Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر March 18, 2023
A A A
هذا ما دوّنته “الجمهورية” في سطور افتتاحيتها
الكاتب: الجمهورية

يستحيل في الوضع الراهن التكهن بإمكان أن تنبعث من تحت ركام السياسة وتناقضاتها فرصة جدّية لفتح الأفق الرئاسي المسدود، تُشعر اللبنانيين بأنّ معطّلي الحياة في لبنان قرّروا أن يرأفوا بوطن صار عنواناً للبؤس في العالم، وبشعب بات كناية عن كائنات بشرية مسلوبة الإرادة، تحكي مع نفسها، ومع اوجاعها، ومع امراضها، بطونها خاوية، وجيوبها فارغة، وحاضرها مسروق، ومستقبلها مقتول، واحلامها ميّتة، ومصيرها الأسود على كف عفاريت المجهول.

هي دعوة برسم معطّلي الحياة في لبنان، لمغادرة محمياتهم، والخروج من خلف متاريسها وتصفّح وجوه الناس، لعلّهم يرون الموت الزّاحف جوعاً ووجعاً إلى هؤلاء المنكوبين، ويقرأون ما كتبته الأزمة على وجوههم بالخط العريض، بأنّه لم يعد للحياة معنى في هذا البلد. هي دعوة على كل لسان، تبحث في عتمة الأزمة عن كائن سياسي عاقل مسؤول يتلقفها وينتفض على تراخيه ولامبالاته، ويبادر إلى النّجدة.. ولكن حتى الساعة لا حياة لمن تنادي.

الأمن الاجتماعي على النار، الدولار على مساره الصّاروخي، واسعار الأساسيات صارت فوق الخيال، وصفيحة البنزين فوق المليوني ليرة، والفاجعة تتعاظم، تقابلها فاجعة أكبر وأعظم، تتبدّى في الاستسلام الكلّي لما تبقّى من سلطة، لإفلاسها وعجزها عن توفير حتّى جرعة مسكنات مؤقتة، للالتهابات الخبيثة التي تضرب الجسم اللبناني في كلّ مفاصله الاقتصادية والمالية والمعيشية.
اما أسوأ تجلّيات الفاجعة، فيتبدّى في فيلم العبث الطويل، الذي يتواصل عرضه على المسرح السياسي، وأبطاله مكوّنات ملتزمة ورشة تدمير البلد، وتتلهّى بسياسات لئيمة تسابق بعضها البعض على سدّ آفاق الانفراج، وإعدام فرص التلاقي على حسم الملف الرئاسي، كخطوة أولى لإعادة تجميع اجزاء الدولة المفكّكة، وانتشال البلد وشعبه من الرمال المتحرّكة التي تبتلعها.

 

تحركات مقلقة!
لا تغيير في صورة الداخل، فالاسطوانة ذاتها تتكرّر على مدار الساعة، وتدور في حلقة الانقسام، وتديرها إرادة تعميق الأزمة أكثر، لا تكترث للمدى الذي سيبلغه، ولا تبالي بأي عوامل قد تطرأ تضيف على الأزمة مخاطر ربما تكون اكبر منها، وما يجري على الحدود الجنوبية لا يبدو أمراً عابراً، في ظلّ التحرّكات العسكرية الاسرائيلية التي تزايدت في الآونة الاخيرة في محاذاة الحدود اللبنانية، والتهديدات التي اطلقها قادة العدو في اتجاه لبنان، غداة ما سمّتها اسرائيل «عملية مجيدو» قرب الحدود، الاثنين الماضي.

