Beirut weather 22.43 ° C
تاريخ النشر September 8, 2016
A A A
نعم كان مسؤولاً أمنياً في «جيش حدّاد»!
الكاتب: لينا فخر الدين - السفير

«محمود أنيسة» يقع بشهادة «زميله»: نعم كان مسؤولاً أمنياً في «جيش حدّاد»!
*

كل بضعة أشهر، يمثل محمود بزي أمام هيئة المحكمة العسكريّة. وفي كلّ مرّة، يستشيط الموقوف غضباً. يُكذّب «الصيت» الذي يسبقه لدى الجنوبيين الذين عاصروه بأنّه كان عميلاً للإسرائيليين ومسؤولاً أمنياً ومدنياً عن منطقتي كونين وعيناتا بتكليف من «ميليشيا سعد حداد» المتعاملة مع العدوّ.
استطاع «محمود أنيسة» أن يعيش لأكثر من 30 عاماً في ديربورن ـ ولاية ميشيغان باسمٍ مستعار، تماماً كما استطاع الالتفاف على العدوّ الإسرائيليّ والدخول إلى الأراضي المحتلّة والسّفر من مطار اللدّ بجواز سفر مزوّر بقي على استخدامه إلى حين سقوطه بيد المخابرات الأميركيّة التي عمدت الى ترحيله منذ عام، حينما تمّ إلقاء القبض عليه في «مطار رفيق الحريري الدوليّ».
وبالأسلوب عينه، يحاول الرّجل أن يمسح عن نفسه لقب «العميل» وتهمة خطف ثلاثة ضبّاط من الوحدة الايرلندية العاملة ضمن «قوات الطوارئ الدوليّة» من قرب معبر بيت ياحون واقتيادهم الى «مهنية بنت جبيل الرسمية» التي كانت قيد الإنشاء آنذاك، ليقوم بتعذيبهم وقتل اثنين منهم، فيما استطاع الثالث الفرار، وذلك مباشرةً بعد اتّهام «اليونيفيل» بمقتل شقيقه بين عامي 1979 و1980.
تحرّكت القضيّة أكثر من مرّة خلال الـ 36 عاماً من دون أن تفلح المخابرات الأميركيّة أو القضاء اللبنانيّ في إثبات الأدلّة على «الرّجل المزواج» (تزوّج 5 نساء)، إلى أن وقع جورج مخّول بيد القضاء اللبنانيّ منذ 10 سنوات ليقرّ أن بزي هو من قتل الضابطين الإيرلنديين.
في السّابق، لم يكن أمام القضاء اللبنانيّ سوى إفادة لصبحي بزي المحكوم أيضاً بتهمة التّعامل. بالكاد، يبدو الحبر الذي كتبت فيه هذه الإفادة، واضحة. ومع ذلك، نفضت المحكمة العسكريّة، أمس، الغبار عنها. وبصعوبة، تلا مقتطفات منها رئيس «العسكريّة» العميد الركن الطيّار خليل ابراهيم على مسمعٍ من صاحبها: صبحي بزي الذي كان قد أكّد في حينه أن «محمود أنيسة» هو من قتل الضابطين وأن الأخير قد رأى الإشكال الذي حصل على معبر بيت ياحون خلال قيام محمود بخطف الضبّاط.
وكانت صعوبة قراءة الإفادة المحفوظة لدى القضاء منذ نيسان 1980، تماماً كصعوبة الاستماع إلى شهادة الرجل السبعيني الذي جرّ نفسه على عكّاز حديدي (ووكر) وبدأ الكلام بصوتٍ غير مفهوم. نظر ملياً إلى بزي الواقف على يساره. ارتسمت الابتسامة على ملامح وجه «محمود أنيسة» الذي تذكّر وجه صديقه المتّهم أيضاً بكونه مسؤولاً عن حاجز بيت ياحون الذي كان تابعاً لـ «جيش سعد حدّاد» آنذاك، حتّى كادت الجلسة أن تتحوّل إلى نفي صبحي تهمة العمالة عن نفسه، مشيراً إلى أنّه «فقير معتّر، وفي 100 صبحي بزي غيري».
وبرغم ذلك، لم يستطع صبحي بزي التأكيد إن كان «محمود أنيسة» هو فعلاً قاتل الضابطين. فهو مرّة يعترف بذلك، ثمّ يعود ويشير إلى أنّه لم يرَ الجريمة بأمّ عينيه وإنّما سمع من النّاس الذين تجمهروا بالقرب من «مهنيّة بنت جبيل» أن محمود قتل الضابطين.
الاعتراف الوحيد الذي خرج من فم الرّجل هو أنّ محمود بزّي كان فعلاً مسؤولاً عسكرياً في «جيش حدّاد». هذا الإقرار استدعى انتفاضة «محمود أنيسة» الذي ردّ بغضب أنّ هذا الكلام غير صحيح. حاول الموقوف أن يواجه الشّاهد، فيما وقف العسكريون بينهما.
بلكنته الجنوبيّة وغضبه المعتاد، أكّد «محمود أنيسة» أنّ «لا علاقة لي بالإسرائيليين»، في حين أنّه قال في جلسة سابقة إنّه تعامل مع الإسرائيليين بإرادته.
وعندما سأله العميد ابراهيم كيف يمكن ألّا يكون له علاقة بالإسرائيليين وهو الذي سافر من مطار اللدّ، ردّ ضاحكاً: «ومين قلّك إنّو الإسرائيليين عرفوا فيي!»، مضيفاً: «بهيديك الإيّام كانت كلّ العالم تروح وتجي من إسرائيل».
وكان من المفترض أن يرسل صحافي أميركي حضر جريمة القتل شهادته مكتوبة بعد تعذّر الإدلاء بها في لبنان لكونه يرقد في مستشفى في أميركا، فيما لم يتمّ ذلك بل تسلّمت المحكمة نسخة عن بعض الكتب المصدّقة والمترجمة المرسلة من السّلطات الأميركيّة والإيرلنديّة عبر وزارتي العدل والخارجيّة.
ولذلك، طلب مفوّض الحكومة المعاون لدى «العسكريّة» القاضي هاني حلمي الحجّار الاطّلاع عليها قبل ضمّها إلى الملفّ. فيما اعترض وكيل الدّفاع عن بزي المحامي صليبا الحاج، وطالب بعدم ضمّ الشهادة المكتوبة إلى الملفّ لكونها تتعارض مع قانون أصول المحاكمات الجزائيّة.