Beirut weather 15.77 ° C
تاريخ النشر November 26, 2018
A A A
هل إستسلم الاتراك للاميركيين وتخلوا عن الابتزاز في قضية الخاشقجي؟
الكاتب: العميد شارل ابي نادر ـ موقع المرده

فجأة ، وبسحر ساحر، تذكر الاتراك اتفاقهم الذي ابرموه في حزيران من العام الحالي مع الاميركيين حول منبج، والذي لم ينفذ حتى الان، والقاضي بضمان واشنطن لانسحاب جميع المقاتلين الاكراد من المدينة السورية الشمالية، وحلول قوات امنية وعسكرية، اميركية – تركية مشتركة مكانهم، مع تأليف مجلس محلي لادارة شؤون المدينة، وعادوا اليوم وعلى لسان وزير خارجيتهم مولود تشاويش اوغلو لمطالبة واشنطن وبالحاح، بتنفيذه قبل نهاية العام الحالي .
في الواقع ، كان الاتراك قد وضعوا هذا الاتفاق على نار حامية، خلال كامل الفترة التي سبقت مقتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي، واثناء ادارتهم للقضية عبر عملية تسريب المعلومات عن الجريمة تباعا وبشكل تدريجي وعلى مراحل، وكأنهم يستدرجون العروض ويلتمسون الصفقات، غابت بالكامل متابعتهم او مطالبتهم بتنفيذ الاتفاق، بحيث بدا وكأنه غير موجود او وكأنه قد نُفذ، ليعودوا اليوم للمطالبة بتنفيذه من ضمن خارطة الطريق التي تعهد بها الاميركيون والتزموا ببنودها، فما الذي تغير عمليا بالنسبة للاتراك اليوم لتغيير مناورتهم ولعودتهم الى مربع الملف الكردي وفي منبج بالتحديد ؟ وما هي المعطيات الدولية والاقليمية التي تحدد مواقفهم بمواجهة الاميركيين حول الملفات المشتركة بين الطرفين وخاصة في الملف الكردي ؟
– لناحية قضية الخاشقجي ، يبدو ان الاتراك اقتنعوا بوقوف الرئيس الاميركي دونالد ترامب مع الحكم السعودي وخاصة مع ولي العهد الامير محمد بن سلمان، بمعزل عن مسؤولية الاخير او عدم مسؤوليته بالقضية ” الحدث “، وقد فهم الاتراك صلابة هذا الموقف الاميركي الرئاسي، الذي واجه به ترامب الجميع داخل مجتمعه الداخلي، المخابرات والاعلام والكونغرس، دون ان يتزحزح، الامرالذي لن يدفعه حكما لتقديم اي تنازل او لتنفيذ اي مطلب تركي باي ملف، خاصة انه إكتشف ” روحية الصفقة “، التي ادار بها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان التفاوض غير المباشر بالقضية .
– لناحية الملف الكردي، فقد ازداد يأس الاتراك من امكانية تخلي الاميركيين عن الاكراد على الاقل حاليا ، وخاصة في الشمال والشرق السوري، ذلك بعد ما تم الاعلان عنه لناحية الاتفاق الاميركي- الكردي حول تجديد التحالف بينهما لمدة عامين، والذي نتج عنه خطة عمل مشتركة، تقضي بتزويد الاكراد بالتجهيزات والاسلحة والمساعدات العسكرية وغيرها، خلال عقد كامل اعتبارا من نهاية العام الحالي .
– في موضوع شرق الفرات والنفوذ الكردي ايضا ، وبعد أن كان قد صرح الاتراك اكثر من مرة عن نيتهم التمدد جنوب حدودهم باتجاه الحسكة وعين عرب وتل ابيض، وقد استطلعوا ذلك بالنار في مناسبات عدة عبر استهدافهم بقذائف المدفعية والدبابات بعض المواقع العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية، وسقوط عدة اصابات في صفوف هؤلاء، عادوا وعدلوا عن الموضوع، بعد ان سارع الاميركيون الى وضع نقاط مراقبة عسكرية، شغلتها وحداتهم مباشرة وليس عبر حلفائهم الاكراد، على كامل الحدود التركية السورية شرق نهر الفرات .
جميع هذه النقاط، جاءت لتعيد الاتراك الى الواقعية في موضوع التخلي عن سياسة الابتزاز مع الاميركيين، ولتدفعهم ( الاتراك ) الى سحب مناورتهم التي حاولوا بها ربط قضية الخاشقجي بالملف الكردي، خاصة وان موقفهم كان ضعيفا في موضوع التسريبات حول المعطيات التي امتلكوها، لانهم حصلوا عليها عبر التنصت على القنصلية السعودية في اسطنبول، بطريقة خالفت القانون الدولي ومعاهدة فيينا حول حصانة البعثات الديبلوماسية .
طبعا بالمبدأ، لن يستسلم الاتراك في هذه المواجهة مع الاميركيين، خاصة وانهم يملكون العديد من النقاط المؤثرة في ملفات حساسة في المنطقة تهم الادارة الاميركية، وهم سوف يحاولون الالتفاف على مواجهة الاميركيين مباشرة من خلال ما يلي :
– الجنوح اكثر نحو الحضن الروسي، ومؤشرات ذلك ظهرت في الاتفاق الروسي التركي الاخير ” السيل التركي “، والذي صحيح انه يتعلق بنقل الغاز الروسي الى اوروبا والمتوسط، عبر الاراضي التركية وعبر مياهها الاقليمية، ولكنه يحمل نقاطاً استراتيجية، ستتجاوز الموضوع الاقتصادي حُكماً الى مواضيع اخرى اوسع واكثر تاثيرا في السياسة الدولية والاقليمية .
– سوف يذهب الاتراك اكثر نحو تنفيذ ما التزموا به في اتفاق سوتشي حول ادلب السورية، وهذا الموضوع بالاضافة لانه يثبت ويؤكد مصداقيتهم امام الروس، فهو سينعكس ايجابا لمصلحة الدولة السورية، من خلال تقوية نقاطها قبل التفاوض مع المعارضة وقبل اكمال تعيين اللجنة التي ستكلف باعادة درس الدستور السوري، وهذا الموضوع عمليا يعتبر ضد مصلحة واجندة الاميركيين .
فهل يمكن القول ان الاتراك سيستسلمون امام الاميركيين ؟ ام انهم انطلقوا في مناورة غير مباشرة لمواجهتهم، عبر تفعيل العلاقة مع الروس اولا، وثانيا عبر المساهمة جديا في حل الازمة السورية من خلال نفوذهم الواضح والفعال على المسلحين في الشمال السوري، الارهابيين والمعتدلين في نفس الوقت ؟.