ظن كثيرون أن الانتخابات البلدية والاختيارية في الجنوب والنبطية وفي البلدات والقرى ذات الغالبية الشيعية من البقاع الى جبل لبنان، ستظهر هوة واسعة بين “الثنائي الوطني” وبيئته الشعبية، من المفترض أن تترجم في صناديق الاقتراع لمصلحة اللوائح المنافسة من العائلات والمجتمع المدني، لاسيما بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان وما أنتجته من خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات وتفاصيل الحياة اليومية وصولا الى التدمير الكامل الذي طال العديد من القرى الأمامية، لكن النتائج التي أعطت “الثنائي” الفوز في كل البلديات بدون إستثناء كانت كفيلة بتوجيه رسالة واضحة الى الداخل اللبناني والخارج والى الخصوم والحلفاء بأن الالتزام بنهج المقاومة غير قابل للنقاش، وهو يزداد صلابة وصمودا كلما إزدادت التضحيات.
في عيد المقاومة والتحرير الخامس والعشرين كانت الهدية، ثقة شعبية مطلقة بـ”الثنائي المقاوم”، وتأكيد على أن الظروف السياسية والأمنية الضاغطة والحصار المفروض على بيئة المقاومة لن يزيدها إلا ثباتا وإصرارا وتمسكا بهذا النهج الذي حرر البلاد والعباد في العام 2000 من رجس الاحتلال الاسرائيلي، وإنتصر في عدوان تموز 2006، وفرض توازن رعب على مدار 18 عاما، وصمد أمام الحرب الكونية التي شنت عليه خلال حرب إسناد غزة، وأفشل أهداف العدو الاسرائيلي الذي أراد إنهاء المقاومة وضرب بيئتها ودفعها للإنفكاك عنها ومنع حزب الله من ممارسة العمل السياسي والحياة العامة.
أكثر من عنوان حمله الاستحقاق البلدي في الجنوب والنبطية، لجهة:
أولا: التزكية التي طالت نصف عدد البلديات في محافظتي الجنوب والنبطية، وأكدت أن إلتزام أهالي أكثر من مئة بلدة وقرية قد بلغ مداه بتوجهات الثنائي، حيث لم يكن هناك أي خرق أو حتى محاولة لكسر التزكية بترشيح شخص من هنا أو آخر من هناك.
ثانيا: حماسة المواطنين للمشاركة في الانتخابات، حيث بلغت نسبتها أكثر من 40 بالمئة، وذلك لنصف عدد البلديات بعدما فاز النصف الثاني بالتزكية، ما يعني أنه لو لم تحصل التزكية لبلغت نسبة المشاركة أكثر من 75 بالمئة، أي كل من يحق له الاقتراع من الشيعة المتواجدين على الأرض اللبنانية.
ثالثا: التصعيد الاسرائيلي الواسع وإعتماد العدو الأرض المحروقة قبيل ساعات من إنطلاق العملية الانتخابية، والتمشيط من خلال المسيرات في القرى الأمامية، وذلك في محاولة لضرب هذا الاستحقاق ومنع الناخبين من المشاركة فيه، لكن هذا العدوان إرتد سلبا على الاسرائيليين وإنعكس إصرارا على أبناء الجنوب الذين واجهوا كل التحديات للتأكيد على خيارهم المقاوم.
رابعا: حضور الدولة عبر رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الذي أدلى بصوته في بلدته العيشية، وتفقد بعض أقلام الاقتراع، فضلا عن كلامه الايجابي الذي أعطى دفعا قويا للناخبين، ومن خلال وزير الداخلية أحمد الحجار الذي جال على مراكز الاقتراع من النبطية الى الجنوب وتابع كل التفاصيل المتعلقة بالاستحقاق، وأعطى كثيرا من الاطمئنان حول سير العملية الانتخابية، إضافة الى الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية المولجين بحماية اليوم الانتخابي الطويل.
خامسا: حضور الثنائي الشيعي الوازن والذي أثبتته النتائج التي لم تخرج منها بلدية واحدة، باستثناء خروقات بسيطة في عدد من البلدات، وبعضها سجلها مناصرين للثنائي ضد لائحة “التنمية والوفاء”، والتعبير بالتالي عن واقع سياسي لا يستطيع أي مكون لبناني أو أي حزب سياسي أو أي جهة خارجية تجاوزه.
لا شك في أن ما أفرزته الانتخابات البلدية من وقائع سياسية أكدت المؤكد بالنسبة للإلتزام الشيعي بالثنائي الوطني المقاوم، يحتاج الى عملية تبريد سريعة لبعض الرؤوس الحامية التي تحاول الايحاء بأن المقاومة إنتهت وأن بيئتها قد إنفضت عنها، وصولا الى مواقف سياسية عقلانية تحترم التوازنات وتراعي موازين القوى، خصوصا أن الثنائي الشيعي قام بعمليات تسليف عدة للمسيحيين من قوات وتيار وكتائب أبرزها في بيروت التي لولا قراره الصارم لأنصاره بالتصويت للائحة “بيروت بتجمعنا” لما حصل المسيحيون على 11 مقعدا، ولجرى خردقة اللائحة بالخروقات من اللوائح الأخرى.