Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر July 28, 2019
A A A
هل اشترت أنقرة “أس-400” لإسقاط المقاتلات الأميركية؟
الكاتب: جورج عيسى - النهار

أظهرت تحليلات برزت خلال الأسابيع الأخيرة أنّ ما يصبو إليه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من خلال شراء منظومة “أس-400” الروسية يتخطّى نطاق الردّ على الأميركيّين لامتناعهم عن بيع تركيا منظومة “باتريوت”.
وفقاً للباحث الزائر البارز في “مشروع مارشال الألماني للولايات المتحدة” نيكولاس دانفورث، قدّم الأتراك تفسيرين متمايزين لكن متكاملين لإقدامهم على هذه الخطوة. يعتمد التفسير “الليّن” على “الإحباط” التركيّ من الحلفاء الأطلسيين، بسبب عدم دعمهم أنقرة ليلة الانقلاب الفاشل وعدم دعمهم أهدافها في سوريا إضافة إلى فشل بيع منظومة الصواريخ الأميركيّة.
لكن ثمّة حجّة أخرى تعبّر عن تناقض أكبر مع الأميركيين، ينقلها دانفورث عن كلام إردوغان لمناسبة مرور الذكرى الثالثة على الانقلاب: “على الرغم من مواثيقنا السياسية والعسكرية مع الحلف الغربي، الواقع هو أننا مرة جديدة نواجه التهديدات الكبرى منهم”. في هذه الحجّة أو التفسير، عوضاً عن أن يكون الغرب في موقع إثارة “الإحباط” في نفوس المسؤولين الأتراك، يسعى هذا التحالف إلى ضرب أو “تدمير” تركيا. ويضيف دانفورث أنّه من هذا المنظار، لم يشترِ إردوغان أس-400 لأنه لم يحصل على الباتريوت بل لأنه يريد نظاماً يمكن أن يسقط المقاتلات الأميركية التي كادت أن تقتله ليلة الانقلاب.
شبح الانقلاب مخيّم
لا تزال تركيا إلى اليوم تعيش على وقع تداعيات محاولة الانقلاب في تموز 2016 والذي أودى بحياة 250 شخصاً. اتهمت تركيا حليف إردوغان السابق وخصمه الحالي الداعية فتح الله غولن بالوقوف خلف الانقلاب، اتهام يرفضه الأخير بشدة. وترفض الولايات المتحدة تسليم الداعية (77 عاماً) الذين يقطن في ولاية بنسلفانيا منذ سنة 1999 بناء على كون الأدلة التي تقدّمها تركيا غير كافية كما تقول.
في ذلك الوقت، ذكر مسؤول عسكري لوكالة “رويترز” إنّ مقاتلتي أف-16 ضايقتا طائرة إردوغان حين كان عائداً إلى اسطنبول من عطلة في مرمريس. وأضاف: “لماذا لم تطلقا النار يبقى لغزاً”.
ربما عاد ذلك إلى إطفاء القبطان أجهزة الإرسال والاستقبال حتى تظهر الطائرة وكأنها مدنية. واضطرت حينها طائرته الاستمرار في التحليق لبعض الوقت بعدما سيطر الانقلابيون على مطار أتاتورك. وقال إردوغان آنذاك إنّ الانقلابيين قصفوا الأمكنة التي كان فيها بعد فترة قصيرة على مغادرته إياها.
معاني الاستعداد للمخاطرة
“كم عدد المرات التي تتوقع فيها أن تقصفك قواتك الجوية؟” السؤال الذي طرحه صولي أوزيل من جامعة قادر هاس في اسطنبول خلال حديثه إلى موقع “إذاعة أميركا” كان تمهيداً لقوله إنّ المسألة لم تعد ترتبط بالمنظومة الصاروخية بل بمدى “شرعية” النظام السياسي في تركيا إذا لم تتمكّن البلاد لغاية اليوم من معالجة التهديدات العسكرية الداخلية.
بالفعل، أصدرت أنقرة في 8 تموز الحالي أكثر من 175 مذكرة اعتقال بحق أفراد من القوات العسكرية لمشاركتها في الانقلاب، وهو مشهد يؤكّد أنّ تركيا لم تتمكن من تخطّي أحداث تلك المحاولة.
