كتب ناصر قنديل في “البناء”
– من حقنا أن نسأل كل السلطة والقيّمين عليها وكل الوسط السياسي اللبناني، هل لدى لبنان مشكلة حقيقيّة مع «إسرائيل»، وحقوق يستولي عليها الاحتلال، وقضايا عالقة تحتاج إلى حسم وتنتظر منذ نشوء الكيان، أم أن كل المشكلة هي بسلاح المقاومة، وطمأنة «إسرائيل» إلى أن لا خطر عليها مصدره لبنان فيختفي كل شيء دفعة واحدة من احتلال وعدوان؟ وإذا كان ما يقوله المعنيون علناً هو ما يؤمنون به من أن لبنان معتدًى عليه ومحتلة أرضه، فهل لديهم وصفة لاستعادة الحقوق ووقف الاعتداءات، غير انتظار بركات الرضا الأميركي المشكوك جداً بان ينتصر لأي من حقوق لبنان مع «إسرائيل»، هذا إذا سلمنا بمشروعية مطالبة السلطة في لبنان بحصرية السلاح دون أن تتحمل مسؤولية حماية لبنان من الاعتداءات، ودون أن تبذل جهداً لفعل ذلك، كالسعي لامتلاك شبكة دفاع جوي يمكن أن يزعج وجودها خاطر المفوّضة السامية الأميركية وسفارة عوكر، ودون أن يجري تجهيز الجيش اللبناني بقرار الردّ وبما يسمح له بالحد الأدنى اللازم للردّ على الاعتداءات الجارية كل يوم في الجنوب على الخط الحدوديّ، وهو نوع من الرد لم يمتنع عنه الجيش اللبناني في أيام كانت توصف الدولة بالصنيعة التابعة للغرب. وقد سبق أن خاض الجيش مواجهة بطولية مع جيش الاحتلال يومي 16و17 أيلول عام 1972 وبقرار من قيادته وضباطه الكبار وسجل خلالها الجيش ملاحم وإنجازات انتهت بتدمير 33 آلية لجيش الاحتلال، وسقط للجيش سبعة شهداء منهم المعاون إسماعيل أحمد الذي أصاب سبع دبابات إسرائيلية قبل أن تدمّر دبابته بقنابل النابالم ويستشهد، كما وثق المعركة العميد جوزف روكز الذي كان قائد كتيبة دبابات في القطاع الأوسط خلال هذه المعركة ونشرتها مجلة الجيش اللبناني.
– من حيث المبدأ حق الدولة بحصريّة السلاح مشروط بقيامها بواجب، هو الدفاع بوجه العدوان والقتال لتحرير الأرض، دولة تدافع وتحرّر، وتخوض الحرب، كما قال خطاب القَسَم وأكد البيان الوزاري، وإلا سقط الحق ونشأ مكانه وفقاً للمواثيق الدولية حق الشعب في حمل السلاح وقتال المحتل، وهذا ما حدث عام 1982 وما قد يحدث في أي وقت وفي أي بلد، وإذا كانت السلطة مخلصة لفكرة استراتيجية دفاع وطنيّ، فإن أول بنودها هو امتلاك لبنان شبكة دفاع جويّ، لا نرى ولا نسمع أن أحداً مهتماً بها، بينما نسمع ونرى آمالاً كباراً على جهد دبلوماسي أميركي يتحول إلى عبء على لبنان بوقاحته في استبدال الأولويات، وبدلاً من الإخلاص لما تم الاتفاق عليه من أولوية إنهاء الاحتلال ووقف العدوان بعدما صار جنوب الليطاني خالياً من أي سلاح إلا سلاح الجيش اللبناني واليونيفيل، يفتح رعاة الاتفاق وخلافاً لمضمونه وواجباتهم في تطبيقه وضمان الالتزام الإسرائيلي ببنوده، أولوية أخرى هي نزع سلاح المقاومة، وما دامت السلطة لا تريد البحث في الاستراتيجية الدفاعية بغير الطرق الدبلوماسية كما يبدو من السلوك الراهن، فهل تمتلك السلطة خريطة طريق دبلوماسية توظف فيها السلاح، بدلاً من قبول الدعوة لنزعه مجاناً، فقط كي ترتاح «إسرائيل» من إزعاجه وقلقها من وجوده؟
– سلاح المقاومة قوة دبلوماسية للدولة، فلماذا التفريط به مجاناً، ودخول بازار لا يستفيد منه إلا الاحتلال، تحت عنوان متى ينزع السلاح، وكيف، وبدلاً من أن تبقى السلطة تحت ضغط دبلوماسيّ تحت هذا العنوان لماذا لا تكون لديها مبادرة دبلوماسية عكسية، تضع في كفة حقوق ومصالح لبنان، وفي كفة موازية مسار حصريّة السلاح، فتقول إنه مقابل وقف الانتهاكات الجوية والبحرية تقوم حصرية استخدام السلاح بيد الدولة، فتلتزم المقاومة بأنّها لن تقوم بأي عمل دون تنسيق مع الجيش اللبناني، صاحب الحق الحصريّ باستخدام السلاح، تمهيداً ليكون صاحب الحق الحصريّ بحمل السلاح، ومقابل الانسحاب من جنوب الليطاني لسلاح المقاومة يستكمل الانسحاب الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق، ومقابل الانسحاب إلى ما وراء خط الهدنة، ينسحب سلاح المقاومة إلى ما وراء الأولي، ومقابل الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ينسحب سلاح المقاومة إلى البقاع الشمالي، ومقابل حل موثوق لقضيّة اللاجئين الفلسطينيين، مثل قرار صادر عن مجلس الأمن وفقاً للفصل السابع لتطبيق القرار 194 لحق عودة اللاجئين، توضع خطة تنفيذية تسير بالتوازي والتزامن مع عودة اللاجئين، لدمج سلاح المقاومة بالجيش، ووفقاً لهذه الاستراتيجية تتم الدعوة للحوار الوطني ثم تُعرض على القمة العربية ثم على الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن طلباً لقرار يؤيّدها، وإلا فلتضع السلطة استراتيجية دفاع تبدأ بشبكة دفاع جوي واعتماد التجنيد الإلزامي وتضع مقابل مراحل تنفيذها خطوات متزامنة حول سلاح المقاومة؟