلن الروس عن تطوير قدرات جديدة لافتة ونوعية، مقابل إفصاح الاميركيين عن قدرات مماثلة او تفوقها فعالية وقدرة، ظهر بين نهاية العام المنصرم ( 2018 ) وبداية الحالي (2019 ) ملف الاحتجاز المتبادل لمواطني كل من الدولتين على اراضي الطرف الاخر، ليعطي هذا التوتر الموجود اساسا بقوة، جرعة مسمومة، قادرة على إحداث فتيل التفجير والمواجهة المباشرة في اية لحظة غير محسوبة، وذلك تبعا للمعطيات التالية :
على خلفية إحتجاز المواطن الأمريكي بول ويلان، والموقوف حاليا من قبل جهاز الامن الفيدرالي الروسي بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة الاميركية، قال نائب وزير الخارجية الروسى سيرغي ريابكوف: ” إن هذا الملف بدا يتخذ منحىً خطيراً، وأن مسألة مبادلته حاليا بالمواطن الروسي دميتري ماكارينكو الذي اوقفه الاميركيون في جزر ماريانا بالمحيط الهادي وتم نقله إلى فلوريدا، و نطالب ( حسب ريابكوف ) واشنطن بتوضيحات بشان اعتقاله، غير واردة حاليا ( مسألة مبادلته )، لان ملفه اصبح في عهدة القضاء الروسي ولا يمكن البت بوضعه من قبل الاجهزة الامنية او الديبلومسية ” .
من جهة اخرى، كانت اعلنت وزارة الخارجية الروسية ان موسكو قد وفرت الوصول القنصلي للمواطن الاميركي بول ميلان المحتجز على خلفية اتهامات بالتجسس، في الوقت الذي لم توفر السلطات الاميركية الوصول القنصلي المماثل للمواطن الروسي ( ماكارينكو) المذكور، والذي تم توقيفه فور وصوله مع عائلته الى جزيرة تخضع للسيادة الاميركية، وذلك على خلفية اتهامه بالتآمر من اجل تصدير منتجات دفاعية اميركية.
من هنا تأتي حساسية الملف موضوع النزاع بين الطرفين والمتعلق بسيادة كل من الدولتين، على خلفية اتهام الاميركي بالتجسس ضد روسيا، واتهام الروسي بالتآمر ضد الولايات المتحدة الاميركية من اجل تصدير منتجات دفاعية، ومضمون هذا النزاع من الناحية الدولية ان الاتهام الروسي للسلطات الاميركية تطرق الى مخالفة الاخيرة إتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، حيث لم تؤمن الوصول القنصلي للرعايا الاجانب المحتجزين لديها في الوقت المناسب، كما تقضي الاتفاقية بالمادة 36 منها، الامر الذي حصل ايضا بطريقة معاكسة حيث اتهم الاميركيون السلطات الروسية بالتأخر بتأمين الوصول القنصلي للمواطن الاميركي بول ويلان.
اهمية هذا النزاع الديبلوماسي وخطورته بما وصل اليه من مستوى، انه يحدث في ظل تشنج غير بسيط بين الدولتين، بسبب اتهامات متبادلة بين الطرفين عن خرق كل منهما للمعاهدات والاتفاقات الدولية المتعلقة بضبط القدرات والاسلحة النوعية والنووية المدمرة.
من هنا ، إذا كان الصراع بين الروس والاميركيين قد وصل الى ملفات تعنى بخرق الاتفاقات الدولية، او بالاتهام المتبادل بخرقها، والتي طالما كانت المُوَجِّه والضابط للعلاقات بين الدول وخاصة بين قطبي العالم، إن كان لناحية تنظيم وادارة الاتفاقات الديبلوماسية او القنصلية كمعاهدة فيينا، او لناحية معاهدة خفض الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، او معاهدات تخفيض الرؤوس النووية، والتي من المفترض ان تضع حدا لامتلاك القدرات المدمرة ولاسلحة الدمار الشامل، فهل يمكن القول ان الخطوط الحمراء، والتي طالما كانت الفاصل بين القوى الكبرى عن المواجهة القاتلة، اصبحت مهددة بان تخرق ؟ واصبحت هذه المواجهة قاب قوسين؟ وبالتالي اصبح خطر الدمار الشامل قاب قوسين؟.