Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر September 26, 2025
A A A
مَن الذي يلعب بالنار؟
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

كان يمكن لأمس أن يكون يوماً عادياً للبنانيين، شهد إحياء مناسبة عزيزة على قلوب شرائح واسعة من اللبنانيين تُعدّ بمئات الآلاف إن لم يكن بضعة ملايين تزيد عن نصف اللبنانيين، يعتبرون خسارة السيد حسن نصرالله حدثاً جللاً في حياتهم، وخرجوا يقيمون الإحياء بطريقة متمدّنة وحضارية تتمثل بالتجمع في كورنيش البحر قبالة صخرة الروشة التي ترمز للبنان، ويضيئون عليها بالليزر صور أحبائهم، كما تمّ في بعض أعراس الأثرياء في فنادق قريبة من الصخرة، من دون الحاجة للحصول على إذن، لكن الذي حدث هو أن رئيس الحكومة قرّر أن يقوم بالتحرّش بالمناسبة من خلال تعميم أصدره قبل يومين من الإحياء وبعد الإعلان عن الترتيبات وتعميمها، واتباع الإجراءات المعمول بها قبل تعميم رئيس الحكومة الكيديّ، متعمداً تحويل الأمر إلى مكاسرة عملاً بنصائح بعض النواب الهواة عديمي الخبرة السياسيّة، الذين نصحوه بأنها مناسبة يقول عبرها إنه قادر على فرض إرادته على حزب الله بمنعه من الاحتفال كما يرغب، وهذا دليل على أنه قادر على نزع سلاحه، كما خرج يقول مؤيّدوه يومها، وهم الذين أصابتهم الهستيريا بعد إضاءة الصخرة بصور السيدين الشهيدين ومعهما صور الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري والرئيس الشهيد رفيق الحريري، وراحوا يكيلون الاتهامات لحزب الله بتعريض السلم الأهلي للخطر.

سلوك رئيس الحكومة بعد إصدار التعميم وبعد الإحياء، قام على محاولة توريط المؤسسات العسكرية والأمنية بالتصادم مع عشرات آلاف اللبنانيين المشاركين في الإحياء، والذين يعلمون بخبرتهم أن حزب الله اتبع الخطوات المطلوبة لتنظيم الإحياء، وأن تعميم رئيس الحكومة افتعال أزمة بلا مبرّر، وأن مطالبته القوى الأمنية والعسكرية بتنفيذ قراره، الذي فرض بموجبه على مكتب محافظ مدينة بيروت إعادة النظر بالإجراءات وإصدار قرار جديد يقوم على الترخيص بدون إضاءة، والحديث عن عدم قيام المؤسسات العسكرية والأمنية بواجبها مجافاة للحقيقة، ونستطيع أن نجد عشرات المواقف لمؤيدي سلام وسلام نفسه، وهم يمتدحون امتناع الجيش والمؤسسات الأمنية عن التصادم مع آلاف المواطنين الذين خرجوا في مناسبة 14 آذار، أو خلال أحداث تشرين 2019، بعكس توجيهات حكوميّة، واعتبروا أن الجيش مؤتمن على حماية السلم الأهلي ما يتعدّى معنويات رئيس جمهورية أو عنتريات رئيس حكومة، ويومها لم يكن الأمر احتفالاً عابراً لمناسبة ظرفية وبطريقة لا تؤذي الأمن ولا هيبة الدولة، بل كان تحدياً لمؤسسات الدولة ورموزها وهتافاً بالدعوة لإسقاطهم.

رئيس الحكومة منصب دستوريّ لخدمة كل اللبنانيين، والرئيس نواف سلام يعلم أنه لم يصل إلى رئاسة الحكومة كزعيم كتلة نيابيّة تشكلت حولها أغلبية أوصلته إلى رئاسة الحكومة، حتى يتحدث عن خط سياسي تمّ انتخابه على أساسه بتفويض شعبيّ لترجمته، وهو يعلم أنه جيء به كممثل للتكنوقراط هو وحكومته من أجل إدارة مؤقتة بانتظار الانتخابات النيابيّة التي سوف تقول الكلمة الفصل في التوازنات السياسيّة التي ترسو عليها البلاد بعد الحرب الإسرائيلية المستمرة بين نهجين، واحد يمثله الرئيس سلام وحلفاؤه ويقول بترك الاحتلال قدراً والاعتداءات خبراً يومياً والمضي بنزع سلاح المقاومة وتكليف الجيش بذلك ولو نشبت حرب أهلية وتشقق الجيش، وفق مشروع ليندسي غراهام الذي طلب من “إسرائيل” استخدام السلاح النووي ضد غزة وإبادة أهلها لإنهاء الحرب، ونهج مقابل يقول إن لبنان جيشاً ومقاومة نفّذ ما عليه في اتفاق وقف إطلاق النار وإن الخطوة المطلوبة الآن هي وقف الاعتداءات الإسرائيلية وانسحاب الاحتلال قبل البحث بمصير سلاح المقاومة، وإنه عندما يتحقق ذلك فإن البحث يجري حول طاولة حوار لوضع استراتيجية دفاعية عن لبنان نصّ عليها خطاب القسم والبيان الوزاري اللذين تخالفهما توجّهات رئيس الحكومة كما عبر عنها في جلسة 5 آب قبل أن يتراجع في جلسة 5 أيلول، ولا يحقّ لرئيس الحكومة توظيف موقعه الدستوريّ لخدمة أهداف سياسية فئوية وانتقامية من خصومه دون أن يتهم بسوء استخدام السلطة، لأن واجبه يقتضي النزاهة في ممارسة المسؤولية بإدارة متوازنة بين أصحاب النهجين حتى تحسم الانتخابات اتجاه مجلس النواب المقبل وتسمية رئيس حكومة وتشكيل حكومة.

ما صدر عن رئيس الحكومة بعد إحياء ذكرى الاستشهاد في منطقة الروشة، مبالغة في المضي بالنهج التصعيديّ بلا مبرر، وإصرار على توريط أجهزة الدولة في الكيد، ويعلم رئيس الحكومة أن لا مفعول رجعياً للقوانين فكيف لقرارات رئيس حكومة، وأن ما كان معمولاً به قبل قراره أو تعميمه، هو الذي يسري على مناسبة تمّ تحديد جدول أعمال إحيائها وفقاً للإجراءات السابقة على تعميمه، الذي يمكن أخذ العلم بوجوده لمناسبات لاحقة على صدوره، والأمر يحتاج إلى سعة صدر يفترض بالمسؤول أن يتمتع بها، وقدرة على التقبّل والاحتواء ومرونة في ممارسة السلطة، خصوصاً أن العناد يورّط صاحبه والكيد يُخرجه عن صوابه، والغضب موجّه سيئ في السياسة.