من جهة أخرى، ليس أمراً عرضياًّ أن تستقبل قاعدة أكينجي الواقعة في أنقرة أول قطع المنظومة الروسية. بحسب تركيا، انطلق الانقلاب من تلك القاعدة بالذات. وزير الدفاع الحالي ورئيس هيئة أركان القوات التركية حينذاك خلوصي أكار احتُجز فيها لساعات خلال المحاولة.
لم يكتفِ الأتراك بالإصرار على شراء الصواريخ الروسية بل ركّزوا إعلامياً أيضاً على الحديث عن اقتراب موعد تشغيلها. على الرغم من التحذيرات الأميركية، قال الرئيس التركي إنّه سيتم تشغيل منظومة أس-400 في نيسان 2020. قد لا يكون هذا التهديد مستنداً إلى تردّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فرض عقوبات على أنقرة فقط. إذا كان إردوغان مستعدّاً للمخاطرة بالعلاقات مع واشنطن و”الناتو” فهذا يعني وجود ما هو أكبر من رهان على علاقة شخصيّة قد لا تستمر لفترة طويلة. إنّ تهديداً “وجودياًّ”، حقيقياً كان أم متصوّراً، يمكن أن يفسّر أكثر الخطوة التركية الأخيرة.
إجهاض الانقلابات يتطلب هكذا خيارات؟
من بين الأسباب التي عدّدها الأستاذ المحاضر في جامعة ساوث كارولاينا علي دميرداش، ملاحظة تركيا خلال الانقلاب أنّها لم تملك آلية للدفاع في وجه الأسلحة الأميركية “الخاصة بها”. لذلك، أضاف أنّ للرئيس التركيّ مصلحة شخصية في حيازة منظومة صواريخ غير أطلسيّة يمكن أن تجهض أي محاولة إطاحة به في المستقبل.
على ضوء هذه الهواجس التي ذكرها المحلّلون يمكن فهم أيضاً أنّ السياسات الإقليمية المتشددة التي تنتهجها تركيا مرتبطة هي الأخرى بطريقة تعامل الولايات المتحدة مع الانقلاب الذي واجهه إردوغان. فتهديده منذ يومين بتدمير “ممرّ الإرهاب” شرق الفرات بغضّ النظر عن المحادثات مع واشنطن لا يعبّر عن اهتمام تركيّ بمحاولة تخفيف التوتّر الثنائيّ بين الطرفين.
وفي حين لا يُستبعد قيام إردوغان بتعزيز علاقاته مع إيران، يبقى مستوى هذه الخطوة غير معروف بالضبط حالياً. فالمسؤول السابق في مكتب الخدمة الخارجيّة التابع لوزارة الخارجيّة الأميركية إدوارد ستافورد أوضح ل “النهار” أنّ تركيا لن تستأنف على الأرجح تجارة النفط مع إيران بما أنّها ستكثّف الدعوات لفرض عقوبات اقتصادية أميركية على تركيا. ستافورد الذي شغل أيضاً منصب مستشار الشؤون العسكرية والسياسية في أنقرة، لم يخفِ مع ذلك اعتقاده بأنّ الخطوات التركية المقبلة ستعتمد بشكل عظيم على حدّة العقوبات الأميركية المفروضة بسبب شراء المنظومة الروسية.
“تطويق غربيّ عدوانيّ”
لقد أكّد دانفورث أنّ مستقبل العلاقات التركية-الأميركية سيُرسم وفقاً لمدى هيمنة تفسير “الإحباط” على تفسير “التهديد” أو العكس. علماً أنّ شعور “التهديد” متصاعد في دوائر “حزب العدالة والتنمية” حيث قال إردوغان وحلفاؤه مراراً إنّ الانقلاب هو “اجتياح أجنبيّ”. ويرى هؤلاء أنّ الأحداث في سوريا والشرق الأوسط هي دليل على “تطويق غربيّ عدوانيّ” لتركيا.
إذا تنامت هذه النظرة في عمليّة صناع القرار داخل أنقرة فهذا يؤشّر إلى أنّ الآمال بتحسّن العلاقات مع واشنطن ستتبدّد في نهاية المطاف، بما أنّ الشعور بالتهديد يقلّص لا إراديّاً حجم المساحات المشتركة التي يمكن أن ينطلق منها أيّ خصمين للبحث عن تسويات. السلوك التركيّ في المرحلة المقبلة قد يكشف الكثير على هذا المستوى.