Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر September 3, 2020
A A A
هذا ما ورد في افتتاحية “البناء”
الكاتب: البناء

مع تسليم واشنطن لباريس كتاب مهمة بتولي ملء الفراغ السياسي في المنطقة حتى كانون الأول، إذا فاز الرئيس دونالد ترامب بالولاية الثانية، وتجديد المهمة حتى أيار إذا فاز منافسه جو بايدن بالرئاسة، جاءت التصريحات الأميركية الصادرة عن وزير الخارجية مايك بومبيو ومعاونه ديفيد شنكر لتؤكد التنسيق الكامل بين باريس وواشنطن، ومواكبة ودعم الأميركيين لمبادرات الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون، مع حفظ الخطاب التقليدي الأميركي المعادي لإيران وحزب الله، من دون تعطيل الانفتاح الفرنسي عليهما، كضرورة لمشروع التسوية بين حربين تشتغل عليه الدبلوماسية الفرنسية أملا بالتأسيس لمفاوضات شاملة نحو تسوية كبرى تخلف خطر حرب كبرى لا يريدها أحد، بعدما فشل المشروع الإسرائيلي الذي شاركت واشنطن بتغطيته تحت عنوان معركة بين حربين، وبدأ يصبح نذيراً باقتراب الحرب مع تفاقم التعقيدات المحيطة بلبنان اقتصادياً وعبر الحدود الجنوبية نقلت مشروع المعركة بين حربين إلى يد المقاومة.

كتاب المهمة الذي يعمل ماكرون بموجبه، يتيح لفرنسا حصاداً اقتصادياً لا يمثل تحولاً استراتيجياً في الجغرافيا السياسية والاقتصادية، وله عنوانان، مرفأ بيروت ومترو بغداد، وتنشيط التواصل مع إيران وحلفائها لتدارك أي مخاطر للتصعيد في زمن الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبناء شبكة أمان عنوانها تدعيم حكومة الشراكة العراقية، وبناء حكومة مشابهة في بيروت، مع أخذ الفوارق في موازين القوى التي لا تتيح استنساخ التجربة العراقية لبنانياً، في ظل رئاسة جمهورية وازنة وحليفة للمقاومة، وفي ظل تاريخيّة وعراقة المقاومة في لبنان وحجم ما تمتلك من مقدرات وبنى وشعبية، وما تمثل من خطر داهم مباشر على أمن كيان الاحتلال.

النموذج الحكوميّ اللبنانيّ يبدو مرشحاً للولادة قبل نهاية الشهر الحالي، وفقاً لما قاله الرئيس ماكرون عن مهلة الخمسة عشر يوماً وما أكدته مصادر متابعة لمسعى الرئيس المكلف مصطفى أديب الذي عبر عن ارتياحه لنتائج مشاوراته مع الكتل النيابية. وقالت المصادر إنه خلافاً للكلام المتداول إعلامياً عن عقد حقائب كالمالية والطاقة، فإن ثمة تعهدات حصل عليها الرئيس المكلف من رؤساء الكتل ورئيسي الجمهورية ومجلس النواب تجعله مطمئناً إلى القدرة على تذليل هذه العقد، وحول التمثيل السياسي في الحكومة قالت المصادر إن حزب الله الذي يتساءل البعض عن مشاركته، لن يكون بعيداً عن تكرار شكل مشاركاته السابقة بغير حزبيين يضع لائحة بأسمائهم وفرضيات الحقائب التي يمكنهم توليها بالتناسب مع حجم الحزب النيابي، كما فعل في المرات السابقة. وهذا يعني أن لا قيمة فعلية للكلام الأميركي عن استبعاد الحزب عن الحكومة الجديدة، أسوة بما سبقها. وذكرت المصادر بكلام نائب وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل عن التعاون مع حكومات يشارك فيها حزب الله، وكان موقف كتلة الوفاء للمقاومة عن تسهيل مهمة الرئيس المكلف كما موقف رئيس الكتلة القومية النائب أسعد حردان بعد مشاركة الكتلتين في المشاورات التي أجراها الرئيس المكلف، عن أولوية الإصلاح والحاجة لوزراء يتمتعون بخلفية سياسية بمثل تمتعهم بالكفاءة، نافياً بدعة غير المسيّسين، تعبيراً عن حقيقة ما تمّ التلاقي عليه خلال المشاورات التي رافقت تسمية الرئيس مصطفى أديب، بالتوافق على وزراء يتمتعون بالكفاءة لكنهم يعبرون عن التوازنات السياسية والنيابية.

