Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر June 29, 2017
A A A
نعمة محفوض… إلى الإعدام؟
الكاتب: غسان حجار - النهار

تكاد الحركة النقابية ان تلفظ انفاسها. فقد تعب عصام خليفة وشربل كفوري وأخليا الساحة لغيرهما. وذهب حنا غريب الى المسؤولية الحزبية في امانة الحزب الشيوعي اللبناني فخفّ وهجه نقابياً، ولم يبق سوى نقيب معلمي المدارس الخاصة نعمة محفوض وحيداً يصارع البقاء. ويبدو أن القرار قضى بإراحته من مهماته بعدما اتعبهم وصاروا في حاجة ماسة لأن يرتاحوا منه. الطامحون للحلول محله كثر، والطامعون اكثر، والمتواطئون ايضاً، من المعلمين واصحاب المدارس ومديري المؤسسات التربوية، هؤلاء يزعجهم محفوض كل من موقعه. وكل من هؤلاء يمكن ان “يمون” على مسؤول او زعيم او رئيس، يقنعه بالضرر الفادح الذي يسببه محفوض. فهو يحرك الشارع ضد السلطة وربما يهدد النظام، وهو يحرّض المعلمين ضد اداراتهم بما يعكر الامن الداخلي، وهو يطالب بسلسلة الرتب والرواتب ليحصّل للفقراء مالاً من جيوب الاغنياء وهذا امر محرّم، وهو الذي يرفض الخنوع، ويرفض مسايرة رجال الدين، كما السياسيين.

نعمة محفوض ليس بطلاً من نوع منقرض، انما هو ببساطة كلية، لبناني عنيد، عكاري صلب، يساري رافض. ونكاد كلنا نشاركه لبنانيته اولاً بعدما تخلى كثيرون عن مواطنيتهم وتعاملوا مع البلد كمصلحة تدر لهم المنافع والاموال، يغادرونه ساعة يشاؤون كأي فندق في العالم، أو يستخدمونه اداة خدمة لأهداف دول خارجية تريده ساحة ومساحة لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية. ونشاركه العناد في الحق بعدما اختلط الحق بالباطل، وضاعت القيم والمعايير، وبات تسلق السلطة هدفاً في ذاته اكثر منه تسابقاً وتنافساً على الخدمة العامة. ونشاركه الصلابة في عدم التنازل عن حقوق مكتسبة للانسان المواطن، بعدما صارت المساومات والتسويات اساساً لكل تعامل ومعاملة، وصارت التسويات بين اهل السلطة تطيح الحقوق ولا تقيم وزناً لأصحابها من عامة الشعب ما دام هؤلاء ممسوكين ومنقادين بالعصا الزبائنية والطائفية والمصلحة الضيّقة. ونشاركه رفضه للواقع المرير الذي نأمل في كل عهد، ومع كل حكومة، وكل مجلس، ان يتحسّن، فإذ به يؤول الى تراجع وتدن يجعلنا نترحم على ما مضى من الايام والعهود. ونشاركه ايضاً يساريته بما هي مساواة وعدالة وتوزيع للخير العام اكثر منها عقيدة حزبية.

امام هذا الواقع، لا يعود اسم نعمة محفوض مهماً في ذاته، بل بما يمثله من قيمة نقابية تتضاءل شيئاً فشيئاً، وتتراجع حركتها بعد الانهيار المريع الذي اصاب الاتحاد العمالي العام قبل سنوات من جراء خطة ممنهجة عملت على اغراقه بنقابات وهمية افرغته من مضمونه، واعتماد من في السلطة سياسات قضم لكل ما هو نقابي ناشط وفاعل. وقد اظهرت الوقائع أن اختلاف السياسيين يترك هامشاً اوسع للحركة النقابية اذ يجعل التنافس كبيراً، اما اتفاقهم فيقضي على كل أمل بالتحرر. يتفقون على “أكل” الأخضر واليابس.