Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر January 8, 2024
A A A
هكذا يدير محور المقاومة المعركة مع أميركا و “إسرائيل”
الكاتب: مريم نسر - الديار

من بداية العدوان الصهيوني على غزة، والفتح التدريجي للجبهات المسانِدة للقطاع كان واضحاً، أن محور المقاومة يعمل ضمن خطة استراتيجية هدفها محدَّد ودقيق، خاصة بعد الكلام حول إمكانية وقوع الحرب الشاملة في المنطقة، واتخاذه منحى فيه الكثير من التحدّي والخطورة والتهور والمزايدة والحماس، إلا أنه بعد كلام الميدان الفعلي وكلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بخطاباته الأربعة خلال الحرب، والتي أخذت بأغلبيتها طابع الشرح والتوضيح المساهِم في رفع مستوى وعي الرأي العام، عادت الأمور وأخذت مسارها الطبيعي في فهم طبيعة المعركة بهدفها القريب والبعيد.

فبعد أن تم تجاوز الحديث عن الحرب الكبرى، برزت في خطابات السيد نصرالله أربعة معطيات تحليلية رسمت مشهداً دقيقاً عن إدارة محور المقاومة للحرب على غزة:

– المعطى الأول يتضمن ثلاث نقاط:

١- أوضح أمين عام حزب الله بشكل مفصّل وظيفة الإسناد من الجبهات المتعددة في تخفيف الضغط عن غزة ورفع مستوى الضغط على الكيان، حيث أجبرته جبهات الإسناد (لبنان، اليمن، العراق وسوريا) على البقاء بحالة توتر، سواءً على مستوى الطبقة السياسية أو القيادة العسكرية أو الجبهة الداخلية.

٢- فرضت الجبهات حالة استنزاف عسكرية وإقتصادية واجتماعية للعدو، من خلال حالة النزوح الكثيفة من مستوطنات الشمال أو تعطيل الحياة الاقتصادية في إيلات.

٣- أرسلت جبهات المحور رسالة مباشِرة للعقل “الإسرائيلي” عن جهوزيتها للمبادرة وتوسيع الحرب إذا ارتكبت “إسرائيل” ما يوجب ذلك، وبالتالي سلب عنصر المفاجأة من يد “الإسرائيلي”.

وبالتالي فإن مَهمة الإسناد لم تكن مجرّد التزام أخلاقي لرفع العتب، بل هي استراتيجية استنزاف في سياق الحرب وتطوّرها. وهذا ما ألمح إليه السيد نصرالله حين تحدّث عن تدمير المواقع “الإسرائيلية”، واضطرار جيش العدو الى استحداث تموضعات قريبة منها، مخافة إقدام المقاومة على خطوة السيطرة على هذه المواقع. وهذا ما اعتبره احتمالاً وارداً.

فالمعركة التي فتحها حزب الله على الحدود خرجت بنتائج إيجابية لمصلحة السيادة الوطنية اللبنانية، حيث ان إستعراض القوّة والتهديد وكثافة العمليات وحجم الإرباك الذي أوجدته المقاومة في جبهة العدو، تحوَّل الى ورقة قوّة لفرض شروط لبنان على العدو لتثبيت نقاط الترسيم حسب الرؤية اللبنانية وتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وهنا قَلَب السيد نصرالله الطاولة على دعاة تطبيق القرار ١٧٠١ وانتهازيي زواريب السياسة المحلية، وأرسل إليهم إشارة تأديبية مفادها أن لبنان في موقع فرض شروطه وتحرير أرضه وإبعاد العدو عن آخر حبة تراب لبنانية، وليس في موقع انسحاب المقاومة الى شمال الليطاني.

– المعطى الثاني: إن الفكرة المهمة التي أضافها السيد نصرالله هي احترام قادة المحور للخصوصيات والتعقيدات الوطنية لدول المحور، حيث أشار الى مراعاة المقاومة في لبنان للواقع الاقتصادي والسياسي، وحالة العجز في الدولة، ووجود أطراف سياسية تستثمر في المواقف لمصلحة العدوان، وتتعمّد إيجاد توتر في الجبهة الداخلية للمقاومة، وهذه المراعاة لها علاقة بترتيب أولويات المقاومة، وليس الخضوع لأولويات المستثمرين، وهذا ما صرّح به السيد نصرالله في حديثه عن الحرب المفتوحة بلا ضوابط وبلا أسقف، في حال اقتضت المصلحة الوطنية ذلك، سواء أرضى هذه الأطراف الداخلية أم أغضبها.