 

 

استشارات عين التينة

وبعدما قال الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون كلمته وأبلغ وصاياه للمعنيين ومشى مغادراً بيروت الى بغداد في جولة يقوم بها في المنطقة، استكمل السياسيون الحلقة الثانية من المبادرة الفرنسية التي بدأت بتسمية الرئيس المكلف مصطفى أديب لتأليف الحكومة الجديدة. فيما بدأت حقيقة الموقف الأميركي تتظهر جلياً حيال المبادرة الفرنسية، لا سيما التنسيق بين الفرنسيين والاميركيين في لبنان، كما عبر وزير الخارجية الأميركي أمس.

وبعد جولته على رؤساء الحكومات السابقين وتفقده المناطق المتضررة جراء انفجار مرفأ بيروت، استأنف الرئيس المكلف نشاطه الدستوري بإجراء الاستشارات النيابية غير الملزمة في عين التينة.

ووصفت مصادر نيابية مشاركة في الاستشارات الأجواء بالإيجابية، مرجّحة أن تنسحب ايجابيات التكليف على مسار التأليف الذي لن يكون طويلاً لكن إنما الأعمال بالنيات، مشيرة لـ”البناء” الى أنه “على جميع القوى السياسية أن تترجم اعلان استعدادها لتسهيل التأليف على أرض الواقع والإقلاع عن منطق التحاصص والشروط والشروط المضادة، لأن البلد لم يعد يحتمل هذه المناكفات السياسية في ظل الظروف الكارثية التي يمر بها لبنان”.

وفي ما يتم التداول بتشكيلات وأسماء للحكومة الجديدة تنتظر الإعلان عنها، أوضحت مصادر مطلعة لـ”البناء” إلى أن “كل ما يتم تداوله عن أسماء وتشكيلات غير صحيحة وللاستهلاك الإعلامي فقط”، مضيفة أنه “لم يتم الدخول الى الأسماء ولا الى تفاصيل الحكومة من هيكليتها وشكلها وكيفية توزيع الحقائب وإسقاط الاسماء عليها الذي يحتاج الى جولة مشاورات أخرى بين الرئيس المكلف والكتل النيابية التي أبدت استعدادها للمشاركة في الحكومة”. وتوقعت المصادر أن يتم تذليل كل العقد التي قد تواجه التأليف، مضيفة أن وزارة المال لن تكون عقدة أيضاً. مرجحة ان تولد الحكومة في النصف الثاني من الشهر الحالي”، كما توقعت أن تتمكن الحكومة من “الإقلاع والانطلاق نحو إنجاز الاصلاحات المطلوبة وفقاً للورقة الفرنسية لسببين: الأول وجود إرادة دولية متمثلة بالرئاسة الفرنسية شخصياً لمتابعة مراحل تنفيذ المبادرة الفرنسية بشكل تفصيلي، والثاني وجود رئيس للحكومة وحكومة يحظيان بدعم أغلب الكتل النيابية”.

وأشارت أوساط نيابية مطلعة على موقف حزب الله لـ”البناء” الى أن “الحزب سيقدم كل التسهيلات لولادة الحكومة الجديدة وسيعمل ايضاً مع الرئيس المكلف وكل الوزراء على النهوض بالحكومة وتفعيل انتاجيتها الى الحد الأقصى لا سيما على صعيد المعالجات السريعة للأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية اضافة الى مكافحة الفساد”، مضيفة أن حزب الله “لم يكن مشاركاً عملياً في حكومة الرئيس حسان دياب ولن تكون مشاركته في الحكومة الجديدة عقدة امام التأليف”. وأبدى حزب الله ارتياحه بحسب المصادر لـ”الخطاب الفرنسي الذي عبر عنه الرئيس ماكرون في أكثر من مناسبة لا سيما مجاهرته اللافتة بالدفاع عن حزب الله واعتباره قوة لبنانية اساسية تمثل شريحة واسعة من الشعب اللبناني لا يمكن تهميشها أو مواجهتها وضرورة الحوار معها للنهوض بالبلد”. مشيرة الى أن “هذا الكلام الفرنسي اعتراف رسمي غربي بقوة وشرعية حزب الله ودوره على الساحة السياسية الوطنية”.

