Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر April 10, 2024
A A A
نيكاراغوا وألمانيا والحصار التسليحيّ للكيان
الكاتب: ناصر قنديل - البناء

– عندما سُئل المحامي الألماني الذي تقدّم بطلب التدخل كطرف ثالث في دعوى جنوب أفريقيا ضد كيان الاحتلال، بتهمة خرق اتفاقية الإبادة الجماعيّة، لماذا تتبرّع حكومة برلين لمهمة كان متوقعاً أن تتولاها واشنطن إلى جانب تل أبيب؟ أجاب أن أميركا ليست ضمن الموقّعين على اتفاقية منع الإبادة الجماعيّة لكن ألمانيا من المنتمين إلى الاتفاقية. وعندما سئل مندوب نيكاراغوا الذي تقدّم بالدعوى ضد ألمانيا بجرم انتهاك اتفاقيّة منع جرائم الإبادة: لماذا ترفع الدعوى ضد ألمانيا وليس ضد أميركا؟ أجاب لأن أميركا ليست عضواً في الاتفاقية، بحيث لم يعد ما يحتاج إلى إيضاح لجهة أن المانيا تحل مكان أميركا في الوقوف إلى جانب كيان الاحتلال.
– قد نعتقد أن الأمر يقتصر على الجانب السياسيّ، فلم يكن كثيرون ينتبهون إلى أن ألمانيا فعلياً هي ثاني أكبر مورد للسلاح لكيان الاحتلال. وقد ظهرت برلين بعد واشنطن كأكبر مورد للأسلحة لـ»إسرائيل» بين عامي 2019 و2023، حيث استحوذت على 30% من الواردات، وفق «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» SIPRI. وأعطت الحكومة الألمانية الضوء الأخضر لعمليات توريد إضافية بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول. ولعله من المفيد لفت الانتباه إلى أن الحرب فضحت كذبة الاكتفاء الذاتي العسكري الإسرائيلي، حيث تحتاج “إسرائيل” الى الطائرات وقنابلها والى مدافع الهاوتزر وقذائفها وبطاريات الباتريوت وصواريخها من واشنطن. وبينما تتباهى بصناعة دبابات الميركافا، فخر صناعتها العسكرية، تعتمد في محركاتها على ألمانيا وفي قذائف الدبابات على أميركا، وتصدّر ألمانيا إضافة لمحركات الميركافا، رشاشات وطرادات بحرية ورادارات والكثير من العتاد الفردي العسكري.
– حجة نيكاراغوا بطلب وقف إرسال الأسلحة إلى “إسرائيل” والعودة الفورية عن تجميد تمويل الأونروا نابع من مقارنة الأمرين، مضي ألمانيا بتزويد “إسرائيل” بالسلاح رغم وجود شكوك كبرى لدى أكبر مرجع قانوني في العالم هو محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي بنت على هذه الشكوك الجدّية قبولها بالدعوى المقامة من جنوب أفريقيا وقراراتها الإجرائيّة الفورية لوقف كل ما يمكن أن يسهم في مواصلة جرائم الإبادة، وبالتوازي مع عدم تعليق إرسال الأسلحة لـ”إسرائيل”، رغم المراجعة القضائية بجرم الإبادة بحقها أمام أعلى مرجع قانوني دولي، بادرت المانيا الى تعليق تمويل منظمة أمميّة محترمة ومعنية بالشؤون الإغاثية لضحايا جرائم الإبادة هي الأونروا، فقط ولمجرد أن “إسرائيل” المتهمة بالإبادة شككت بوجود عناصر منضوين في تشكيلات الأونروا الوظيفيّة أنهم من المتعاونين مع حركة حماس. وقالت إنها تعلق التمويل الذي تعرف أنه حاجة ماسة لقيام الأونروا في ظل الإبادة المتمادية للقيام بمهام الإغاثة، وهي تقول إنها تعلق تمويلها حتى ينتهي التحقيق في التهم الإسرائيلية، بينما ترفض تعليق إرسال السلاح للقاتل حتى انتهاء المراجعة القضائيّة، وتعلق مساهمتها في إغاثة الضحيّة.
– أهمية ما تقوم به نيكاراغوا تتمة لما بدأته جنوب أفريقيا، وهو لا يقل أهمية عن دعوى جنوب أفريقيا، لأنه يفتح ملف تسليح الكيان، ويثير الذعر لدى الدول المتورّطة في تسليح جيش الاحتلال من مخاطر الملاحقات القضائية، ويوجه رسالة مباشرة الى الرأي العام في هذه الدول لملاقاة الملاحقات القضائية بالضغوط الداخلية. ولهذا رأينا بريطانيا تسارع للدفاع عن ألمانيا، في دفاع استباقي عن نفسها أمام مراجعات داخليّة وقعها رؤساء المحكمة العليا السابقون وعدد من كبار القضاة المتقاعدين، تطلب تجميد تزويد “إسرائيل” بالسلاح تحسباً للتعرض للملاحقة القانونية بالمشاركة في جرائم حرب.
– لعل العبرة في حراك جنوب أفريقيا ونيكاراغوا القانوني، هو في الدلالة من جهة على حجم التحول الذي يجري في العالم على إيقاع فلسطين، وما يشكله من باب أمل بألا يبقى كيان الاحتلال كما كان خلال ثلاثة أرباع القرن، فوق القانون يفلت من المساءلة والعقاب. ومن جهة ثانية فإن هذا الحراك الحكومي العالمي الذي يلاقي الحراك الشعبي، يكشف حال العجز العربي على مستوى الحكومات والشوارع، لفعل ما تنتظره منهم فلسطين.