Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر May 6, 2018
A A A
“مين جرّب المجرّب كان عقله مخرّب”
الكاتب: غسان حجار - النهار

أرسل لي صديق عبر الهاتف صورة لمدينة عصرية تسبق نيويورك بناطحات السحاب والجسور المعلقة ووسائل النقل الحديثة. وكتب لها تعليقاً “هكذا سيكون بقاعنا الحبيب اذا وفى النواب بوعودهم بعد الانتخابات”. وارفق الصورة بابتسامة عريضة تنم عن استهزاء بالوعود التي لم يتحقق منها شيء على مدى نصف قرن. واشكره لأنه لم يرسل صورة حديثة عن واقعنا المرير للتلوّث في مجرى الليطاني وبحيرة القرعون واسماكها الميتة والتي تطفو على وجه الماء، ولمرضى السرطان الذين تتضاعف اعدادهم من جراء التلوّث في الهواء وفي المياه الجوفية، ولأحوال الطرق، وللأوتوستراد العربي الذي كان والدي يتحدث عنه قبل وفاته. وحسناً انه لم يذكرني بواقع المزارعين الذين يرمون محاصيلهم في الطرق، وبواقع صناعة الجلود التي انقرضت منذ زمن لغياب الدعم المستمر على محاصيل وصناعات في مناطق اخرى.

لست في وارد ادانة النواب، او عدد منهم، وخصوصاً من تولى منهم مسؤولية وزارية، لأن ظروف البلد قد لا تساعد كثيرين، خصوصاً اذا انتموا الى كتل نيابية غير فاعلة. لكن الحقيقة ان نوابنا كان يجب ان يكونوا اكثر فاعلية، ومن حقنا، كما من حق كل مواطن السؤال، سؤال النواب، ومسؤولي الاحزاب الكبيرة، عن انجازاتهم، سواء التشريعية او الخدماتية.

غداً، سيتوجه اللبنانيون الى صناديق الاقتراع، وعليهم ان يحسنوا الاختيار. اسماء كثيرة برّاقة خبروها منذ زمن بعيد. لم تقدم سوى الوعود التي لم ينفذ منها شيء. آخرون عرضوا خريطة طريق تقود الى لبنان افضل، لكنها ظلت حبراً على ورق، واحيانا دفعتنا الى الهاوية. بعضهم اخذنا بجريرته الى حروب اكثرها عبثي. العديد منهم باع وطنه لمصلحة عدو ووصي، وفاخر بعمالته الوضيعة، كثيرون سرقوا ونهبوا المال العام واصبحوا اثرياء من دون ان يرف لهم ولنا جفن. كانوا واثقين بالقطيع الذي لا يثور والذي يباع بالرخيص. وكنا مهللين لحفنة خدمات صغيرة، وبعض الدولارات وقسائم البنزين وبطاقات تعبئة الهواتف الخليوية وغيرها.

اليوم، امام الكمّ الهائل من الانتقاد والرفض، لا بدّ مما يشبه الثورة غير العنفية، وبعض المساءلة والمحاسبة. السؤال حق وليس وقاحة. فكيف لا يسأل نائب استمر في ولايته تسع سنوات، ولم يحقق شيئاً لناسه واهله والذين منحوه ثقة اهلته لدخول ساحة النجمة؟ وكيف يمكن لمن سبقوه في ولايات بدأت في مطلع التسعينات من القرن الماضي واستمرت الى العام 2005، ان يقولوا اليوم انهم لم يكونوا جزءاً من السلطة؟ الم يشكلوا آنذاك جزءاً من تلك السلطة المستمرة بوجوه متبدلة وبالسياسات نفسها؟ وماذا سيأمل اللبنانيون من الذين ابتزوهم في انتخابات سابقة، وبدل أن يقدموا لهم خدمات عامة مفيدة وزعوا عليهم رخص السلاح لكي يتقاتلوا في ما بينهم؟

يقول المثل الشعبي اللبناني “مين جرّب مجرّب كان عقله مخرّب”، فهل يثبت الاستحقاق صحة هذا القول، ام ينبئ بأن اللبنانيين تعلموا من ماضيهم وتقدموا خطوة الى الامام؟. غداً لناظره قريب.