وبالانتقال الى الساحة العراقية المشابِهة نسبياً للساحة اللبنانية من حيث التمايز في المواقف بين المكوِّنات السياسية، تعمّد السيد نصرالله رفع الغبن الإعلامي عن الجبهة العراقية بتقديره للجهود والعمليات القتالية، التي تنفّذها المقاومة العراقية على القواعد الأميركية في العراق وسوريا، وأثنى على الموقف الرسمي العراقي من أحداث غزة ولكنه اعتبر أن استشهاد أحد قادة الحشد في بغداد “أبو تقوى” يشكِّل فرصة للدولة والمقاومة في العراق لوضع مصير الوجود الأميركي على الطاولة.

أما في الجبهة اليمنية، فإن هامش الحرية في القرار السياسي والعسكري الذي تملكه حكومة صنعاء، ومستوى الإلتفاف الشعبي حول القيادة اليمنية، والموقع الجغرافي الاستراتيجي على بوابة الشريان الحيوي للاقتصاد العالمي، مكّن اليمن من تطوير إسناده الى غزة وفلسطين، من إرسال المسيّرات والصواريخ الى محاصرة الكيان بحرياً، واستدراج حلفاء الكيان من الغربيين والعرب للكشف عن تموضعهم الحقيقي في هذه الحرب، وفضح العلاقة العضوية بين الأخطبوط الإقتصادي الصهيوني وأنظمة الحكم السياسية في الغرب، وقد سجّل اليمن في هذه الخطوة مجموعة انتصارات:

١- إنتصار أخلاقي.

٢- إنتصار إعلامي.

٣- إنتصار أمني.

٤- الكشف عن ضعف خيارات التحالف الدولي.

٥- حشر التمدد الطغياني الأميركي في العالم بين ضفتي البحر الأحمر، حيث أوقع أميركا بيْن خياريْن صعبيْن: إما المواجهة العسكرية المكلفة بين الأسطول البحري الأميركي والصورايخ اليمنية، وإما افتضاح عجز أميركا واستسلامها للقيادة اليمنية، فأميركا التي تفعل ما تريد في العالم باتت تواجه مأزقاً لحفظ هيبتها أمام الرأي العام العالمي.

– المعطى الثالث: هو توصيفه الدقيق لطبيعة علاقة أطراف المحور بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث أوضح أنها علاقة قائمة على الدعم دون افتراض التبعية كما حال علاقة الأميركيين بأتباعهم، فكل طرف من دول المحور له خصوصيات سيادية، وإيران تقوم بدور تقوية الأطراف تحت مظلة الرؤية الاستراتيجية المشترَكة، وهي تحرير المنطقة من الاحتلال الأميركي وفلسطين من الإحتلال الصهيوني، فإيران لا تقاتل بمرتزقة، ولكن أصحاب الأرض في دول المحور يتلقون الدعم الإيراني لتحقيق أهدافهم هم بتحرير أوطانهم.

– المعطى الرابع هو حول ما كشف عنه السيد نصرالله من أن الكلفة التي يدفعها محور المقاومة في هذه اللحظة التاريخية، إضافة الى كونها كلفة مبرَّرة أخلاقياً بسياق الإسناد والدفاع عن مظلومية أهل غزة، فهي أيضاً فرصة لتجنّب الأسوأ الذي يخطّط له العدو الصهيوني ومن خلفه الأميركي، الذي لن يكتفي بحال أنهى عدوانه على غزة بتحقيق أهدافه بهذا الإنجاز، ما دام التهديد لوجود الكيان وأمنه حاضراً بقوّة من قِبل المحور، وبالتالي فالجهوزية التعبوية والعسكرية واستباق العدوان المقرَّر، يسلب عنصر المفاجأة والمباغتة من يد العدو مع تعزيز الجبهة الداخلية لدول المحور باتجاه المواجهة.

إذاً، شرح السيد نصرالله تفصيلياً العلاقة بين أطراف محور المقاومة وحساباتهم الوطنية والرؤية المشتركة فيما بينهم، وأكد على أهمية ما يقوم به المحور الذي يواجه إضافة الى الحرب العسكرية والأمنية حرباً إعلامية ونفسية شرسة، تعمل على تعتيم وتسخيف ما يفعله من إنجازات، إن لناحية عدم التأثير في الرأي العام أم لناحية عجز مَن لم يفعل شيئاً لغزة، وكعادته نسف أمين عام حزب الله كل التضليل الذي لحق بهذه الجبهات طوال ثلاثة أشهر، وكشف واقعها بإطلالة واحدة كانت كفيلة بإظهار الصورة الحقيقية للحرب الدائرة بين أصحاب الأرض والمحتلِّين.