Beirut weather 25.34 ° C
تاريخ النشر March 15, 2023
A A A
ميقاتي تبارك في بكركي قبل زيارة الفاتيكان: هل حصل على غطاء لجلسات الحكومة؟
الكاتب: عباس صباغ - النهار

 

قبل مغادرته الى الفاتيكان، يمَّم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وجهه شطر بكركي حاصلاً على مباركتها ولوضع حدّ لما يثار عن ازدياد الشرخ بين السرايا والبطريركية على خلفية ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية. فهل حصل فعلاً على مباركتها؟

لم تخلُ عظة للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من دون توجيه انتقادات الى الطبقة السياسية، والحكومة من ضمنها، على خلفية استمرار التأزم في البلاد وتفاقم الاعباء على كاهل معظم اللبنانيين، وايضاً لممارسة الحكومة صلاحيات الرئاسة الأولى.
وسبق للبطريرك الراعي ان ناشد الحكومة “التأني باستعمال الصلاحيات حرصاً على الوحدة الوطنية”، وكان ذلك بعد الجلسة الاولى للحكومة التي عقدت في 5 كانون الاول الفائت، وآنذاك دعا ميقاتي الى التشاور مع الوزراء قبل عقد أي جلسة. ولاحقاً تم الاتفاق على تأليف لجنة من وزراء كانوا قضاة لدرس النقاط الملحّة قبل عقد الجلسات الحكومية، لكن تلك التجربة لم تعمّر كثيراً.

الخلاف على الصلاحيات وممارستها
منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون بدأ الجدل بشأن ممارسة حكومة تصريف الاعمال صلاحيات رئيس الجمهورية، ورغم الخلافات بين الدستوريين والقانونيين على تفسير نص المادة 62 وما اذا كانت تنطبق على حكومة مستقيلة، إلا ان ميقاتي ولاسباب عدة عقد حتى تاريخه 4 جلسات لحكومته.

تلك الجلسات استجلبت انتقادات حادة من خصمه الدائم، أي “التيار الوطني الحر”، وكذلك عدم ترحيب من قوى مسيحية اخرى وإنْ كانت ليست بالحدّة ذاتها التي كان يعبّر عنها “التيار البرتقالي”.

في موازاة ذلك، كان الاعتقاد ان الغطاء المسيحي قد سُحب بشكل كامل عن ميقاتي لاختصاره صلاحيات الرئاسة بشخصه ولأنه قفز فوق تجربة سلفه الرئيس تمام سلام في طريقة توقيع مراسيم الحكومة.

بَيد ان زيارة ميقاتي لبكركي قبل ساعات من توجهه الى حاضرة الفاتيكان تحمل الكثير من الأبعاد، بحسب متابعين لطبيعة العلاقة التي تربط رئيس الحكومة بالصرح البطريركي، وتأتي لتأكيد حرص الأول على الحفاظ على العلاقة الاساسية مع البطريرك وضرورة استدامتها، وان مفتاح تعاطيه مع المسيحيين يبدأ من بكركي، وإن كانت علاقته بأطراف اخرى لا تزال طيبة لكنها غير معلنة، والمقصود هنا علاقته بحزب “القوات اللبنانية”.

ثم إن زيارة بكركي أتت في لحظة تأزم غير مسبوقة مع “التيار الوطني” الى حد استعارة ميقاتي توصيف “الهستيريا السياسية” من الراعي للدلالة على الشرخ الكبير بين السرايا وميرنا الشالوحي. وهدفُ رئيس الحكومة بالتأكيد الحصول على غطاء، وإن غير مباشر، من أعلى مرجعية مسيحية لجلسات حكومته التي ستستمر طالما استمر الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، وأن معارضة البطريرك لاجتماعات الحكومة ليست بالمطلق، او على الاقل يتفهم سيد بكركي تلك الجلسات، ومن هنا يتأمن ما يشبه الغطاء للحكومة.

إلا ان التوقيت يبقى على ساعة الاستحقاق الرئاسي والدعم الذي يحمله ميقاتي للمرشح سليمان فرنجيه.

لا شك في ان علاقة رؤساء الحكومات بالصرح البطريركي لم تكن يوماً متوترة ولم تعرف الجفاء، ومن هنا يحرص ميقاتي على العلاقة الجيدة مع بكركي وصولاً الى الفاتيكان، وكأن رئيس الحكومة يقول ان العلاقة الطبيعية مع المسيحيين تبدأ من بكركي ولا تنتهي في الفاتيكان، وبالتالي يقطع الطريق على كل المشككين بتلك العلاقة.

لكن أهم ما يحصل عليه ميقاتي من تلك العلاقة هو تأمين شرعية اجتماعات حكومته انطلاقاً من ضرورة استمرارية المرفق العام، وان الحكومة مسؤولة عن شؤون البلاد في ظل الفراغ، وبالتالي لن يتخلى عن تلك المسؤولية.

وفي الخلاصة، ينتهج ميقاتي منطق الواقعية في التعاطي السياسي على رغم اشتداد الحملات التي تستهدفه. في المقابل، يصر خصومه على انه يصادر صلاحيات الرئاسة وبات يستسهل ذلك متكئاً على غطاء من غير المسيحيين، وان جلسات الضرورة يمكن الاستعاضة عنها بقرارات او مراسيم لا تكرّس أعرافاً للمستقبل تنتقص مما تبقّى من صلاحيات الرئيس المسيحي الوحيد في هذا الشرق. ويُذكر انه سبق للراعي ان انتقد حكومة الرئيس تمام سلام عام 2014 عندما مارست صلاحيات رئيس الجمهورية، ووصف ذلك بـ”الانتهاك الخطير للميثاق”.