Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر September 28, 2017
A A A
نزاع مفتوح وجبهات مشتعلة
الكاتب: جوني منير - الجمهورية

لم يسبق لأيِّ رئيسٍ للجمهورية أن سلَك الدّربَ الصعبَ والشائكَ الذي سلَكه العماد ميشال عون قبل الدخول الى قصر بعبدا، ولم يَسبق لأيّ ولايةٍ رئاسية أن تكون سنتُها الأولى مشابهةً للسنة الأولى من عهد عون.

على رّغم أنّ العهد لا يزال يحتاج إلى شهر إضافي ليُطفِئَ شمعته الأولى، لكنّ هذه الفترة القصيرة التي غالباً ما تكون هادئة يسودها التعاون والتفاهم، ولو على الأقلّ ظاهرياً، تشهد محاور اشتباك مفتوحة مع معظم القوى السياسية تقريباً.

ففيما كانت المواجهات تتصاعد بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي حول ملفات سلسلة الرتب والرواتب والموازنة والإنتخابات النيابية، اندَلع اشتباكٌ آخر بين عون ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق وخلفه رئيس الحكومة سعد الحريري حول لقاء وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل مع نظيره السوري وليد المعلم في نيويورك، وصل الى حدِّ التلويح بالاستقالة، في وقتٍ استمرّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط في إطلاق رسائل «القنص» في اتّجاه عون عبر «تويتر»، وهو ما طبع أسلوبه خلال المرحلة الماضية.

ووسط المحاور المشتعلة، دارت اشتباكات أخرى على الساحة المسيحية – المسيحية، مرّة مع «القوات اللبنانية»، ومرّة أخرى مع تيار «المردة»، وثالثة مع حزب الكتائب.

وحدها الجبهة التابعة لـ«حزب الله» بقيت على علاقتها الممتازة بالعهد، ولو أنّ تصريحات صدرت تأييداً لموقف برّي في موضوع صلاحيات المجلس النيابي.

الاشتباك بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ليس الأوّل ولن يكون الأخير. في الأساس حُكي كثيراً عن الكيمياء المفقودة بين الرجلين، حتّى في مرحلة الانقسام السياسي الحاد بين «8 و14 آذار»، وحتى في أكثر اللحظات حراجةً، أي عند الإنتخابات النيابية الأخيرة عام 2009 حصل اشتباك كبير حول الحصص، اضطرَّ معه «حزب الله» إلى التدخّل وتسوية الخلاف من حصّته الخاصة.

وعلى رغم اكتمال التسوية لوصول عون الى قصر بعبدا، بقيَ بري في موقع المعارض والمشاكس والمراهن على إجهاض التسوية، وخسِر المعركة في نهاية الأمر، ولكنّه عاد وعوّض بجائزة «ترضية» مع تشكيل الحكومة، وما لبثت أن اندلعت معركة أكثر عنفاً مع إقرار قانون جديد للانتخابات، وبدا أنّ بري تلقّى صفعة أخرى مع تعليق عون لأعمال المجلس النيابي لمدّة شهر وفق المادة 59 من الدستور، في خطوة هي الأولى من نوعها، لكنّ برّي عاد وردّ التحية مع ترجيح الاقتراح الانتخابي للنائب جورج عدوان.

وفيما كان شدّ الحبال قائماً حول حصول الانتخابات في موعدها وسط همس بوجود تفاهم بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» لتعديل القانون ما دفع بري إلى قطع الطريق عبر الدعوة إلى إنتخابات مبكرة، جاء قرار المجلس الدستوري الذي انتصر لطعن النائب سامي الجميّل وزملائه التسعة، ولكنّه في الوقت نفسه دفع في اتجاه الحلّ الذي كان طرحَه عون حول ضرورة إقرار الموازنة قبل الولوج في ملفّ السلسلة. وساد همسٌ كثير حول دفعٍ خفيّ لرئيس الجمهورية لدى المجلس الدستوري في هذا الاتجاه.

والاشتباك الدائر على هذا المحور، يبدو عنيفاً خصوصاً بوجود إقتناع بأنّ طرفَي النزاع لديهما النيّة للاندفاع اكثر في المعركة. واللافت أنّ «حزب الله» المتمسّك بتحالفه المتين مع رئيس الجمهورية إتّخذ موقفاً لمصلحة برّي في هذا الاشتباك حرصاً على عدم الانتقاص من صلاحيات المجلس النيابي، فيما القوى المسيحية المتخاصِمة مع قصر بعبدا، ولا سيما منها «القوات اللبنانية» و«المردة» هما أقرب الى موقف عون ولكن مع حرصهما وتمسّكهما بعلاقتهما القوية مع برّي. ولهذا ربما آثرا عدمَ الدخول في الاشتباك والاستعاضة عن ذلك بتسجيل موقف ناعم وخافت.

والاشتباك الثاني لم يكن أقلّ حدة، لا بل على العكس، كان أكثر دقّةً وحساسية، وهو الذي انفجر إثر لقاء باسيل – المعلم في نيويورك. وبات معلوماً أنّ التسوية التي رافقت وصول عون الى رئاسة الجمهورية إستندت الى مبدأ وصول الحريري الى رئاسة الحكومة وتشكيل حكومة ائتلاف وطني، وهو ما سيعني تشكيل معادلة الحكم بمشاركة الجميع، إضافة الى التمسّك بالابتعاد من الحرب الدائرة في سوريا وعدم التدخّل لمصلحة هذا الطرف أو ذاك.

