Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر June 10, 2021
A A A
نقاش بارد لرؤوس حامية: حول استيراد المحروقات من إيران
الكاتب: ناصر قنديل - البناء

نسمع منذ مدة نغمات نشاز في الخطاب السياسي، الصادر عن شخصيات وأحزاب ومرجعيات دينية أحياناً، بالحديث عن احتلال إيراني وجالية إيرانية، والكلام معيب بحق أصحابه لما فيه من نبرة عنصرية عدائية تطعن بمواطنة شركاء لبنانيين في المواطنة، تشبه حديث العنصريين البيض عن السود في أميركا كمواطنين غير أميركيين، وتصفهم بالأفارقة، فيما يدعو بعض العنصريين لإعادتهم إلى أفريقيا، كأن البيض لم يأتوا مهاجرين من أوروبا، مع فارق بين صنفي المهاجرين، بين صنف أباد السكان الأصليين، وآخر تعرّض للمظلومية. وهذا الخطاب العنصري يتحدث عن وجه حضاري وثقافي للبنان يخشى ضياعه، كلما أراد إثارة قضية المقاومة وعلاقتها مع إيران، ولأن بعض هؤلاء يصدقون ما يقولونه سنحاول التمتع بالصبر اللازم لمناقشة مضمون مواقفهم، خصوصاً في ضوء النقاش حول استيراد المحروقات من إيران.

عندما يجري الحديث عن وجه ثقافي وحضاري للبنان، فمن حقنا من الزاوية العلمية السؤال عن أي لبنان يجري الحديث، لبنان الكبير ام لبنان المتصرفية، أم لبنان الإمارة، وطالما أن إيحاء اصحاب الخطاب العنصري بأن حديثهم يجري عن الوطن اللبناني بحدوده الراهنة فمن المفيد تذكيرهم، أنه عندما أعلن الجنرال غورو لبنان الكبير، شهدت المحافظات الأربع، مؤتمرات عرفت بمؤتمرات الساحل، رفضت ضمّها الى دولة غورو ووجهها الثقافي والحضاري المرتبط بالغرب، وأعلنت مبايعتها للدولة العربية التي أعلنها الملك فيصل من دمشق، ولبنان منذ الاستقلال محاولة مستمرة لصناعة وجه ثقافي وحضاري مشترك قائم على احترام التعدد فيه، واعتباره مصدر نعمة، لا يباح بموجبه لفريق أن يعاير فريقاً بمزاعم الحضارة والثقافة، ولا أن يدّعي أن مزاجه وذوقه الثقافي يصلح ليكون مصدراً للحكم على مزاج وذوق سواه من اللبنانيين.

في الحقيقة لم نفهم معنى الحديث الثقافي والحضاري في قضية البنزين والمازوت، فهل للبنزين والمازوت الآتي من إيران هوية ثقافية مختلفة عن مثله الآتي من الجزائر أو الخليج او المكرر في مصافي أوكرانيا دون معرفة مصدره كنفط خام، وفي كل قضية التوجه شرقاً في الغذاء والدواء والمحروقات، لا أحد يريد حرمان أصحاب الرغبة ببقاء مصادر استهلاكهم محصورة بالغرب، وكل المطروح هو أن لا يملك هؤلاء حق عبادة الغرب على حساب سائر اللبنانيين، أليسوا هم أصحاب نظرية السوق الحرة في لبنان، وكل المطروح أن يكون لبنان سوقاً حرة، يتاح فيه للفقراء أن يشتروا بضائع جيدة ورخيصة، وحيث لا يوجد إلا المنتج الغربي، والأميركي ليس بين الفقراء من يقول إنه يرفض شراءه عقائدياً، فكل ما يطلبونه هو تعدد الخيارات، وهم مستعدون أن يتركوا للمصابين بعقد الماركات والهوية الثقافية والحضارية للسلع أن يشتروا عقائدياً من الغرب حصرياً، وليدعوا الحديث عن العقوبات جانباً لأنها عقدة مفتعلة وهي ظرفية ستزول قريباً على كل حال.

الكل يعلم أن الدعم زائل، وأن الدولة لن تعود قادرة على تمويل الاستيراد بدولارات المودعين التي تم تبديدها على المحتكرين باسم الدعم، وأن السوق ستصبح مفتوحة ليشتري التجار كل السلع ويعرضونها للبيع، ويعود للمشتري حق اختيار ما يشتريه وفقاً لمصلحته بحساب الجودة والسعر، فالدولة أصلاً لم تكن طرفاً في سوق المحروقات، ولتعد كذلك وتترك للشركات حق اختيار المصدر وطرق الدفع واسعار الشراء ولتقم الدولة حصراً بمراقبة النوعية ووضع حد أعلى لسعر البيع، واستيفاء الرسوم، وعندها من يملك الحق بمنع شركة ترتضي أن تتحمل العقوبات وتشتري المحروقات من إيران وتبيعها كما تشتريها بالليرة اللبنانية، مع حفظ حقوق أصحاب الوجه الحضاري والثقافي بمقاطعة هذه المحروقات، ولو اضطروا للسير على الأقدام، ودون أجهزة تدفئة أو شراء صفيحة البنزين بـ 10 دولارات، مستفيدين من انخفاض سعر الصرف بسبب انخفاض الطلب على الدولار لأن الكتلة الأساسية من الاستيراد تمّت بالليرة اللبنانية.

السؤال الذي لا يجيب عليه أصحاب الوجه الثقافي والحضاري، خصوصاً أن بعضهم يتحدث عن العروبة، ويرى بوصلتها في دول الخليج، هو لماذا لا يحولون هذا التعدد اللبناني الى مصدر خير للبنان، فيقابلون العرض الذي نجح حلفاء إيران بالحصول عليه بالقول لحلفائهم الذين يشبهون برأيهم وجه لبنان الحضاري والثقافي ولا يهدّدونه بخطر، ليقدموا مثل هذا العرض وليس أفضل منه، خصوصاً أن إيران لا تشترط سد أفواه الذين يهاجمونها من اللبنانيين ضمن عرضها، وعندها سيرون أن شركاءهم في الوطن سيرحبون بأن يستورد لبنان حاجاته من المحروقات من دول الخليج ويفرحون للحفاظ على الوجه الثقافي والحضاري لشركائهم في الوطن ويباركون لاطمئنانهم الى مصير هذا الوجه.

يبقى أن نذكّر بعض هؤلاء بالتباهي الذي كان يقوم به أجدادهم بالعلاقة مع إيران في زمن نظام الشاه، ويعتبرونه حليفاً وصديقاً، ووفقاً لبعض الدراسات المنشورة في واشنطن، كانت مخابرات الشاه، السافاك، تتولى تمويل حملاتهم الانتخابية، بوجه البعد العربي الذي يتذكرونه اليوم، وقد كانت العروبة يومها مجسّدة بما يمثله جمال عبد الناصر، حيث قام رئيس حزب الكتائب بيار الجميل يومها، وفقاً للوثيقة التي كشف النقاب عنها الدكتور أسعد أبو خليل في جريدة الأخبار قبل شهور، وحملت اسم «سياسة الشاه نحو لبنان: دور السافاك»، ونُشرت في مجلة «ميدل إيسترن ستاديز» (مجلّد رقم 33، رقم 1، كانون الثاني/ يناير 1997)، بطلب.مبلغ مئة ألف دولار للدعاية السياسية ولتمويل انتخابات حزب الكتائب عام 1960، فهل كانت إيران الشاه تعزّز بأموال السافاك يومها وجه لبنان الحضاري والثقافي؟