قبل انعقاد القمة الاقتصادية في بيروت، أسَرّ أحد النواب لزميل له: «بعد القمة ستتشكّل الحكومة». لم يأخذ النائب المستمع ما قاله زميله على محمل الجد، فردّ قائلاً: «كل الناس «عم تحكي وتحلّل»، وتقول هذا الشيء، إنه مجرّد تبصير وتكهنات».
فعقّب النائب «صاحب السر»، قائلاً: «انا لا أقول لك، لا تحليلاً ولا تكهنات، أنا أبلّغك معلومات موثوقة».
وتابع، وسط اندهاش زميله: «الخبر مؤكّد، لقد سمعته شخصياً من «فخامة الرئيس»، الذي أبلغني ذلك، وأكد لي بشكل واضح وصريح ان الأمور «رَح تمشي» بعد القمة، وقال بكثير من الاستياء إنه لم يعد قادراً على تحمّل هذا الوضع».
وكشف النائب نفسه انّ تعليمات رئاسية وُجِّهت الى كل الفريق المحيط برئيس الجمهورية المعني مباشرة بالملف الحكومي، بالعمل حثيثاً على إنهاء هذا الملف بسرعة. وقال لزميله: «أنا متأكد من كل كلمة أقولها، وفي أي حال راقِب حركة «جبران» بعد القمة».
وبالفعل انتهت القمة، وصحّ ما قاله النائب المذكور؛ تحرّكَ جبران باسيل سريعاً نحو بيت الوسط، قدّم «عرضاً ايجابياً» للرئيس المكلف سعد الحريري، الذي سارَع لنقل «بُشرى الحل» الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، مُعطياً لنفسه أسبوعاً لإنضاجه. لينتقل بعدها الى المشاورات الباريسية التي أنضجت ثلاثة ارباع الطبخة، ليعود ويستكمل إنضاج الربع الاخير، الذي توّج بإعلان الحكومة في السابعة والربع مساء يوم أمس.
المهم، تألّفت الحكومة وقضي الأمر، بعد 251 يوماً من الانتظار والمماطلة والتعطيل، وثمّة محطات كبرى ومنعطفات متعددة تنتظرها. ولكنها بالصورة التي خرجت فيها، يبدو انّ ميزان الربح والخسارة مالَ على عكس ما اشتهى «الطبّاخون»، الذين شَدّوا بدفة الميزان طيلة فترة التعطيل لتميل لمصلحتهم. فماذا أظهر هذا الميزان:
ولكن واقعياً، لم يربح هذا الفريق معركة «الثلث المعطّل»، وحصل فقط على 10 وزراء أي على ثلث الحكومة. على اعتبار انّ وزير «التشاوري» لا يحتسب من ضمن حصة الـ11، ذلك انّ المخرج الذي انتهى الى تمثيل «اللقاء»، جاء بصورة عكسية للمخرج الذي طرح بتوزير جواد عدرا، والذي قضى آنذاك بأن يدخل عدرا الى الحكومة على جسر اللقاء، ويعتبر عضواً اصيلاً مُشاركاً ومُصوّتاً مع فريق «لبنان القوي»، وهو ما سَوّق له الوزير باسيل، فيما المخرج الحالي قال بدخول ممثل «التشاوري» على جسره، ممثلاً حصرياً له في الحكومة، و«ضيفاً» في الحصة الرئاسية، وايضاً في اجتماعات تكتل «لبنان القوي»، وأمّا تصويته في مجلس الوزراء فيتم وفقاً لما يقرّره «اللقاء». وهذا ما سيتم التأكيد عليه في بيان سيصدره «اللقاء التشاوري»، بعد اجتماع قريب يعقده في حضور وزيره حسن مراد.
على انه ما بين الرابح والخاسر، هناك خاسران اساسيان، الأول هو البلد بشكل عام، الذي تعطّل وأصابه الشلل الفظيع طيلة أشهر التعطيل، ولحقت به أضرار تتطلب معالجتها ولملمة آثارها، ربما أكثر من ضعفي أو ثلاثة او أربعة أضعاف فترة التعطيل.
امّا الخاسر الثاني، فهو العهد الذي أصابته شظايا التعطيل في صميم معنوياته. وطال انتظاره لسنتين وشهر للوصول الى ما يسمّيها «حكومته». أمّا وقد تشكّلت الحكومة، فهل سيعلن رئيس الجمهورية أبوّته لها ويعتبرها «حكومة العهد»؟ بالتأكيد انّ الجواب في الآتي من الايام.