 

هذه التطورات تبدو مقلقة على حدّ تعبير مصادر مسؤولة، أعربت لـ»الجمهورية» عن خشيتها من ان تكون تلك التحركات العسكرية مقدّمة لتصعيد اسرائيلي، ومحاولة لفرض واقع جديد انطلاقاً من الحدود الجنوبية، وهو الامر الذي يوجب على المستويات اللبنانية على اختلافها، التنبّه مما يبيته العدو ضدّ لبنان.
وإذ لفتت المصادر، انّ اسرائيل تعيش مأزقاً داخلياً وصفه قادة العدو بأنّه الأخطر في تاريخ اسرائيل، أعربت عن مخاوفها من أن تحاول حكومة نتنياهو، تغطية هذا المأزق بالهروب إلى افتعال توترات خارج الحدود.
وفيما أكّدت مصادر أمنية لبنانية لـ»الجمهورية»، انّ الوضع في منطقة الحدود هادىء، حيث لا تظهر أية امور خارج المألوف، والجيش اللبناني على تنسيق كامل مع قوات «اليونيفيل»، لوحظ أنّ «حزب الله» ما زال معتصماً بالصمت حيال عملية مجيدو، وكذلك حيال التحركات الاسرائيلية، حيث لم يقارب ذلك بأي موقف اعلامي، فيما تحدثت بعض المصادر عن أنّ الحزب وضع عناصره في جهوزية كاملة تحسباً لأي طارئ اسرائيلي.
وكشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية»، انّ القنوات الديبلوماسية شهدت حركة مكثفة على أكثر من خط، في الايام الاخيرة، والبارز فيها تأكيدات اميركية ودولية على تجنّب اي عمل يهدّد الاستقرار على جانبي الحدود بين لبنان واسرائيل.
وبالتوازي مع تأكيدات «اليونيفيل» بأنّها لم تلحظ أموراً غير عادية على الحدود، أبلغت مصادر أممية إلى «الجمهورية»، تأكيدها على ضبط النفس على الجانبين اللبناني والاسرائيلي، وقولها: «انّ على جميع الاطراف ان يتجّنبوا أي خطوات استفزازية من شأنها أن تقود الى تصعيد وتتسبب بمخاطر على الأمن والاستقرار في تلك المنطقة»

 

العين على باريس
وفيما بات محسوماً أنّ الخط الرئاسي مقطوع بالكامل داخلياً، ومواقف القوى المتصارعة على رئاسة الجمهورية تؤكّد أنّ فرصة أي حلّ داخلي هي من سابع المستحيلات، وهو الأمر الذي بات مسلّما به لدى كل اللاعبين على حلبة هذا الاستحقاق. ما يعني إبقاء هذا الملف عالقاً إلى ما شاء الله.
وإذا كان بعض المعنيين بالملف الرئاسي يعتبرون «انّ انسداد الداخل، وعدم بلوغ توافق على أي من المرشحين المتداولة اسماؤهم حالياً، يرميان الكرة تلقائياً إلى الخارج، ليتولّى الاصدقاء مهمّة إخراج رئاسة الجمهورية من تحت ركام التناقضات، لكن هذه المهمة ليست سهلة على الاطلاق». فإنّ العين بالتالي على اجتماع باريس بين الجانبين الفرنسي والسعودي بمشاركة المستشار نزار العلولا والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري ومستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل، الذي قد يؤسس بحسب المصادر، إلى الحلحلة المنتظرة على الخط الرئاسي. الّا أنّ مصادر سياسية أخرى تفضّل ألّا تتسرّع في التقدير وافتراض نتائج ايجابية قد لا تحصل، وتترك هذه النتائج تخبر عن نفسها بنفسها. وقالت لـ»الجمهورية»، انّ «اي نقاش سواء في الداخل او في الخارج، هو امر مفيد، يؤمل ان يخدم العملية السياسية ويقرّب اللبنانيين من خط التوافق على رئيس».
ولفتت الانتباه إلى انّ «ليس في الأفق ما يؤشّر إلى تطورات نوعية، تدفع الى ان نتوقع ان ينتهي اجتماع باريس اليوم، إلى غير ما انتهى اليه الاجتماع الخماسي الفرنسي – الأميركي – السعودي – المصري – القطري، في العاصمة الفرنسية في السادس من شهر شباط الماضي».

