Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر October 4, 2022
A A A
موجة جديدة من ارتفاع الأسعار “ستُغرق” المواطنين بحجة تنفيذ الإصلاحات
الكاتب: خالد أبو شقرا - نداء الوطن

تداعيات تخفيض سعر صرف العملة الوطنية من 1500 ليرة إلى 15 ألفاً ما زالت تتوارد فصولاً. فالعذر الذي ساقته المالية في معرض التوضيح، بأن السعر الجديد المراد اعتماده سيكون بالتنسيق مع المصرف المركزي، أقبح من ذنب. أمّا محاولات التبريد بإشاعة أخبار عن أن التطبيق سيكون تدريجياً، مع محاولة إحتواء للتداعيات الاجتماعية، فلم تكن إلا كمن يصب «بنزين» المزيد من تخفيض القدرة الشرائية، على «كبريت» التضخم، وانتظار شرارة الانفجار الاجتماعي لحرق ما تبقى من أخضر الاقتصاد.

 

 

 

مجموعة من المخالفات القانونية، والأخطاء النقدية، وزيادة الأكلاف المعيشية سيحملها تخفيض سعر الصرف في حال تطبيقه بالصيغة التي خرج بها وزير المالية وأكد عليها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي.

قانونياً

من الناحية القانونية يرى المحامي أنطوان مرعب أنه «لا يوجد سعر صرف رسمي للعملة الوطنية، إنما سعر قانوني حددته المادة 229 من قانون النقد والتسليف. وما اختراع السعر 1515 واعتماده طوال العقدين المنصرمين كسعر رسمي، ويحق للمصرف المركزي تغييره ساعة يشاء، سوى خطأ شائع كرّسه الحاكم في العام 1997، بتغطية أو طلب من رئيس الحكومة آنذاك، عندما انصاع لثبيت سعر الصرف عند 1515 ليرة مقابل الدولار الواحد. ذلك أن تغيير سعر الصرف المحدد بقانون النقد والتسليف، والذي ينص صراحة على أن سعر الصرف القانوني للدولار الاميركي في لبنان يتحدّد وفقاً لسعر الصرف في السوق الحرة، يتطلب قانوناً يصدر عن مجلس النواب». فالمادة 229 من قانون النقد والتسليف الفقرة (1) تنص على أنه «يعتمد لليرة اللبنانية، بالنسبة للدولار الاميركي المحدد بـ 0,888681 غرام ذهب خالص، سعر قطع حقيقي اقرب ما يكون من سعر السوق الحرة يكون هو «السعر الانتقالي القانوني» لليرة اللبنانية. وعليه لا يحق لا للمالية ولا لـ»المركزي»، تعديل سعر الصرف او تغييره بأي شكل من الاشكال، والصلاحية تقع على عاتق المشرعين في البرلمان».

كذبت المنظومة طويلاً وصدقت كذبتها، و»عادت اليوم لتضع صلاحيات تغيير سعر الصرف، أو بالأحرى تثبيته على سعر أقل «في يد المسؤولين الاساسيين عن الانهيار، وهما وزارة المال وحاكم المصرف المركزي»، يقول مرعب. «الأمر الذي سيفاقم الامور سوءاً ويزيدها تعقيداً. فطالما الزمرة السياسية المالية والنقدية نفسها تمسك بالملفات الاقتصادية، فلن يتغير شيء. بل على العكس ستكون التداعيات كارثية على مختلف الاصعدة».

نقدياً

إعتبار السعر الجديد المراد استعماله «خطوة أساسية باتجاه توحيد سعر الصرف»، كان الخطأ الثاني الذي وقع فيه وزير المالية. فالسعر الجديد سينضم إلى تشكيلة الاسعار المعتمدة، وسيعقد الانتقال إلى السعر الواحد، خصوصاً أنه لا يلغي سعر 1515 القديم، الذي ستبقى الكثير من المعاملات المصرفية، سواء تلك التي تتعلق بالقروض الشخصية أو إعداد الميزانيات، تحتسب على أساسه. كما أن السعر الجديد الذي يشكل 38 في المئة من السعر المتداول في السوق الموازية، يتطلب استمرار تدخل مصرف لبنان مدافعاً عنه بمبالغ كبيرة تصل اليوم إلى 24 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد. الامر الذي سيؤدي إلى استمرار استنزاف التوظيفات الالزامية، وكافة العملات الاجنبية المتبقية في مصرف لبنان، وأهمها المتبقي من حقوق السحب الخاصة الموزعة من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.139 مليار دولار.

