Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر August 6, 2023
A A A
هذا ما دوّنته “الديار” في سطور افتتاحيتها
الكاتب: الديار

 

بعد جورج قرداحي، وشربل وهبي، تصريح جديد لوزير الإقتصاد أمين سلام يهزّ العلاقات اللبنانية – الخليجية. فعشية الذكرى الثالثة لإنفجار مرفأ بيروت، صرح سلام أنه أرسل كتابًا إلى سمو أمير الكويت عبر وزارة الخارجية اللبنانية ناشده فيها بإسم الشعب اللبناني إعادة بناء صوامع القمح في بيروت. لكن الجملة التي أشعلت إستياء السلطات الكويتية هي ما أضافه سلام عبر قوله: «تواصلتُ مع وزارة الخارجية، وعلمتُ أنه في صندوق التنمية الكويتي هناك أموال موجودة، ويمكن بشخطة قلم اليوم أن يُتخد قرار ببناء إهراءات لبنان في بيروت وطرابلس». وبالتحديد عبارة «شخطة قلم» هي التي شكّلت شرارة الأزمة حيث إستنكرها وزير خارجية الكويت الشيخ سالم عبد الله الجابر الصباح في بيان قال فيه إن «تصريحات وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام تتنافى مع أبسط الأعراف السياسية وتعكس فهمًا قاصرًا لطبيعة اتخاذ القرار بالكويت وهي تجاوز الاصول والاليات الدستورية والقانونية المرعية الاجراء من قبل دولة الكويت حيث أن المنح والقروض الإنسانية التي نقدمها مبنية على أسس دستورية ومؤسساتية»، داعيًا وزير الإقتصاد اللبناني إلى سحب تصريحاته عن الكويت.

من جهته برّر سلام في مؤتمر صحافي إستخدامه عبارة «شخطة قلم» باللهجة اللبنانية بأنها تعني «أن الموضوع قابل للتنفيذ وبسرعة» وأنه لم يقصد إستعمال هذه العبارة بغير هذا الإطار. وتمنى سلام من البرلمان الكويتي ان يقبل هذا التوضيح. كما صدر عن المكتب الاعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بيان جاء فيه أنه «يهم دولة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تأكيد عمق العلاقة بين الدولتين والشعبين الشقيقين ومتانتها والتي لن تشوبها شائبة. كما يؤكد ان دولة الكويت الشقيقة لم تتوان،ضمن الاصول ،عن مد يد العون لإخوانها في لبنان على مر العقود. إن دولة الرئيس يؤكد احترام لبنان مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول كافة، فكيف اذا تعلق الأمر بدولة الكويت الشقيقة التي تخضع آلية اتخاذ القرار فيها لضوابط دستورية وقانونية ومؤسساتية تعكس حضارة سياسية عميقة ومتجذرة في المجتمع الكويتي».

مصدر مُطلع على الشأن اللبناني – الخليجي قال في تصريحٍ لجريدة «الديار» أن «الوزير سلام أساء إستخدام عباراته – أغلب الظّن ناتج عن نقص الخبرة – في لحظة نعلم كلنا أنها هناك حساسية مُفرطة من قبل دول الخليج خصوصًا بعد التصريحات التي سبق وأطلقها وزير الإعلام السابق جورج قرداحي ووزير الخارجية السابق شربل وهبه والتي أدّت إلى توتّر ملحوظ في العلاقات اللبنانية – السعودية وإنتهت بإستقالة الوزيرين». وإذ إستبعد المصدر إستقالة وزير الإقتصاد والتجارة أمين سلام، قال أن «الأمر يتعلّق بنسبة كبيرة بالموقف الكويتي ومدى قبوله بتبرير سلام خلال مؤتمره الصحافي. إلا أنه من الأكيد أن العلاقة بين البلدين إهتزّت».

على صعيد أخر أصدرت السفارة السعودية في لبنان بيانًا طلبت فيه من رعاياها مُغادرة الأراضي اللبنانية في أسرع وقت. هذا البيان أثار بلبلة في الرأي العام وتعدّدت الأراء حوله، فمنهم من ربطه بأحداث عين الحلوة وإحتمال إنتشار الإشتباكات في المخُيمات الفلسطنية الأخرى وفي المُخيّمات السورية، ومنهم من ربط الأمر بضربة إسرائيلية مُتوقّعة على لبنان نتيجة التصعيد الأخير على الحدود اللبنانية – الفلسطينية، ومنهم من تحدّث عن عملية عسكرية للجيش اللبناني للدخول إلى مُخيّم عين الحلوة – وهو ما نفته قيادة الجيش اللبناني. في كل الأحوال، توالت بيانات السفارات التي تطلب من مواطنيها أو مُغادرة الأراضي اللبنانية أو تجنّب مناطق الإشتباكات (السفارة الكويتية والسفارة الألمانية).

ردّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أتى ما دون مستوى التحدّيات. ففي بيان صادر عن مكتبه صرّح ميقاتي أنه تابع مع وزيري الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب والداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، «التطورات المتصلة بالبيانات التحذيرية الصادرة عن سفارات المملكة العربية السعودية والكويت والمانيا لرعاياها في لبنان». وأضاف أنه «وبنتيجة البحث مع القيادات العسكرية والامنية، افادت المعطيات المتوافرة ان الوضع الامني بالاجمال لا يستدعي القلق والهلع، وان الاتصالات السياسية والامنية لمعالجة احداث مخيم عين الحلوة قطعت اشواطا متقدمة، والامور قيد المتابعة الحثيثة لضمان الاستقرار العام ومنع تعكير الامن او استهداف المواطنين والمقيمين والسياح العرب والاجانب». وختم بالقول أنه « كلّف دولة الرئيس ميقاتي معالي وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب التواصل مع الاشقاء العرب لطمأنتهم الى سلامة مواطنيهم في لبنان» مُشيرًا إلى أنه «طلب من وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي دعوة مجلس الأمن المركزي للانعقاد للبحث في التحديات التي قد يواجهها لبنان في هذه الظروف الإقليمية المتشنجة، واتخاذ القرارات المناسبة لحفظ الامن في كل المناطق اللبنانية».

بعض المراقبين أشاروا إلى أن ردّ رئيس الحكومة لم يكن على مستوى التحدّيات إذ أن المعني الأول بالأمن على الأراضي اللبنانية هو الجيش اللبناني ومن المفروض أن يكون هناك إجتماع في السراي يضمّ قيادة الجيش ولكن أيضًا القوى الأمنية وكل الأجهزة الأمنية وذلك لطرح السيناريوهات المُحتملة وأخذ القرارات المناسبة. وإعتبروا أن تطمين الدول على سلامة مواطنيها على الأراضي اللبنانية يمرّ إلزاميًا بوقف الإشتباكات التي تعصف بمخيّم عين الحلوة ولكن أيضًا بتفادي إندلاع إشتباكات في المُخيّمات الأخرى. ويتخوّف مصدر وزاري من أن يكون التهديد الإسرائيلي هو الأكثر إحتمالًا مُشدّدًا على أنه في حال حصول ضربة إسرائيلية ضدّ لبنان سيكون هناك فوضى تمر بالمُخيّمات الفلسطينية والسورية في لبنان.

بالإضافة إلى الضغط الأمني المُتزايد، هناك ضغط مالي أضيف على الضغوطات على حكومة تصريف الأعمال ويتمثّل بقرار حاكم مصرف لبنان بالوكالة وسيم منصوري وقف تمويل الدولة إبتداء من نهار الإثنين المُقبل. وبالتالي فإن وقف التمويل هذا والذي كان يؤمّنه مصرف لبنان قبل القرار، عبر شراء الدولارات على منصة صيرفة. وتُشير المُعطيات إلى أنه من أصل 200 مليون دولار حاجة الدوّلة شهريًا، لا تؤمّن اليوم إيرادات الدوّلة إلا بضعة عشرات ملايين الدولارات. وهو ما يعني أن القطاع العام لن يستطيع قبض رواتبه بالدولار كما كان يحصل سابقًا كما أن أجور السلك الديبلوماسي أصبحت مُهدّدة بالكامل كذلك إيجار السفارات والقنصليات في الخارج وإنفاق الدولة على الأساسيات مثل المحروقات للمرافق العامة وغيرها – أي بتعبير أخر شلّ الدوّلة بالكامل. وتطرح مصادر إقتصادية مُطلعة أسئلة حول قرار حاكم المركزي بالوكالة منصوري وقف تمويل الدوّلة وإذا كان هذا القرار يحمي فعلًا أموال المودعين خصوصًا أن إنهيار الدولة ومؤسساتها أصبح شبه أكيد مع توقّف تمويل الدوّلة.

ضابط مُتقاعد في الجيش رفض الكشف عن إسمه، قال أن هناك ثلاثة سيناريوهات تقف خلف ما يحصل في لبنان:

– الأول يتعلّق بتوطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين وهو ما يظهر من خلال خروج عشرات ألوف الفلسطينين من مخيّم عين الحلوة وإندماجهم في المجتمع اللبناني.

– الثاني وله علاقة بترسيم الحدود البرّية بين لبنان وفلسطين المُحتلّة وهو ما ظهر في تصريح مُمثلة لبنان في الأمم المُتحدّة ولاقى ردّات عنيفة من قبل بعض المسؤولين اللبنانيين.

– الثالث وله علاقة بقبع المنظومة السياسة الحالية من خلال فتح الملفات القضائية المُتعلّقة بالفساد ولكن أيضًا بملف جريمة المرفأ.

ويُضيف الضابط المُتقاعد، أن إحتمال وجود السيناريوهات الثلاث في آنٍ واحد قائم، وهو ما يعني أن لبنان سيمرّ بوضع سيء جدًا قد يطير معه الموسم السياحي من الباب الأمني.

من كل ما تقدّم نرى أن لبنان يعيش الان مرحلة غموض لن تتقشّع معالمها إلا في شهر أيلول حيث من المتوقّع عودة المبعوث الفرنسي إلى لبنان من أجل حوار مع الأفرقاء اللبنانيين حول مصير الرئاسة الأولى وإنتخاب رئيس للجمهورية.