Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر August 11, 2016
A A A
ناغازاكي والاستماع إلى روايات هيباكوشا
الكاتب: عامر راشد - سبوتنيك

إحياء الذكرى الحادية والسبعين لمأساة ناغازاكي يحمل في طياته عبرة لليابانيين ولكل شعوب العالم، وحافزاً لوحدة البشرية من أجل عدم تكرار المأساة.

أحيا اليابانيون ذكرى ضحايا الهجوم النووي الأميركي على مدينة ناغازاكي عام 1945، بالوقوف دقيقة صمت على أرواح 74 ألف مدني قضوا في الهجوم، وحث جيل الشباب على الاستماع إلى روايات الناجين منها (هيباكوشا)، وانتقاد سياسات الحكومة اليابانية الحالية، برئاسة رئيس الوزراء شينزو آبي، الرامية إلى زيادة الإنفاق العسكري وتوثيق العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة.

رئيس بلدية ناغازاكي، توموهيسا تاوي، تحدث باسم أبناء وأحفاد الضحايا، وطالب الحكومة اليابانية بالتراجع عن توجهاتها نحو زيادة صلاحيات الجيش، والتوقف عن الازدواجية في الموقف من الأسلحة النووية، متهماً إياها بأنها “تنادي بإزالة الأسلحة النووية، وتدعم في الوقت ذاته الردع النووي” في إشارة إلى دعمها للاستراتيجيات النووية الأميركية. فرغم تجديد شينزو آبي تعهده بعدم امتلاك بلاده لأسلحة نووية، تعمل حكومته على إقرار مجموعة من مشاريع قوانين تنقض ما تعهد به، من خلال السعي لإحداث تحول كبير في السياسات الدفاعية اليابانية.

الحكومة اليابانية كانت قد أجازت في العام الماضي قراراً يعيد تفسير الدستور السلمي لليابان، الذي أعد مسودته الأميركيون بعد الحرب العالمية الثانية، ويقض التفسير الجديد بأنه من المسموح للحكومة “ممارسة حق الدفاع عن النفس بشكل جماعي أو الدفاع عن حليف يتعرض لهجوم”، أي السماح بمشاركة الجيش الياباني في نزاعات خارجية، وأثار مشروع قانون للأمن طرحته الحكومة اليابانية مؤخراً على البرلمان جدلاً واسعاً في الداخل، إذ لا يستبعد هذا المشروع “نقل الجيش الياباني أسلحة نووية لقوات أجنبية”، والمقصود هنا بالتحديد أسلحة نووية للولايات المتحدة الأميركية، ومما لا شك فيه أن صيغة مشروع القانون مبهمة وحمالة للأوجه وتثير التباساً يتعارض مع تعهد اليابان بعدم امتلاك أسلحة نووية ومنع انتشارها.

كما يتناقض مشروع القانون هذا مع المبادئ الثلاثة غير النووية التي أقرت في اليابان عام 1967، وهي “عدم تطوير وإنتاج أسلحة نووية، عدم حيازتها، وعدم إدخال سلاح نووي إلى البلاد، وإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب شرقي آسيا”. ويضرب عرض الحائط بالعظة المستمدة من الاستماع إلى روايات هيباكوشا، التي مفادها عدم السماح بتكرار مأساة هيروشيما وناغازاكي، بالأفعال لا بالأقوال، فتجديد رئيس الوزراء الياباني لتعهداته إزاء الأسلحة النووية لا تعكس حقيقة سياسات حكومته في هذا الشأن، ولا تخفف من مخاوف الشعب الياباني في الذكرى الحادية والسبعين للجريمة الأميركية المروعة في ناغازاكي.

ومن حق رئيس بلدية ناغازاكي القول: “نشعر بالقلق لأن الوعد الذي قطعناه قبل سبعين عاماً، ومبدأ السلام في الدستور، يبدو معرضاً للخطر”، فالسياسية الدفاعية اليابانية في عهد حكومة شينزو آبي تنحرف عن المبادئ التقليدية للسياسة الدفاعية اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية. ولذلك على كل محبي السلام في العالم أن يضموا صوتهم إلى جانب صوت رئيس بلدية ناغازاكي الذي قال في كلمة ألقاها بالمناسبة: “أوجه نداء للشبان: أصغوا لما يقوله القدامى، وفكروا بما تستطيعون فعله أنتم من أجل السلام”، وبالطبع الدعوة لا تقتصر على الشبان اليابانيين بل كل شبان العالم،  وكل أبناء البشرية المحبين للسلم والساعين نحو مستقبل مشرق للإنسانية.

على سبيل التوكيد بهذه المناسبة، إن احترام أرواح ضحايا ناغازاكي وهيروشيما، والحيلولة دون تكرار هذه المأساة، يملي على البشرية جمعاء الاستماع جيداً إلى روايات الناجين من المأساة، وروايات أبنائهم وأحفادهم عن العذابات التي حاقت بهم، والأخذ بنداءاتهم الداعية إلى تخليص البشرية من أسلحة الدمار الشامل، ومن نافلة القول، ثمة مسؤولية خاصة تقع على عاتق اليابان، بأن تكون في مقدمة صفوف الساعين، بكل طاقة ممكنة، من أجل منع امتلاك أو إنتاج أو تطوير أسلحة نووية أو انتشارها.