كتب حسين زلغوط في “اللواء”
يُفترض أن تنطلق الجلسات الفنية على مستوى الخبراء بين الجانبين الأميركي والإيراني في سلطنة عمان، بناء على ما تم الإتفاق عليه في الجولة الثانية من المفاوضات التي عقدت في روما، حيث وصلت هذه المفاوضات الى مرحلة مهمة من التقدّم، وهو ما حذا بالمفاوضين: الأميركي والإيراني، الى التلاقي على تفعيل المسار الفني عبر اجتماعات خبراء، على أن تتواصل المحادثات في جولة ثالثة بالعاصمة العُمانية مسقط، في أيام قليلة قادمة.
وفي المفهوم السياسي لو لم تحقق المفاوضات التي استغرقت أربع ساعات تقريباً في روما بين وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي ومبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، من خلال وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي الذي يتولى نقل الرسائل بين الجانبين، لما تم تكليف لجنة فنية مشتركة للاجتماع ومناقشة التفاصيل ووضع إطار للتوافق، قبل الانتقال إلى المرحلة الثالثة من المحادثات التي تهدف إلى التوصل إلى اتفاق عادل ودائم وملزم لعدة سنوات.
ومما لا شك فيه أن هذه المحادثات تشكّل محطة تاريخيةً في سياق العداء المستمر بين واشنطن وطهران منذ ثورة 1979، وأزمة رهائن السفارة الأميركية، مرورا بانسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي الذي كان تم التوصل إليه في العام 2015، خلال تولّي باراك أوباما منصب الرئاسة آنذاك، إذ انه في حال وصلت هذه المفاوضات التي يتوقع أن لا تكون طويلة الى خواتيمها السعيدة، فإن الكثير من الملفات الساخنة في المنطقة ستبرد، وسيغيب شبح الحرب الذي يطلّ برأسه يوميا من خلال التهديدات الإسرائيلية المتكررة لضرب المفاعل النووي الإيراني، من دون إعطاء أي أهمية للآثار المدمرة التي ستلحق بالمنطقة برمّتها جراء مثل هكذا عمل متهوّر.
ويكاد لا يمرّ يوم واحد إلّا وتُعبّر فيه تل أبيب عن قلقها البالغ من إمكانية التوصل الى اتفاق تعتبره اسرائيل انه سيكون لصالح طهران التي ستنال مطالبها التسعة بحسب الإعلام الإسرائيلي. وهذه المطالب هي: «الجديّة، والضمانات الأميركية الملموسة، والتوازن، وتخفيف العقوبات، ورفض النموذج الليبي، ووقف التهديدات الأميركية، والتقدّم السريع، واحتواء الجهات الفاعلة المزعزعة للاستقرار مثل إسرائيل، وتسهيل الاستثمار الأجنبي».
إن تنفيذ واشنطن هذه الشروط الإيرانية بنظر الدولة العبرية، من شأنه أن يقّوي طهران في المنطقة أكثر مما كانت عليه في السنوات القليلة الماضية، وهو ما من شأنه أن يُقّوض المشروع التي تعمل عليه حكومة بنيامين نتنياهو في المنطقة، ولذا فان نتنياهو الذي يعيش وضعا أشبه بوضع «الثور المجروح» لن يترك فرصة إلّا وسيضع عصيه في دواليب أي اتفاق من هذا النوع، كونه لا يلحظ المصالح الإسرائيلية في الشرق الأوسط.
وتعبيراً عن الخوف الإسرائيلي من المفاوضات «النووية» رأت «قناة 14» الإسرائيلية إن «الاتفاق الجديد الجاري التفاوض عليه قد يكون أفضل للإيرانيين، من ذلك الذي وُقّع في عهد أوباما، على الرغم من تصريح ترامب بموقف صارم تجاه طهران». وهي تتوقع في حال تم توقيع الاتفاق الذي ربما يكون ملزما على مدى 30 عاماً، رفع العقوبات، وضخّ المليارات، وعودة النشاط لما تسميه أذرع إيران في المنطقة، وأن الاتفاق يُظهِر ملامح سياسة أوباما رغم نبرة ترامب، ويثير مخاوف أمنية لإسرائيل التي تبدو معزولة في المواجهة.
وفي هذا السياق لا تستبعد مصادر سياسية تواكب حركة المفاوضات أن تضغط إسرائيل على واشنطن لعدم توقيع اتفاق مع إيران، لكن لن يكون لهذه الضغوط الأثر الفعلي على الرغبة التي تبديها واشنطن في الوصول الى اتفاق مع طهران، وبلا شك ان الرئيس ترامب يعرف ما سيكون عليه الموقف الإسرائيلي من أي اتفاق مع إيران، وهو كان واضحا الى أبعد الحدود خلال لقائه الأخير مع نتنياهو حيث وضعه في احتواء هذا الاتفاق ورفض في المقابل الأخذ بملاحظاته التي تصب في خانة منع هذا الإتفاق، وبالتالي استدراج واشنطن للمشاركة في ضرب إيران، أو على الأقل أخذ موافقتها في حال تولّت إسرائيل وحدها الذهاب بهذا الخيار.