قرار رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه برفض تلبية دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون الى الحوار الوطني أتى مغايرا لبعض التوقعات، ولكنه كان “بديهيا” بالنسبة إلى المواكبين عن قرب للمراحل التي مرت بها علاقة فرنجيه بعون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل.

شكل إعلان فرنجيه عن مقاطعة الحوار مفاجأة قوية لمن كان يظن ان قبوله بالمشاركة هو “تحصيل حاصل”، انطلاقا من فرضية أن زعيم “المرده” سيراعي موقف حليفه الاستراتيجي المتمثل في الثنائي الشيعي المتجاوب مع الدعوة إلى الحوار، خصوصا حزب الله.

لكن فرنجيه اختار ان يكون مرنا في الشكل ومتصلبا في الجوهر، فلبى دعوة رئيس الجمهورية الى التشاور ربطا بـ”حرصه على احترام مقام رئاسة الجمهورية” ثم خرج من الاجتماع ليعلن من قصر بعبدا عن رفضه حضور طاولة الحوار التي دعا اليها عون أيضا.

هذه الواقعة تؤشر، في رأي البعض، الى الهامش الواسع لفرنجيه داخل فريق 8 آذار وقدرته على التمايز عن أقرب حلفائه اذا اقتضت الضرورة، من دون ان يفسد ذلك في الود قضية، خصوصا ان الحزب يتفهم خصوصيات رئيس “المرده” ويراعيها، وهو العارف استنادا الى التجربة بأن الرجل من الثابتين في الخيارات الاستراتيجية، وبالتالي لم يكن الحزب في وارد الضغط عليه لدفعه الى المشاركة في الحوار، وإن كان رأيه انها أجدى من الامتناع.

ولكن، كيف اختمر قرار بنشعي بالمقاطعة؟

يؤكد العارفون ان فرنجيه “شديد الحرص في الأساس على موقع الرئاسة، الى حد انه يعتبر ان من حق رئيس الجمهورية ان يستدعيه عندما يريد وليس فقط ان يدعيه، وبالتالي فهو يرفض المس بهيبة هذا المقام ومكانته بمعزل عن إمكان حصول خلاف مع شاغله، وهذا ما يفسر ان فرنجيه لم يتردد في قبول دعوة عون الى التشاور في خصوص الحوار على رغم اختلافه معه حول أمور عدة وشعوره بأن العهد حاول تهميشه بدل احتضانه”.

أما امتناع فرنجيه عن تلبية “نداء الحوار” الصادر عن قصر بعبدا، فيعود وفق المطلعين على دوافعه الى عوامل عدة متراكمة، أبرزها:

– ان التجارب السابقة لرئيس “المرده” مع طاولات الحوار لم تكن ناجحة ولا تشجعه على تكرارها.

– ان مقاطعة قوى اساسية من اللون السياسي الآخر أفقدت الحوار بُعده الوطني المفترض وبدلت وظيفته، بحيث تحول من فرصة للجمع الى مناسبة لتكريس الانقسام.

– اقتناع فرنجيه بان الذين انتخبوا عون لرئاسة الجمهورية، خصوصا في الوسط المسيحي، هم الذين يجب أن يجلسوا الى طاولة واحدة معه ليتحملوا مسؤولية ما وصلت اليه الأمور نتيجة خيارهم ويحاولوا ان يعالجوا التداعيات التي ترتبت عليه، بدل ان يزايدوا ويلقوا باللائمة والتبعات على أولئك الذين لم يقترعوا لعون وظلوا منسجمين مع أنفسهم منذ انتخابه وحتى الآن.

– شعور فرنجيه بانه أدى واجبه عندما نصح مبكرا بتصحيح الخلل ونبه الى محاذير السياسات التي كانت معتمدة لكن وعوضا عن الاستماع اليه في حينه جرى تجاهله ليتبين لاحقا انه كان على حق، انما بعد خراب البصرة وبعدما أصبحت المعالجة أصعب مع قرب انتهاء الولاية الرئاسية، كما يقول مؤيدو موقف فرنجيه الذين يتساءلون: هل الغاية المضمرة من الطاولة المقترحة فك عزلة البعض، خصوصا النائب جبران باسيل؟ وكيف يوفق العهد والتيار الوطني الحر بين خوض معارك طاحنة ضد خصومهما لتهشيمهم والغائهم تحت شعار انهم يشكلون منظومة الفساد وبين الدعوة فجأة الى الحوار معهم ليساهموا في الحل والانقاذ؟

وبينما كان اقتراح اللامركزية الادارية والمالية الموسعة واردا ضمن جدول أعمال الحوار، تحذر اوساط مسيحية صديقة لـ”المرده” من أن هذا الطرح “ليس سوى مشروع إضرار بالمسيحيين الذين ستتحول مناطقهم في إطار اللامركزية الموسعة الى ساحة مشرعة على نزاع سلطوي بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية كما تدل التجارب والدروس”، مشددة على أن “مصلحة المسيحيين هي في ان يبقوا فاعلين ومتفاعلين ضمن البيئة الوطنية الأشمل بعيدا من التقوقع في جزر الفيدرالية المموهة.”