Beirut weather 21.88 ° C
تاريخ النشر April 25, 2024
A A A
نتنياهو يفتش عن إنتصار وإجتياح رفح سيفٌ ذو حدين!
الكاتب: غسان ريفي - سفير الشمال

بعد مئتيّ يوم على طوفان الأقصى والعدوان الوحشي الاسرائيلي على قطاع غزة والذي حصد البشر والحجر، تتجه الأنظار الى رفح التي يبدو أن العدو مصرّ على إجتياحها، في سبيل تحقيق ولو هدف واحد من أهداف الحرب التي سبق وأعلنها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وأخفق على مدار سبعة أشهر من القتل والتدمير الممنهج في الوصول الى أي منها.

مئتا يوم ونتنياهو يعد المجتمع الاسرائيلي بالنصر، ويحصد مئات الاخفاقات، فهو لم يقض على حركة المقاومة الاسلامية حماس كما وعد وتوعد، بل ما يزال يفاوضها ويتسلم شروطها، وهو لم يحرر الأسرى الاسرائيليين بالقوة، بل هو تسبب في قتل عدد منهم، ويتعرض لشتى أنواع الضغوط في داخل الكيان من أهاليهم الذين يطالبون حماس بإعتقاله وإطلاق سراح أبنائهم، وهو لم يهجّر الفلسطينيين الذين يتمسكون بأرضهم حتى الشهادة، كما لم يوقف إطلاق الصواريخ من الشمال المحتل والمدمر، حيث أطلقت أمس الأول صلية منه بإتجاه غلاف غزة، فيما العمليات العسكرية تتواصل ضد الجيش الاسرائيلي وتكبده خسائر كبرى، ما يعني أن العدو إكتفى في هذه الحرب بالقصف العنيف من الجو وبقتل المدنيين وتدمير المنازل والمستشفيات ودور العبادة من مساجد وكنائس، وقطع الامدادات وفرض حصار التجويع الذي كبّده ثمنا أكبر من خسائر الميدان، وهو إنقلاب أكثرية العالم عليه بعد سقوط قناعه وإنكشاف وجهه البشع.

على مستوى المنطقة، أخفق نتنياهو في إستدراج إيران الى حرب تحميه في الداخل الاسرائيلي وتبقيه على رأس السلطة، وتلقّى ضربة قاسية إستخدمت فيها إيران أدنى ما تمتلكه من سلاح المسيرات والصواريخ، وإستدعت أقصى وأكبر إستنفار عسكري أميركي، بريطاني، فرنسي وإسرائيلي مدعوما من القواعد العسكرية المنتشرة للتصدي لها، وبالرغم من التحضير لذلك مدة ثلاث ساعات متتالية، أصابت صليات من الصواريخ الايرانية أهدافها، ما أظهر هشاشة دفاعات إسرائيل التي تحولت من قاعدة متقدمة للغرب في الشرق الأوسط لا يقوى أحد عليها، الى عبء عليه تحتاج الى من يدافع عنها ويساعدها ماليا.

في داخل الكيان، الأكثرية تريد رأس نتنياهو الذي يدرك أن إستمرار الحرب على غزة وكذلك على رفح لن يشفع له للبقاء في السلطة، فمن الفساد والهدر، الى أكبر إخفاق عسكري في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، الى أكبر هزيمة للكيان الصهيوني في طوفان الأقصى، الى العجز عن إستعادة الأسرى، كل ذلك، يشكل عناوين للمعارضة لإسقاطه ومحاكمته وإدخاله السجن، أو ربما قتله، خصوصا أن وقف العدوان على غزة الذي من شأنه أن ينشر التهدئة في كل الجبهات المساندة، ويسمح بعودة المستوطنين الفارين الى شمال فلسطين وتطبيق القرار 1701 بشكل متوازن بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية، لا يمكن أن يتم إلا بتبدل الموقف الأميركي من الحرب، أو بإنقلاب داخلي على نتنياهو الذي بات الأميركيون على قناعة بأنه يشكل خطرا على إسرائيل، وأن الحفاظ على الكيان يتطلب التخلص منه.

بالرغم من كل ذلك، ما يزال نتنياهو يجد في إجتياح رفح فرصة لتحقيق أهدافه، خصوصا أنه يؤكد في كل مرة أن النصر لن يتحقق إلا بإجتياح رفح والقضاء على حماس وتحرير الأسرى بالقوة، في وقت تسعى فيه المقاومة لإبعاد كأس رفح عن الفلسطينيين المتحصنين في المدينة والبالغ عددهم أكثر من مليون ونصف المليون شخصا، لكن إذا فرضت الحرب فإنها ستتصدى لها، خصوصا أنها تستعد وتعيد بناء كل قدراتها، ويبدو ذلك واضحا من الشروط التي تتمسك بها حماس في المفاوضات مع إسرائيل، ما يعني أنها في جهوزية كاملة، ولعل دخول الجيش الصهيوني الى خان يونس وخروجه منه مرات عدة، والاصابات التي حققتها المقاومة في صفوفه خلال شهر رمضان، يؤكد بما لا يقبل الشك أن رفح لن تكون نزهة لجيش العدو.

لا شك في أن إجتياح رفح هو سيف ذو حدين، خصوصا أن نتنياهو يؤكد أن دخولها هو للقضاء على حماس وتحرير الأسرى وتحقيق الانتصار لاسرائيل، فماذا لو دخل رفح ولم يقض على المقاومة ولم يحرر الأسرى وهذا هو السيناريو الأقرب الى المنطق على غرار خان يونس وطولكرم؟، وماذا لو دفع خسائر كبيرة في الآليات والدبابات والجنود؟.

لذلك، فإن أميركا وبالرغم من إحتضانها الكامل لإسرائيل نصحت نتيناهو بعدم إجتياح رفح، لأنه بعد ذلك، لن يستطيع أن يعد المجتمع الاسرائيلي بشيء، وسيدفع من كيانه الغاصب ثمنا باهظا، كما أن إجتياح رفح يعني شن عدوان إسرائيلي على مصر، بفعل تداخل الأراضي ووجود معبر “فلادلفيا” الذي يفصل بين مصر وفلسطين ويريد الصهاينة إحتلاله، وفي حال حصل ذلك، فإنه سيشكل طعنة لاتفاقية كامب ديفيد، فهل ستقف مصر مكتوفة الأيدي؟، وإذا غض النظام المصري الطرف عما قد يحصل فماذا سيكون موقف الشعب المصري؟، وماذا ستكون عليه مدن المملكة الأردنية التي تغلي غضبا على السلوك الاسرائيلي؟، وكذلك كيف ستتعامل جبهات المساندة مع هذا الاجتياح، علما أن 330 مسيرة وصاروخ من إيران أوقفوا إسرائيل وحلفائها على رجل واحدة، فكيف إذا تم إطلاق مثل هذا العدد من كل ساحات المساندة، خصوصا أن لدى كل حركات المقاومة في المنطقة قناعة بأن القضاء على حماس يعني إنهاء القضية الفلسطينية؟!..