واكّدت المصادر، انّه وفق المعطيات السابقة للاجتماع الثنائي الفرنسي- السعودي في باريس، فليس لدى اي طرف شقيق أو صديق للبنان النيّة في أن يلعب الدور الذي يملي من خلاله على اللبنانيين ما يعتبرها حلولاً ملزمة لهم. كما ليس لدى هؤلاء في الأساس القدرة على فرض اي حلّ، والجميع يدركون ذلك وتحديداً الفرنسيون والسعوديون، ويدركون ايضاً انّ أي حل خارجي لن يُكتب له النجاح ما لم تكن له أرضية النجاح في لبنان، بل قد يكون عنصراً من شأنه أن يزيد من عوامل التوتر. ومن هنا تأكيدهم المتواصل على الاتفاق بين اللبنانيين».

 

إشارات ايجابية
وفيما سبقت الاجتماع الثنائي في باريس إشارات وصفت بالإيجابية، رجّحت ان يليه تحرّك فرنسي- سعودي في اتجاه بيروت، قالت مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية لـ»الجمهورية» انّ هذا الاحتمال قائم.
ولفتت المصادر الديبلوماسية، إلى انّ النقاشات حول الملف اللبناني، سواء اكانت في باريس او في غيرها، تؤشر إلى مدى الأهمية التي يوليها اصدقاء لبنان لمساعدته في تخطّي أزمته، ولكن في مطلق الاحوال، تبقى المسؤوليّة الأساس على اللبنانيين في أن يتجاوبوا مع هذه الجهود، وانتخاب رئيس للجمهورية يؤمّن مصلحة لبنان والشعب اللبناني.
واكّدت المصادر رداً على سؤال: «انّ الاجتماع الثنائي الفرنسي- السعودي ليس منعزلاً عن اجتماع الدول الخمس في شباط الماضي، بل يندرج في سياق ما تمّ التوافق عليه خلاله، بأن يشكّل اصدقاء لبنان عاملاً مساعداً للبنانيين على انتخاب رئيسهم».

ورداً على سؤال آخر، تجنّبت المصادر تأكيد ما اذا كانت النقاشات الجارية تقارب اسماء بعض المرشحين الجدّيين (رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، قائد الجيش العماد جوزف عون)، او أي اسماء او خيارات اخرى بديلة، واكتفت بالقول: انّ النقاشات لم تتوقف، بل سارت بأشكال مختلفة في الفترة الاخيرة، وهي تقارب الملف الرئاسي في لبنان كنقطة اساسية في مسار إخراج لبنان من أزمته الصعبة، وانّ على المجلس النيابي في لبنان أن يقوم بواجبه في اختيار الرئيس.
وعمّا تردّد على لسان بعض المسؤولين الفرنسيين بأنّ باريس تفكر في اتخاذ إجراءات صارمة وقاسية بحق من يعطّل مسار الحل في لبنان، لم تؤكّد المصادر الديبلوماسية او تنفِ ذلك، وقالت: «ما تأمله باريس هو الّا تصل الامور إلى هذا الحدّ. والمطلوب من المسؤولين اللبنانيين إخراج لبنان من المأزق الدستوري الذي يمنع انتخاب رئيس الجمهورية».
وكانت المتحدثة باسم الشؤون الخارجية الفرنسية آن كلير لوجندر، قد كشفت قبل ثلاثة ايام، أنّ باريس تبحث مع حلفائها ما اذا كان الوقت قد حان كي يواجه من يعرقل عملية كسر الجمود الدستوري في لبنان العواقب.

 

الاستماع الى سلامة
قضائياً، انتهت امس، جولة الاستماع الثانية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وغادر الوفد القضائي الأوروبي بيروت، بعد اجتماع تقييمي عقده القاضي شربل ابو سمرا مع الوفد الذي أبدى رغبته بالعودة في نهاية نيسان. وافيد بأنّ القاضي ابو سمرا رفض اعتبار إعلام سلامة شفهياً بالمثول امام القضاء الفرنسي في باريس في أيار المقبل بمثابة تبليغ رسمي، وطلب أن يتمّ ذلك وفقًا للأصول بواسطة النيابة العامة التمييزية عبر استنابة قضائية جديدة..

