Beirut weather 16.88 ° C
تاريخ النشر December 15, 2025
A A A
نتنياهو يستثمر هجوم “بونداي” لتبرير الجرائم الاسرائيلية!..
الكاتب: غسان ريفي

كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”

لا يمكن إعتبار الهجوم الذي استهدف احتفالًا يهوديًا في منطقة بونداي في سيدني بأستراليا حدثًا معزولًا عن السياق الدولي المتفجر منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة. ورغم الإدانة الواضحة لأي اعتداء على مدنيين، فإن قراءة هذا الحدث تفرض التوقف عند الخلفيات السياسية التي تغذّي مثل هذه التصرفات، كما عند محاولات استثمارها سياسيًا، خصوصًا من قبل حكومة بنيامين نتنياهو.

كل الإدانات المشروعة والمطلوبة لهذا الحادث، لا تعني تعطيل التحليل والبحث عن الأسباب والدوافع، كما أنها لا تبرر القفز فوق المشهد الأوسع التي يتشكل منذ أشهر على وقع المجازر اليومية في غزة والحصار الخانق والتدمير المنهجي للحياة المدنية الفلسطينية.

سارعت حكومة نتنياهو إلى توظيف الهجوم ضمن خطابها التقليدي القائم على تصوير اليهود في كل مكان، كضحايا دائمين لتهديد عالمي. هذا الخطاب، الذي يلقى آذانًا صاغية في بعض العواصم الغربية، يقوم على خلط مقصود بين معاداة السامية كعنصرية مرفوضة، وبين أي نقد لسياسات دولة إسرائيل أو إدانة جرائمها في غزة.

وفي هذا الإطار، حاول نتيناهو توظيف الحادث لتصفية حساباته مع الحكومة الأسترالية من خلال إنتقاد قيام أكبر تظاهرة في العالم على أرضها تضامنا مع غزة، ومن ثم موافقة أستراليا مع دول أخرى على إقامة دولة فلسطينية، وهو عمل على تبديل الوقائع، بالإشارة الى أن يهوديا دفعته غيرته الى مواجهة المعتدي، في حين أن تقارير الشرطة أكدت أن من واجه المعتدي وتصدى له وتعرض لإصابة هو رجل أسترالي ـ سوري، من مدينة إدلب، مسلم.

يبدو واضحا أن نتنياهو سيسعى الى إستثمار الحادث في الداخل الى أبعد الحدود، سواء في إسكات المعارضة عن تجاوزاته، أوفي تعطيل ملاحقاته القضائية، والتأكيد للمجتمع الاسرائيلي أن ما يقوم به من غزة الى سوريا مرورا بلبنان هو من أجل حماية إسرائيل، لكن هذا المنطق قد يواجه بتحميل نتنياهو مسؤولية ما يحصل مع اليهود على إمتداد العالم نتيجة إرتكاباته في غزة والتي غيرت نظرة الرأي العام العالمي تجاه إسرائيل، وصولا الى ملاحقة الصهاينة في بعض الدول ووصفهم بالإرهاب، وتأكيد بعض الحكومات على توقيف نتنياهو في حال وصل الى أراضيها.

وهذا يعني أن إسرائيل التي تمارس القتل الجماعي والحصار على غزة وتواصل إعتداءاتها على لبنان وسوريا لا يمكن تقديم نفسها كضحية، ولا يمكن إستخدام أي إعتداء على اليهود حول العالم كدرع سياسي لتبرير جرائم الدولة.

لا شك في أن التجارب التاريخية، تُظهر أن العنف المنهجي الذي تمارسه الدول لا يبقى محصورًا داخل حدود الصراع، وما جرى ويجري في غزة يُنتج غضبًا عالميًا، وشعورًا عميقًا بالظلم، قد يتخذ أشكالًا منحرفة ومدانة في أماكن بعيدة، كما في سيدني أو غيرها، وهذا الربط لا يهدف الى تبرير أي إعتداء خارج فلسطين، بل الى التذكير بأن إرهاب الدولة يولد عنفا متفلتا لا حدود له وقد يطال أبرياء، كما أن معالجته لا تكون أمنيا فقط بل سياسيا وأخلاقيا.

في غضون ذلك، تبدو الدول الغربية أمام تناقض كبير، كونها تدين أي عنف ضد اليهود أو غيرهم، وتتحصن بالصمت حيال حرب الإبادة على غزة، وهذه الإزدواجية التي يلحظها الرأي العام العربي بوضوح، تقوّض الخطاب الغربي حول حقوق الإنسان وتُظهر أن القانون الدولي يُطبق بإنتقائية.

قد لا يختلف إثنان على إدانة وشجب ما حصل في بونداي ـ سيدني، لكن أن تسارع حكومة نتنياهو لتحويله الى أداة سياسية ومادة لتحقيق المكاسب والمصالح، فهذا يندرج ضمن إستراتيجية صهيونية تهدف الى قلب الأدوار والتغطية على جرائم الكيان الغاصب الذي يعتمد إستثمار الضحايا، بدل أن يعمل أو أن يُجبر على وقف عدوانه وإنهاء إحتلاله وإعادة الإعتبار للعدالة كشرط وحيد للأمن.