وعن الموقف الأميركي من الحزب، لم تلاحظ الأوساط تغييراً في اللهجة الأميركية ضد الحزب منذ سنوات إنما الجديد هو اقتناع الأميركيين بالعجز عن فصل حزب الله عن نسيجه الاجتماعي والسياسي والوطني وفكه عن حلفائه أو فك حلفائه عنه، كما تسليمه ولو مرحلياً بضرورة فصل المواجهة مع الحزب وإيران عن الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان. مضيفة أن “الاميركيين لا يستطيعون تعطيل تأليف حكومة جديدة رغم محاولاتهم الدائمة للتدخل في التأليف وفرض شروط سياسية وأمنية تخدم مصلحة اسرائيل”، مشيرة الى ان “تنسيقاً واضحاً بين باريس وواشنطن أنتج التسوية الجديدة”. وأعربت المصادر عن استعداد حزب الله لـ”التعاون مع الفرنسيين وللحوار المرتقب على ملفات داخلية كقانون الانتخاب وطبيعة النظام وغيرها من الملفات”، لكنها لفتت الى أن “الحزب لن يقدم تنازلات تتعلق بالسيادة والحقوق الوطنية”.

 

 

بومبيو

وعشيّة وصول مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، دافيد شينكر الى بيروت، أطلق وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو سلسلة مواقف، أظهرت التنسيق الأميركي الفرنسي في الملف اللبناني، وأشار بومبيو إلى أن «الوضع في لبنان غير مقبول»، وقال: ننسق مع فرنسا بشأن الوضع في لبنان وينبغي إجراء إصلاحات كما يطالب الشعب». وشدد على «أننا سنسخر كل جهودنا الديبلوماسية لتحقيق تطلعات الشعب اللبناني بحكومة إصلاحات». ورأى بومبيو أن “نزع سلاح حزب الله أكبر التحديات في لبنان”.

 

 

جنبلاط

وبرز موقف لافت لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط أشر الى اتجاه جنبلاط للمشاركة في الحكومة، وأعلن في حديث لقناة «أل بي سي» أن «اللقاء الديموقراطي سمّى مصطفى أديب لتأليف الحكومة لأن هناك مبادرة فرنسية فريدة لإنقاذ ما تبقى من لبنان الكبير»، وقال: «إن القضية ليست إغضاب أو عدم إغضاب فرنسا، لكن أثق بالبرنامج المطروح من قبلها».

وعن الموقف الأميركي، قال جنبلاط: «فلينسَ بومبيو الصواريخ الآن، فهذا أمر يعالج في الوقت المناسب، والمطلوب ان يساعدوا اقتصادياً».

وجدّد التأكيد أن «العقوبات على حزب الله لن تضعفه، بل ستضعف الكيان اللبناني»، وقال: «أنصح الخليج بالانضمام إلى المبادرة الفرنسية».

وعن عدم لقاء مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر بالمسؤولين اللبنانيين، قال: «ما رح تخرب الدني إذا ما التقانا شينكر».

وتابع: «مجدداً الرئيس نبيه بري يريد الخروج من قانون الانتخاب الارثوذكسي الذي قام به جبران باسيل والحريري وغيرهما، وأنا أقبل بالطائف أي بانتخابات مجلس نيابي لا طائفي».

 

 

إجماع على تسهيل التأليف

وفيما أبدت جميع الكتل النيابية استعدادها للتعاون وتسهيل تأليف الحكومة وعدم وضع شروط ومطالب كما جرت العادة، أشار الرئيس المكلف تشكيل الحكومة بعد انتهاء الاستشارات إلى أنه «تبيّن بعد الاستشارات أنّ القواسم المشتركة أكثر من الخلافية وأيّ نقطة خلاف يمكن حلّها بالحوار ولمعالجة المشاكل الداهمة منها الأزمة المعيشيّة انفجار المرفأ والإصلاحات». ورأى أن المطلوب لحلّ المشاكل الداهمة حكومة اختصاصيين تعالج بسرعة وحرفية الملفات المطروحة وتكسب ثقة اللبنانيين والمجتمع العربي والدولي».

