Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر May 10, 2016
A A A
هكذا يُدير «داعش» حربه الإلكترونية
الكاتب: محمد موسى - الحياة

أفلام تُصور من ساحات القتال الفعليّة على شاكلة الألعاب الإلكترونية العنيفة، على أمل أن تجعل مشاهدها يعيش تجربة الحرب الحقيقية بما يشكله هذا من إغراءات لبعضهم، وفيديوات تظهر الجانب «الرحيم» لمقاتلي «داعش»، وهم يشيدون عالمهم «المثالي» في المناطق التي سيطروا عليها في العراق وسورية. هذه آخر ابتكارات الحرب الإعلامية المتواصلة لتنظيم «داعش»، والتي رصدها البرنامج التسجيلي الهولندي «تيخينليخت» في حلقته الخاصة عن الحرب الإلكترونية التي يخوضها التنظيم والتي عرضت أخيراً على القناة الحكومية الثانية، وحملت عنوان «سايبر جهاد».

ليس الفيلم الهولندي الأول الذي يقارب موضوع الحرب الإلكترونية للتنظيم، إذ سبقته أفلام غربية تناولت الماكينة الإعلامية لهذا التنظيم، الذي يولي، وفق أحد الخبراء الأميركيين الذين ظهروا في فيلم «سايبر جهاد»، أهمية للإعلام، توازي تلك التي يخصصها للحرب الفعليّة على الأرض. كما يبدو أحياناً أن التنظيم يستعين بخبراء نفسيين، يساعدون في إدارة هذه المعركة، لبث الخوف في الأعداء، وجمع المزيد من الأتباع.

ولعل التطور الأكثر خطورة في الحرب الإعلامية الجارية، هو الفيديوات التي تصور اعتداءات فعليّة لأعضاء من «داعش» على سيارات تبدو مدنية. ما يقلق في تلك الأفلام، الأسلوبية المثيرة والذكية التي صورت بها، إذ كانت الكاميرا دائماً خلف الرجل أو المجموعة التي تطلق الرصاص، ما من شأنه، وعلاوة على حركة السيارة التي تقل المقاتلين والكاميرا، أن يمنح المشاهد التجربة الحسيّة ذاتها التي توفرها بالعادة الألعاب الإلكترونية، وبالتحديد التفاعلية والانجذاب التام لما يجري على الشاشة. لكن الفروقات مع الألعاب الإلكترونية، بأن ما يجري على الشاشة، يذهب ضحيته بشر حقيقيون.

هكذا يُدير «داعش» حربه الإلكترونية

يحقق الفيلم التسجيلي الهولندي في اتجاهات عدة، فيقابل صحافية أميركية من أصول شرق أوسطية، تخصصت في متابعة النشاط الإعلامي لـ«داعش»، وبالتحديد ملاحقة الذين يصورون مشاهد الإعدامات والذبح الشهيرة. وعلى رغم صعوبة الحديث لأعضاء من «داعش»، إلا أن الصحافية ستجمع معلومات قيمة، تبين أن التنظيم يدرس جيداً صورته في أفلام الإعدامات تلك، ولا يترك الكثير للمصادفات. كما يتحكم تماماً بالصور الخارجة من مناطق هيمنته، وحتى الصور التي يطلق عليها «مسربة»، يجب النظر لها، وبحسب الخبراء في الفيلم، بكثير من الارتياب، إذ يمكن أن تكون جزءاً من الحرب النفسية للتنظيم.

ويربط صانعو الفيلم بين الحرب الإعلامية لـ«داعش»، والأثمان التي يدفعها أهل الذين التحقوا بالتنظيم من الأوروبيين المسلمين، فيتوجه في هذا الاتجاه إلى بلجيكا، ويقابل هناك أُمّهات وآباء فقدوا أبناءهم في سورية والعراق، والذين يتجمعون اليوم دورياً لأجل التخفيف عن أحزانهم، كما يحاولون مساعدة آخرين يمرون اليوم بالأهوال ذاتها. من القصص التي رواها أحد الآباء الذين ظهروا في الفيلم، أن ابنه اتصل به من سورية، وأخبره حينها عن رغبته بالعودة إلى بلجيكا، لكنه يخشى المحاسبة القانونية من السلطات في الدولة الأوروبية، وعندما طمأنه الأب بأن كل شيء سيكون على ما يرام، عاد الابن وغير ورأيه في اتصال هاتفي آخر، ليقتل بعدها بأيام، في حادثة مريبة، إذ يشاع أن «داعش» يتجسس ويعاقب الذين يفكرون بتركه بإرسالهم في عمليات انتحارية.

يُضيف الفيلم الهولندي إلى الجهود التلفزيونية الغربية التي تجتهد لتحديد معالم الماكينة الإعلامية القوية للتنظيم الإرهابي. لكنه وباعتراف صانعيه، ما زال بعيداً عن الإحاطة بكل ما يخص العدو الذكي، الذي لا نعرف إلا القليل عنه. فكثير مما يقوم به التنظيم على صعيد الإعلام وجذب الأتباع وتغيير قلوب المشككين، يتم تداوله في دوائر ضيقة، ولا يصل أحياناً حتى إلى انتباه الجهات التي تتولى دراسة وأرشفة ما يقوم به «داعش». ذلك أن هذا الأخير يمارس نشاطاته على مستويات عدة على الإنترنت، غالباً في مجاهل الشبكة العنكبوتية، والتي لا يعرف طرقها كُثر.