 

وإثر الاستماع اليه، أعلن سلامة في بيان «انني حضرت الجلسة كمستمع اليه لا كمشتبه فيه ولا كمتهم، أكّدت خلال الجلسة الأدلة والوثائق التي كنت قد تقدّمت بها إلى القضاء في لبنان والخارج، مع شرح دقيق لها. ويتبين من هذه الوثائق والكشوفات انّ المبالغ الدائنة في حساب المقاصة المفتوح لدى مصرف لبنان، والذي حوّلت منه عمولات إلى «فوري» (foory)، كانت قد سُدّدت من اطراف اخرى، ولم يدخل إلى هذا الحساب اي مال من مصرف لبنان، ولم يكن هذا الحساب مكشوفاً في اي لحظة. كما يتبين من هذه الكشوفات انّ حسابي الشخصي في مصرف لبنان غير مرتبط بالحسابات التي تودع فيها الاموال العائدة إلى المصرف، ولم تُحوّل إلى حسابي أموال من مصرف لبنان. وانّ التحاويل الى الخارج الخاصة بي، ومهما بلغت مصدرها حسابي الشخصي».
اضاف: «لقد لمست، ولاكثر من سنتين، سوء نية وتعطشاً للادعاء عليّ. ظهر سوء النية من خلال حملة اعلامية مستمرة تبنّتها بعض الوسائل الاعلامية والتجمعات المدنية منها، أُوجدت غبّ الطلب لتقديم إخبارات في الداخل وفي الخارج، وذلك للضغط على القضاء والمزايدة عليه. فأصبح مدنيون وصحافيون ومحامون يدّعون انّهم قضاة، يحاكمون ويحكمون بناءً لوقائع قاموا بفبركتها. واكبهم بعض السياسيين من أجل الشعبوية، اعتقاداً منهم انّ هذا الامر يحميهم من الشبهات والاتهامات، او انّه يساعدهم في التطميش عن ماضيهم او يعطيهم عذراً لإخفاقاتهم في مواجهة وحلّ الأزمة، ناسين انّ الأوطان لا تُبنى على الاكاذيب».

 

صندوق النقد يحذّر
من جهة ثانية، كان الملف الاقتصادي والمالي محور بحث بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ووفد بعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان برئاسة رئيسها إرنستو ريغو راميريز. ووفق المعلومات الموزعة، فإنّ البحث دخل في عمق التفاصيل، واستعرض مراحل الحوار القائم بين لبنان والصندوق والتشريعات الإصلاحية التي أنجزها المجلس النيابي في هذا الإطار.
وإذ شدّد الرئيس بري على المعالجات السريعة، والقيام بما توجبه هذه المعالجات من اجراءات وخطوات سريعة وملحّة، حذّر وفد صندوق النقد من «المخاطر الكامنة، فيما لو تأخّرت المعالجات المطلوبة والضرورية».

 

مبادرة شمسية
على صعيد آخر، أعلنت السفيرة الأميركيّة في لبنان دوروثي شيا خلال احتفال امس، عن «صندوق الطاقة المتجددة والشمسيّة» الذي اطلقته الوكالة الاميركيّة للتنمية الدوليّة (USAID)» بقيمة 20 مليون دولار، بما يوفر مصادر استثمار للقطاع الخاص، ويسمح للشركات اللبنانيّة بتمويل تركيب ألواح الطاقة الشمسيّة.
وقالت شيا: «هذه المبادرة، هي الاولى من نوعها في لبنان، ولكنها ليست استجابة الحكومة الاميركيّة الاولى لأزمة الطاقة، ولن تكون الأخيرة. وكلّنا ثقة أنّ الشركات اللبنانيّة والمستثمرين سوف يغتنمون هذه الفرصة للاستفادة من صندوق الطاقة المتجددة والشمسيّة، لدعم الاقتصاد واستمراريّة الشركات وحماية الوظائف في لبنان. معًا نستطيع بناء غدٍ مسؤول بيئيًّا ومنتج أكثر».