Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر July 17, 2016
A A A
نيس «عاصمة للجهاد»: 214 ضحية وأم مسلمة القتيلة الأولى!
الكاتب: كارمن جوخدار - السفير

ما كان متوقعاً منذ مدّة حدث فعلاً. نيس، المدينة الواقعة جنوب شرق فرنسا، تحوّلت إلى مسرح لجرائم «الجهاديين» المروّعة و «عاصمة للجهاد» في فرنسا، وفق صحيفة «ليكسبرس» الفرنسية، بعد أن كانت منطلقاً لهم إلى «أرض الخلافة»، ما اضطرّ بلديّتها لتأسيس خلية لمكافحة الإرهاب فيها، في العام 2015. 10 في المئة من الفرنسيين أو المقيمين في فرنسا والمرتبطين بخلايا إرهابية أصلهم من منطقة الألب ماريتيم التي تقع فيها مدينة نيس، وفق صحيفة «نيس ماتان».

شباب سافروا طلباً لـ «الجهاد» أبلغ عنهم بعد سفرهم فيما تم إيقاف آخرين، وبعضهم من القاصرين؛ إلا أن الخبر الأبرز كان سفر عائلة من 11 شخصاً إلى سوريا، في العام 2014. من نيس، سافر مئات الشباب لينضموا إلى صفوف تنظيم «داعش»، وفق صحيفة «ماريان» الفرنسية. عمر ديابي، من أصل سنغالي عاش في نيس، هو أحد كبار مجنّدي «الجهاديين» إلى سوريا ومقرّبٌ من مجموعة «فرسان العزة» الإسلامية التي حلّتها السلطات الفرنسية في العام 2012. وبعد أن ذاع خبر موته في إدلب السورية، ظهر ديابي مجدداً في بداية حزيران على قناة «فرانس 2». وفي جنوب شرق فرنسا أوقفت السلطات الفرنسية، عام 2014، «خلية كان ـ تورسي»، أحد أبرز الخلايا الإرهابية المرتبطة بهجوم سارسيل في باريس العام 2012.

أول من أمس، شهدت مدينة نيس اعتداءً مروّعاً، خلال الاحتفال بالعيد الوطني حيث انقضّ مهاجم بشاحنته البيضاء على الحشود المتجمّعة بالآلاف ومن بينهم العديد من السيّاح الأجانب، لمشاهدة عرض الألعاب النارية التقليدي. دهست الشاحنة كل من كان في طريقها على مسافة حوالي كيلومترين لتقتل 84 شخصاً ويصاب 130 شخصاً آخرين بجروح من بينهم 50 طفلاً.

عند الـ Promenade des anglais، أو شانزيليزيه الكوت دازور، حيث يتجمّع رواد أحد أجمل الشواطئ الفرنسية ليلاً نهاراً طيلة أيام السنة وخاصة في الصيف. قرب فندق Negresco، أحد معالم منطقة نيس، «هاجم تونسي (31 عاماً)، حاصل على الإقامة في فرنسا، الحشود، وفتح النار أيضاً قبل أن تقتله الشرطة بالرصاص»، وفق ما أكد مصدر لـ «رويترز»، معلناً عن أن «المهاجم يدعى محمد لحويج بوهلال، الذي عثرت الشرطة الفرنسية على هويته في الشاحنة، وهو لم يكن على قائمة الخاضعين لمراقبة أجهزة الاستخبارات، لكنه كان معروفاً لدى الشرطة في ما يتصل بجرائم سرقة وعنف».

وبمعزل عن رمزيّة نيس وكل التفاصيل المتعلّقة بهذا الاعتداء الإرهابي، إلا أن السؤال الأهم طرحه العمدة السابق للمدينة كريستيان إستروزي: «كيف استطاعت هذه الشاحنة، التي كانت محمّلة بالأسلحة الوصول إلى المكان؟».

«الوضع تبدّل خلال دقائق من الفرحة العارمة إلى المأساة والهلع والرعب، بعد أن كانت الأجواء فرحة بانطلاق الألعاب النارية خلال الاحتفال باليوم الوطني الفرنسي قبالة البحر»، يؤكد ميشال، الذي كان متواجداً في «ساحة ماسينا» على مقربة من مكان الاعتداء، مشيراً إلى أن «غالبية سكان المنطقة وعدداً كبيراً من السياح شاركوا أيضاً في هذا الاحتفال، كما اصطحبوا أبناءهم معهم للمشاركة في الفعاليات المنظّمة بالرغم من حالة الطوارئ المعلنة في البلاد».