 

 

الوفاء للمقاومة

وكانت الكتل النيابية التقت على التوالي الرئيس المكلف. وأعلن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة أننا «لم نتحدث عن تفاصيل شكل الحكومة وأردناها أن تكون فاعلة منتجة ومتماكسة تدرك الواقع السياسي الذي تتحرك فيه وحاجات الشعب اللبناني وما يستفزّه وما يطمئنه». وأضاف: «تمنينا أن تؤخذ ملفات مكافحة الفساد بعين المتابعة والرعاية لأن الإصلاحات تحتاج الى مكافحة الفساد وتقويم الأوضاع في الجانب المالي والاقتصادي يحتاج الى رقابة دقيقة في هذا المجال». وشدّد رعد على أن «الثوابت الوطنية للكتلة واضحة». وأشارت مصادر الكتلة لـ»البناء» الى «تركيز الكتلة على موضوع مكافحة الفساد الذي هو المدخل الرئيسي لنجاح الحكومة والنهوض بالمؤسسات وتحصين الدولة والبلد»، مشيرة الى «وجود 17 قانوناً في المجلس النيابي لم يتم إقرارها حتى الآن تتعلق بمكافحة الفساد وتبييض الأموال وإصلاح القضاء ورفع الحصانة عن المرتكبين والمتورطين والموظفين الكبار في الدولة ما يشكل نقلة نوعية في عمل الحكومة والنهوض بالدولة». كما علمت «البناء» أن «الحكومة الجديدة ستأخذ بعين الاعتبار التوازنات النيابية والسياسية في البلد وأيضاً الاستفادة من تجارب الحكومات الماضية لاسيما الاخيرة واختيار الوزراء أصحاب الكفاءة والاختصاص والنزاهة وغير حزبيين ولا يشكلون استفزازاً لأحد، لكن لا يمنع أن يتمّ اختيارهم من قبل بعض الأحزاب على أن يتمّ تعيين وزراء أكثر استقلاليّة في وزارة حساسة كالطاقة والداخلية والمالية».

وقال مرجع سياسيّ ونيابيّ مطلع لـ«البناء» إن «تسوية الحكومة الجديدة هي تقاطع إرادات ومصالح بين فرنسا وأميركا وايران»، مشيراً الى أن «الحكومة محددة بمدة زمنية معينة ربما لا تتعدّى 6 شهور وبمهمة معينة هي معالجة تداعيات انفجار مرفأ بيروت وإعادة إعمار المرفأ وإنجاز الإصلاحات»، مرجّحاً ولادة الحكومة «خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع»، وكشف المرجع أن ماكرون «ابلغ القيادات كافة خلال لقاء قصر الصنوبر ضرورة إنجاز الاصلاحات بأسرع وقت ممكن وفق البرنامج المحدد في الورقة الفرنسية واهتمامه الشديد باعادة اعمار مرفأ بيروت».

 

الحريري

وسرب نص المداخلة التي قدّمها الرئيس الحريري خلال لقاء قصر الصنوبر السياسي اذ خاطب الموجودين على الطاولة بحضور الرئيس ماكرون، «أن أي تأجيل في تشكيل الحكومة، أو أي محاولات سياسية لفرض اشخاص فيها، أو حتى أي عرقلة لبرنامج الإصلاحات هذا بعد تشكيلها، فإنني سأسحب يدي بالكامل، أنا ضحيت بالكثير، وليكن واضحاً أنها المرة الاخيرة التي أضحي فيها، واذا كان هناك من لا يريد مواكبة هذه الفرصة، فهي ستكون آخر مرة، وعندها لا يلوم إلا نفسه. لأن الناس هذه المرة ستأكلنا أكلاً». ثم توجه الى ماكرون قائلاً: «تعرف أنني أريد نجاح مبادرتك لكني لن اتحمل مسؤولية تقاعس بعض الفرقاء في تشكيل الحكومة وفي تحقيق الإصلاحات».

 

 

الورقة الفرنسية

ووزّعت السفارة الفرنسية خلال اجتماع قصر الصنوبر، مسودة للبيان الوزاري للحكومة المقبلة، تحت عنوان «مشروع برنامج للحكومة الجديدة». وتتضمن عناوين مختلفة أساسية تحتوي على عناوين فرعية وأبرزها مواجهة جائحة كوفيد-19 والوضع الإنساني، تبعات انفجار الرابع من آب وإعادة إعمار بيروت، الإصلاحات، والانتخابات.

وأظهر فيديو للرئيس ماكرون يقوم بتوبيخ الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو لقوله إن الرئيس يعمل على فرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين، وقال ماكرون: «إن ما فعلته، نظراً الى حساسية المسألة وما تعرفه عن تاريخ البلد، غير مسؤول بالنسبة لفرنسا وللمعنيين. فهو خطير من ناحية أخلاق المهنة، وغير مهني ووضيع. خطوتك تدل على عدم المسؤولية حيال مصالح فرنسا ومصالح لبنان».