Beirut weather 24.65 ° C
تاريخ النشر September 26, 2025
A A A
مواقف برّاك ترفع منسوب القلق وتُعرقِل «حصرية السلاح»
الكاتب: غاصب المختار

كتب غاصب المختار في “اللواء”

يسود تخوّف لبناني رسمي وسياسي وشعبي من عدوان إسرائيلي جديد يستهدف العمق اللبناني، بعد تصريح الموفد الأميركي توم برّاك والذي اعتبره الكثيرون بمثابة غطاء أميركي لأي عدوان ومهما كان حجمه ونوعه. ومع انه منذ توقف الحرب وبعد التوصل الى اتفاق «وقف الأعمال العدائية»، حصلت ضربات جوية كبيرة وواسعة لمناطق البقاع الشمالي والأوسط والغربي وهي في عمق العمق اللبناني، لكن تصريح برّاك رفع مستوى التخوّف والتحسّب، لذلك ارتفع أيضا الحراك اللبناني الرسمي نحو دول العالم، لا سيما دول لجنة الإشراف الخماسية لمنع أي توسيع لنطاق العدوان بحيث قد يعود الى استهداف الضاحية الجنوبية وبعض أحياء العاصمة بيروت بحجّة وجود مراكز أو شخصيات تابعة لحزب الله فيها.
ولعلّ طوم برّاك نسف بكلامه الأخير كل «الإيجابيات» التي تحدث عنها خلال زيارتيه الأخيرتين الى بيروت، لكنه في حديثه الأخير أفصح عن مكنونات الموقف الأميركي بلهجة تهديدية واضحة وواثقة، ما زاد منسوب القلق اللبناني، علما ان كل شيء مرتقب من كيان الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يتورّع عن قصف الدوحة برغم العلاقة التي تربطه بقطر ودورها في الوساطة لوقف الحرب في غزة وتحرير الأسرى الإسرائيليين. وهو الآن بلسان كبار قادته يستمر في تهديد لبنان ويعلن رسميا رفض الانسحاب من النقاط المحتلة في الجنوب بل ويوسّع نقاط ومراكز احتلاله.
وتطرح احتمالات حصول عدوان إسرائيلي واسع على لبنان أسئلة عن كيفية تصرف الدولة اللبنانية ولجنة الإشراف على وقف الأعمال العدائية مع وصول رئيسها الأميركي الجديد، وكيفية تصرف «حزب الله»؟ وهل هو مستعد للردّ أو يمكن أن يكون قد قرر الردّ بضربات موضعية لمواقع الاحتلال ولو من باب توجيه رسالة للاحتلال بأن تمادي العدوان لم يعد أمراً مقبولاً؟
من جهة الدولة فقد تلقّى رئيس الجمهورية جوزاف عون في نيويورك من وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو – وبحضور برّاك نفسه – نوعاً من التطمينات بضمان استقرار لبنان، وعاد برّاك لتوضيح موقفه بقوله أمس «ان الولايات المتحدة تواصل دعم لبنان لبناء دولته وإيجاد السلام مع جيرانه ومواصلة سعيه لتنفيذ وقف اطلاق النار». لكنهما لم يقدّما أي ضمانات أو اجراءات لكيفية ترجمة هذا الدعم. مع ان رئيس الجمهورية تحدث صراحة عن وجود عوائق في إستكمال تطبيق هذا الإجراء وأبرزها استمرار إسرائيل باعتداءاتها.
لكن التقدير الدقيق لمدى استعداد الحزب لخوض معركة جديدة أمر متعذّر، لأن أحداً لا يعرف بالضبط ما هي امكاناته وما يخبئه، سواء جنوبي نهر الليطاني أو في شماله أو في مناطق أخرى، خاصة ان ما تنامى بالتسريبات يفيد ان الأميركي والإسرائيلي يريدان من الحزب تسليم سلاحه الثقيل الصاروخي الدقيق وغير الصاروخي من مُسيّرات وأسلحة أخرى مؤثرة ولا يريدان كل السلاح، ما يعني ان هناك معلومات عن قدرات معيّنة لدى الحزب يمكن أن تؤذي كيان الاحتلال لو استخدمت. لذلك يصرّ الأميركي والإسرائيلي على تسليم السلاح ولم يأخذا بالأسباب التي طرحتها الحكومة اللبنانية ولم يقتنعا بها والتي تطالب الاحتلال بخطوات لتنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار، وهو ما عبّر عنه برّاك صراحة.
ومع ذلك فإن الحزب كان حتى يوم أمس، وبرغم مجزرة بنت جبيل التي ذهب ضحيتها خمسة أشخاص بينهم عائلة كاملة، يعلن انه ما زال يراهن على الدولة وينتظر خطوات عملية منها ومن لجنة الإشراف لوقف التفلّت الإسرائيلي من مقتضيات الاتفاق.
وهنا تطرح الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة سؤالاً حول مصير خطة الحكومة لحصرية السلاح؟ لكن من الواضح ان خطة الحكومة تتعثّر لأكثر من سبب وآخر الأسباب كلام برّاك وتهديدات إسرائيل المستمرة للبنان واستمرار الاعتداءات وسقوط الشهداء والجرحى، وحتى استهداف مقرات اليونيفيل، عدا عن إعلان مسؤولين إسرائيليين مثل كاتس وبن غفير وحتى نتنياهو وبرّاك، بأن لا انسحاب من النقاط الخمس المحتلة، وقد أصبحت ثمانية، إضافة الى 30 موقعا عسكريا مستحدثا أقامها الاحتلال على طول الحدود مع لبنان من الناقورة غربا حتى مزارع شبعا شرقا وبعضها داخل الأراضي اللبنانية.
كل هذا يدفع الحزب الى التمسّك بسلاحه والإصرار على موقفه بعدم تسليمه قبل تحقيق خطوات إسرائيلية إسوة بما قام به لبنان بناء لإتفاق وقف اطلاق النار. أي الانسحاب من النقاط المحتلة وكل المواقع الأخرى وتحرير الأسرى ووقف الاعتداءات على قرى الجنوب وغيرها من مناطق. عدا ذلك لن يمرّ مشروع الحكومة بسهولة ويسر وقد لا يمرّ أبداً.