ويقول لـ«السفير»، «الاعتداء حصل عند الـ Promenade des anglais قرب فندق Negresco الشهير في المنطقة حيث قام سائق بالصعود بشاحنته البيضاء إلى الرصيف كزن الطريق مقفلا أمام السيارات بسبب الاحتفال. سار ببطء واجتاز مسافة كيلومترين تقريباً، وبدأ يدهس الناس ويطلق النار. حصل ذلك في ثوانٍ»، مشيراً إلى أن»حالة هلع سادت في المكان. صراخ وبكاء أيضاً. الناس لم تبحث عن أجوبة فيما انتشرت شائعات عن عملية احتجاز رهائن أو عن تفجير إرهابي. بعض الأشخاص كانوا يبكون وكانوا منهارين من دون أن يفهموا ما يجري. آخرون ركضوا من دون وجهة محدّدة، أما البعض الآخر فقد حملوا أطفالهم وركضوا فيما شرع أهالٍ آخرون بالبحث عن أطفالهم، الذين ضاعوا بين الحشود. البعض قفز في البحر فيما اختبأ البعض الآخر في الحمامات العامة، المطاعم والفنادق المحيطة، التي أقفلت على الفور. اختبأت مع أصدقاء لي في قبو مخصص لحفظ النبيذ». ويضيف: «أقامت الشرطة على الفور حاجزاً لإيقاف الشاحنة قرب أوبرا نيس، القريبة من مكان الاعتداء، إلا أن الشرطة استطاعت توقيفها وقتل السائق قبل أن يتسبّب بمزيد من الضحايا. بعض السيّاح تجمّعوا وساروا رافعين أيديهم في الهواء باتجاه ساحة ماسينا بحثاً عن ملجأ آمن».

«سمعت إطلاق نار. ظننت في البداية أنه مجرّد انفجار؛ ثم رأيت حشداً من الناس يركض بشكل هستيري. كنت عند محلة ماجنتا، قرب مكان الاعتداء. فوضى عارمة فيما كان الجميع يصرخ: سيصل.. سيصل.. هو يطلق النار في كل اتجاه ليتبيّن في ما بعد أن الشرطة هي من كانت تطلق النار لتوقف المهاجم»، تفيد دنيا صايغ برغي، التي تعيش في نيس في محلة جان ميدسان، وهو مكان قريب من مكان الاعتداء.

114cd216-889b-4d0b-b4bc-eb7c84d5ae0a

تقول برغي لـ «السفير»، «أضعت صديقتي. سرت عكس الحشد لأبحث عنها وكنت أرتعد خوفاً من أنها قتلت وأنني سألقى المصير ذاته حين سألتقي به (المهاجم). في تلك اللحظة بالتحديد، لم أفكر سوى بابني الذي يعاني من التوحّد، والذي تركته وحيداً في المنزل»، مشيرة إلى أنها استقبلت في منزلها عدداً من الباحثين عن مكانٍ آمن. وتنقل عن صديق شرطي أرسل لها رسالة نصية يقول فيها: «كانت الجثث مرميّة على الأرض أينما كان. المشهد دموي. لا أستطيع الكلام. لم أرَ سوى جثثاً مشوّهة».

من جهته، يشير صلاح عبدل، وهو صاحب محل في الـ Vieux Nice في وسط المدينة، إلى أنه شاهد «عناصر أمنيين مدججين بالسلاح يتوجّهون نحو الكورنيش البحري، فيما ترك بعضُ الأشخاص سياراتهم وسط الطريق وهربوا»، مؤكداً أن الناس تهافتوا إلى محله، ومنهم من اختبأ تحت الطاولات وفي الخزانات: «عشرات الأشخاص من فرنسيين وسياح بريطانيين، إسبان وألمان. أحد الشباب شاهد المهاجم ورأى الناس يسقطون بين قتلى وجرحى. لم ينظر وراءه، بل ركض ليحاول النجاة».

ويختم: «بالرغم من أن صراخ الأطفال وبكاءهم ما زالا في رأسي، وبالرغم من أن المدينة السياحية، اليوم، خالية، إلا أنني فتحت محلي. نريد أن نعيش ولن ندعهم يربحون فنخاف ونعيش في البيوت».