 

حياتياً

ما يهم المواطنين من كل هذه «المعمعة» النقدية والقانونية هو تأثير سعر الصرف الجديد على حياتهم اليومية. ولا سيما في ما يتعلق بتسديد الرسوم والضرائب، والقروض المصرفية، والاضافات على أسعار السلع والخدمات والمواد الاستهلاكية. فالمادة 229 من قانون النقد والتسليف تشترط أن تحتسب الضرائب والرسوم التي تستوفى عن المبالغ المحررة بالعملات الاجنبية على أساس «السعر الانتقالي القانوني»، وألا يؤدي تطبيق معدل التحويل الجديد الى أية زيادة على الضرائب والرسوم المستوفاة عن مبالغ محررة بالعملات الاجنبية. وعلى وزير المالية أن يحدد، بقرارات، الطرق الكفيلة بتأمين هذا المبدأ. كما أن العملات الاجنبية التي تستوفيها الدولة تدخل في المحاسبة بالسعر الانتقالي القانوني. وتعدل بالنسبة الى السعر الانتقالي القانوني نفقات الدولة الخارجية المحددة بالليرات اللبنانية، وتحول من الآن فصاعداً بسعر السوق الحرة.

وعليه فان كل الضرائب والمعاملات التجارية سواء كانت مع الخارج أو في الداخل، ستحتسب على أساس سعر الصرف الجديد. وهذا ينسحب أيضاً بحسب عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال على القروض التجارية المقومة بالدولار والتي تستوفى بحسب التعميم 568 بشيكات دولار «لولار»، أو على أساس سعر صرف 8000 ليرة. «حيث ستصبح تسدد على أساس 15 ألف ليرة. فيما ستبقى القروض الشخصية على أساس سعر صرف 1500 ليرة لغاية أجل لم يحدد بعد».

أما بخصوص الضرائب المقومة بالليرة اللبنانية، فهي سترتفع حكماً عندما يصبح سعر الصرف 15 ألف ليرة ومنها ضرائب التسجيل العقاري، الانتقال، الارث، القيمة التأجيرية، الرسوم البلدية والميكانيك… وغيرها. وذلك لان التخمين يعتمد على قيمتها بالدولار، وهي ستزداد بنفس زيادة التغيير الذي سيلحق بسعر الصرف الرسمي.

زيادة كبيرة في قيمة TVA

التعديل في سعر الصرف في حال حدوثه سيلحق بالضريبة على القيمة المضافة TVA ويرفعها أيضاً 10 أضعاف. فـ»احتساب الرسوم الجمركية على أساس 15 ألف ليرة بدلاً من 1500 ليرة، وإضافة كلفة الشحن ومصاريف أرضية المرفأ على الفاتورة على أساس 15 ألف ليرة للدولار، ستؤدي إلى زيادة كبيرة في قيمة الضريبة على القيمة المضافة»، بحسب رمال. فالقيمة النهائية الخاضعة لضريبة القيمة المضافة على الفاتورة ستضرب جميع مكوناتها بـ 15 ألف ليرة بدلاً من 1500 ليرة. وعليه ستصبح قيمة الضريبة على القيمة المضافة كبيرة جداً. وبحسب رمال فان «انخفاض متوسط كلفة الشحن، وتحديداً على البضائع المستوردة من الصين بمقدار النصف، خفض قليلاً كلفتها على الفاتورة النهائية الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة. وإلا فان الكلفة كانت لتكون أكبر بكثير».

معضلة حقيقية

التداعيات لتغيير سعر الصرف من 1500 ليرة إلى 15 ألف ليرة ستكون كبيرة ومرهقة على المواطنين والقطاعات الانتاجية التجارية والخدماتية. لكن في المقابل «يستحيل الابقاء على احتساب المعاملات على أساس السعر القديم»، بحسب رمال. لانه يضرب مداخيل الدولة ويؤدي إلى عدم توازن كبير بين الايرادات والنفقات. ويجعل الدولة عاجزة عن الانفاق على المرفق العام، سواء كان في المجال الصحي او التعليمي. وفي حال احجامها سيتكبّد المواطن أضعافاً مضاعفة لتأمين البدائل من جيبه الخاص». وعليه وقعنا في معضلة حقيقية يصعب بالخروج منها على طريقة رابح رباح. فالضرائب ستزداد بمقدار 10 أضعاف فيما الرواتب لم تزدد بالنسبة نفسها. فأجور القطاع العام ضربت بثلاثة، فيما عدل القطاع الخاص رواتب مستخدميه إنما بنسب بقيت أقل من نسب التضخم وزيادة الضرائب والرسوم».

في الوقت الذي كانت فيه أرقام الموازنة في سنوات ما قبل الازمة تقدر النفقات بحوالى 16 مليار دولار والواردات بـ 11 ملياراً أصحبت هذه الارقام لا تتعدى 1 مليار للنفقات و800 مليون دولار للواردات. أرقام إن دلّت على شيء فيه تدل على الانخفاض الهائل في الايرادات التي تسمح للدولة بالانفاق على المرافق الاساسية وعمليات التنمية»، يقول رمال، «وعلى الحرمان الكبير الذي يطال المواطن جراء التراجع الهائل في النفقات».