Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر July 6, 2023
A A A
موازنة 2023: الحكومة تخرج من الإنكار وتعترف بالانهيار
الكاتب: سابين عويس - النهار

في 19 حزيران الماضي، أقر المجلس النيابي في جلسة تشريعية عقدها، تحت عنوان تشريع الضرورة الذي يدفعه، وقد تحول الى هيئة ناخبة، الى الالتئام في صورة المشرّع، قانونين أساسيين يجيزان لحكومة تصريف الأعمال فتح اعتمادات في موازنة 2023 قبل تصديقها، وذلك كما صدر عن المجلس في محضر تلك الجلسة.

والأصح أن الاعتمادات فُتحت في موازنة لم تصدق، ولم تدرس حتى أو تعرض على الحكومة. والسبب أن حكومة تصريف الأعمال التي بدأت قبل أشهر الإعداد لمشروع الموازنة لم تتوصّل بعد الى إنجازها تمهيداً لتخصيص جلسات حكومية لعرضها ومناقشتها وإقرارها وإحالتها الى المجلس، علماً بأن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أعلن أمام النواب أن الحكومة ستنجز المشروع وترسله الى المجلس قبل نهاية حزيران الماضي!

لا بد من الإشارة في هذا السياق، عند الاستماع الى التزامات رئيس الحكومة حول موعد إحالة مشروع الموازنة الى المجلس، إلى أن موازنة ٢٠٢٢ أقرّت في البرلمان في أيلول الماضي، أي بعد مضي نحو سبعة أشهر من موعد إقرارها، تم خلالها الاتفاق من خارج الموازنة وفق القاعدة الاثني عشرية، وهو ما يحصل حالياً بسبب عدم إقرار موازنة السنة الجارية. يضاف الى ذلك أن إقرار قانون فتح اعتمادات جديدة جاء ليمنع انفجار أزمة حادة في وجه الحكومة والبرلمان على السواء، بعدما أعلنت وزارة المال عجزها عن تأمين دفع رواتب القطاع العام والمتقاعدين لشهر حزيران ما لم تتوافر الاعتمادات لذلك.

لا يمكن التغاضي عن الأسباب التي تقف وراء تأخر صدور الموازنة، وهما اثنان أساسيان، أولهما أن رئيس الحكومة المستقيلة يعجز عن تأمين النصاب لجلسات حكومته في ظل الشغور الرئاسي وموقف وزراء التيار الوطني الحر الرافض لتغطية جلسات حكومية في غياب رئيس الجمهورية. وهذا الواقع يدفع ميقاتي الى التروي في أي دعوة يعتزم توجيهها، ما لم يؤمن نصابها القانوني. والحال هذه تنطبق على أي جلسات مقبلة يمكن أن يدعو إليها من أجل عرض مشروع قانون موازنة السنة الحالية. ولعلّ هذا ما يبرّر الصنّارة التي رماها ميقاتي قبل أسبوع عندما تحدث عن اعتزامه الدعوة الى جلسات لمجلس الوزراء مخصصة للموازنة، من دون أن يحدّد المواعيد.

أما السبب الثاني الذي لا يقلّ أهمّية عن الأول، فيتصل بمشروع القانون في حد ذاته والتوجهات الاقتصادية والمالية التي سيعتمدها، ولا سيما في مسألة احتساب سعر صرف الليرة اللبنانية، وهذه كانت مشكلة أساسية واجهتها موازنة ٢٠٢٢.

في البيان الأخير لبعثة صندوق النقد الدولي بعد إنهاء مشاورات المادة الرابعة السنوية، توصية محدّدة للحكومة بضرورة اعتماد موازنة توحد سعر الصرف للأغراض الجمركية والضريبية لتحقيق التوأمة بين ضرائب معيّنة ومعدل التضخم، كما توفر التمويل اللازم للإنفاق العام الضروري والبدء بإصلاح القطاع العام. ثم جاء البيان الأخير للمجلس التنفيذي للصندوق ليؤكد هذا التوجه ويدعو الى ضبط المالية العامة على المدى المتوسط، مصحوباً بإعادة هيكلة الدين العام، داعين الى التعجيل في إقرار موازنة تتسم بالصدقية وتقوم على إجراءات لإدارة الضرائب والإيرادات لدعم الإنفاق الاجتماعي والإنمائي، وتعزيز الإيرادات.

والواقع كما تبيّنه الأرقام الصادرة عن الصندوق، يكشف مؤشرات مقلقة لا بدّ من أخذها في الاعتبار عند مناقشة الموازنة، بعدما بيّن تنفيذ موازنة ٢٠٢٢ تراجعاً كبيراً في الإيرادات مع اعتماد سعر موحّد للصرف بلغ ٢٠ ألف ليرة للدولار الواحد. فكيف ستكون الحال في الموازنة الجديدة إذا أقرّت سعر الصرف وفق منصّة صيرفة أي أربعة أضعاف ما هو عليه اليوم؟

تدرك الحكومة أن لا مفرّ أمامها من توحيد سعر الصرف، باعتبار أنه مطلب أساسي لصندوق النقد، ولكن وفق إلزامية اعتماده على الإيرادات كما على النفقات، أي بمعنى آخر، على الرواتب والأجور، الأمر الذي سيرتب زيادات هائلة سترتفع شهرياً بما لا يقل عن ٦٠ ألف مليار ليرة (من ٦ آلاف تقريباً الى ٤٦ ألفاً). وهذا سيقود الى مزيد من التضخم وتآكل العملة الوطنية، ذلك أن الهدف الأساسي من الموازنة يكمن في ضبط العجز، وفي ظل عجز الدولة عن اللجوء الى الاقتراض المحلي أو الخارجي، سيكون الحل الوحيد أمامها طبع العملة، إذا تعذر عليها – وهو ما سيحصل عملياً – زيادة إيراداتها.

تتكيّف دوائر وزارة المال على إنجاز مشروع الموازنة خلال أسبوعين، بناءً على توجيهات ميقاتي خلال الاجتماع الوزاري الذي ترأسه أمس، ودعا فيه الى تعجيل إنجاز المشروع لتخصيص جلسات لمجلس الوزراء لدرسه ومناقشته في مهلة أقصاها أسبوع.

بحسب وزير المال يوسف الخليل، فإن المشروع سيكون استكمالاً للإجراءات التصحيحية التي بدأت الوزارة تنفيذها بعد إقرار موازنة ٢٠٢٢، ويرمي الى تعزيز الإيرادات من أجل تأمين احتياجات القطاع العام من دون أن يشكل ذلك خطراً على الاستقرار المالي والنقدي.

إذن، فإن الأهداف الرسمية في مشروع موازنة ٢٠٢٣ باتت واضحة، وتتمثل بحتمية زيادة الإيرادات، بل من خلال الخطوات الأسهل، أي عبر زيادة العبء الضريبي. أما توحيد سعر الصرف الذي ستُحتسب على أساسه أرقام الموازنة، فالتوجّه بات واضحاً لاعتماد سعر صيرفة. وفي انتظار ما سيرتّبه هذا التوجّه، واتضاح التوجّهات الاقتصادية والمالية لحكومة تصريف الأعمال، للحديث صلة.