ماتياس سوم، صحافي وصل إلى المكان ليصوّر الاعتداء، يصف المشهد بالقول: «جثث أينما كان، جثث مشوّهة ودماء، دراجة نارية محترقة ولعبة وحيدة. الأسوأ هو العدد الكبير من الأطفال». ويضيف لـ «السفير»، «استمررت بالتصوير. المزيد من الجثث وأنا أكمل التصوير. صوت رجل يصرخ من بعيد: لا تصوّر هذا إبني الذي تحت الغطاء. يمسكني الرجل بيدي ثم يقول بلوعة: نعم هذا طفلي».

ويروي الصحافي الألماني ريتشارد غوتهار أن «رجلاً على متن دراجة نارية حاول اعتراض الشاحنة؛ ثم حاولت تجاوزه، حتى أن سائق الدراجة حاول فتح باب الشاحنة إلا أنه سقط أرضاً وسحقته عجلات الشاحنة». ويضيف في اتصال مع «فرانس برس»: «رأيت أيضاً شرطيين اثنين يطلقان النار على الشاحنة، وعندها زاد السائق السرعة فجأة واندفع باتجاه الحشد وهو ينحرف بالشاحنة من جانب إلى آخر. بعدها جرى إطلاق النار من أسلحة عدة طيلة 15 إلى 20 ثانية. استغرق الأمر 60 ثانية لا أكثر من البداية وحتى النهاية».

من جهته، قال أحد المارة ويدعى فرانك سيدولي لـ «رويترز»، «شاهدت الناس وهم يسقطون؛ ثم توقفت الشاحنة. كنا على بعد خمسة أمتار فقط. كانت هناك إمرأة فقدت إبنها. إبنها كان على الأرض ينزف»، فيما قالت فاني، التي تبلغ من العمر 20 عاماً، لـ «رويترز» أثناء انتظار أصدقاء لها كانوا يخضعون لعمليات جراحية في مستشفى باستور في نيس: «كنا سعداء للغاية وعلى استعداد للاحتفال طوال الليل. رأيت شاحنة تخترق منطقة المشاة وتتحرك بسرعة كبيرة وبشكل متعرج. دفعتني الشاحنة جانباً وعندما فتحت عينيّ شاهدت وجوهاً لا أعرفها وبدأت أطلب المساعدة. بعض أصدقائي يخضعون للجراحة. الأمر صعب جدا وصادم جداً».

يروي حمزة (28 عاماً) لصحيفة «ليكسبرس»، أن أمّه كانت «الضحية الأولى في الاعتداء الإرهابي. لم يكن هناك أي جثة قبلها. كانت محجّبة وتمارس تعاليم الإسلام. الإسلام الصحيح وهو ليس دين هؤلاء الإرهابيين».

وقد علّق الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الذي كان متواجداً في أفينيون جنوب شرق فرنسا قبل انتقاله للاجتماع مع خلية الأزمة في باريس»، قائلاً: «كل فرنسا تقع تحت تهديد الإرهابيين الإسلاميين. معركتنا ضد الإرهاب مستمرة لأن العدو سيستمر في اعتداءاته». أما الرئيس الأميركي باراك أوباما فدان بحزم «ما يبدو أنه اعتداء إرهابي مروّع». أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فأكد، في برقية إلى هولاند، أن «الانتصار على هذا الشر المتوحش يتطلب توحيد جهود العالم المتحضر». إيران دانت الاعتداء بشدّة، قائلة إن «الإرهاب آفة لا يمكن اجتثاثها من دون الوحدة والتعاون الدوليين»، فيما أكد مصدر سعودي مسؤول «تضامن المملكة مع فرنسا». أما هيئة كبار العلماء في السعودية فرأت أن «ما يحصل في العالم من اختراق الإرهاب للمجتمعات وانتشاره في دول متعددة بين مختلف القارات هو نتيجة من نتائج جرائم النظام السوري وأعوانه الذي أصبح مفرخة للإرهابيين القتلة».
***

إمرأة تصلي في أحد كنائس نيس على نية ضحايا الاعتداء (رويترز)

إمرأة تصلي في أحد كنائس نيس على نية ضحايا الاعتداء (رويترز)