وقبل تحرير جرود رأس بعلبك والقاع وعرسال من الارهابيّين، بدأت التحرّكات لتوسيع مساحة العلاقات اللبنانية – السورية عبر زيارة وزيرَي «حزب الله» وحركة «امل» لدمشق والتي كانت ستشمل وزير الاقتصاد المحسوب على «التيار الوطني الحر»، لكنّ الأخير عاد وتراجع عن الزيارة في اللحظات الأخيرة.

يومها جاء الوزير السعودي ثامر السبهان الى لبنان ليطلق مواقف قوية وعزّزها لاحقاً بتغريداتٍ أقوى، وذلك بهدف منع حصول ذلك انسجاماً مع التسوية الرئاسية.

وحصلت الضغوطُ لاحقاً لمنع أيّ تنسيق عسكري لبناني – سوري في شأن معارك الجرود. لكنّ مواقف عون من نيويورك، والأهمّ لقاء باسيل – المعلم، فتح الطريق أكثر في اتّجاه العلاقات مع دمشق، وذلك استناداً الى معطيَين اثنين: الأوّل أنّ أزمة النازحين السوريين تُخفي نيات مقلقة تتعلّق بتوطين هؤلاء ما يستوجب حلّها بأيّ طريقة كانت.

والثاني أنّ الحرب في سوريا انتهت، أو تكاد، وبالتالي لم يعد هنالك طرفان، بل تسليم دولي بالدولة السورية، وما كان يصلح خلال الحرب لم يعد قائماً للمرحلة الحالية والمقبلة.

وهنالك مَن يعتقد أنّ المسألة لها علاقة بالذهاب بعد السعودية الى سوريا لتعزيز موقف الأولى، وأنّ هذا لا يعكس مصلحة لبنان التي ستتضرّر وفق هذا الاحتمال.

لكنّ المشنوق ذهب بعيداً في الحديث عن استقالة الحكومة موحياً أنّ في ذلك ضوءاً أخضر سعودياً، وهو ما عزَّزه سفر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والنائب سامي الجميّل الى الرياض في اليوم نفسه، وعلى أساس أنّ استمرار الحكومة وفق توازناتها الحالية هو لمصلحة «حزب الله»، وتحالفه مع عون.

وفي مسارعة جعجع الى إرسال الوزير ملحم الرياشي الى المشنوق رسالة تأييد واضحة ودعم في هذا الملف، ولو من دون التّصريح المباشر تجنّباً للدخول في اشتباك مع قصر بعبدا أو باسيل. وقيل إنّ الرياشي أبلغ الى المشنوق أنّ جعجع متفاهم مع الحريري على أنّ التواصل مع دمشق هو خط أحمر وأنّه إذا «اضطرينا سنخرج من الحكومة معاً».

لكنّ للمسألة وجهاً إضافياً، وهو سعي المشنوق لأن تستقيل الحكومة وأن تتشكّل بعدها حكومةُ انتخابات من وزراء غير مرشّحين يترأسها المشنوق نفسه، وهو ما يلزم الجميع بحصول الانتخابات في موعدها، وهو يساعد الحريري الذي سيقف جانباً في النزاع الآتي حول العلاقة مع سوريا، وأنّ حكومة الانتخابات قادرة على البحث في التعديلات حول قانون الانتخابات في حال تأمّنت الأجواء السياسية الملائمة لذلك.

لكنّ الحريري لا يزال حتى اللحظة غيرَ متحمّس لهذه الفكرة، وهو الذي أخذ كثيراً من الدروس خلال مرحلة وجوده خارج السلطة. وبدا أنّ تبنّي بيان كتلة «المستقبل» موقف المشنوق وتسميته في وضوح، مؤشّر الى وجود مناخ سعودي في اتجاه إطلاق النار السياسي، وربما أكثر، أضف الى ذلك مؤشر سفر جعجع والجميّل الى السعودية.

يبقى أنّ موقف النائب سليمان فرنجية المؤيّد فتحَ العلاقات مع سوريا لم يؤدِّ الى تباعد بينه وبين «المستقبل»، والأهم أنه لم ينتج عنه تقريب المسافة السياسية من عون.

وهنالك أيضاً اشتباك ناعم بين بري والحريري على خلفية مآخذ الأول على الثاني بأنه ذهب بعيداً في مسايرة رئيس الجمهورية على حساب علاقاته الأخرى، وفي طليعتها علاقته مع بري وجنبلاط على حدٍّ سواء، واشتباك إضافي، ولكن على شكل إطلاق نار متقطّع أو»تقنيص» جنبلاطي في اتجاه قصر بعبدا وباسيل.

إشتباكاتٌ بالجملة لكنها كلّها محكومة بسقف محدَّد ومعروف.
*

ما كان يصلح خلال الحرب السورية لم يعد قائماً للمرحلة الحالية والمقبلة (ا ف ب)