Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر September 27, 2022
A A A
موازنة 2022 “تسير” بالإقتصاد فوق “رمال” الأرقام الوهمية “المتحركة”
الكاتب: خالد أبو شقرا - نداء الوطن

دقّت موازنة 2022 في بيوت اللبنانيين «مسمار جحا» من الضرائب والرسوم، تاركة لنفسها حرية زيارته وقت ما تشاء. وذلك بعدما باعتهم زيادة في الاجور وبعض التنزيلات. فما يظهر على أنه أمر وقتي، سيفاجئ المواطنين بمدى ثقله، متى تكررت زيادات الضرائب مفتوحة الآجال والنسب المئوية المزمع تركها مستقبلاً لسعر الصرف الحر. وكما لم يهنأ شاري البيت من جحا الذي كان يختار وقت الغداء ليشارك العائلة طعامها بحجة الاطمئنان الى مسماره، لن يهنأ الموظفون ولا القطاعات الانتاجية بالزودات والتخفيضات الوهمية، وسيهجرون البيت بما فيه ويهربون.

تكفي مقارنة الإيرادات المنتظرة من هذه الموازنة والتي تقدر أقله بـ 30 ألف مليار ليرة، بإيرادات موازنة 2020 التي قدرت بـ 18.2 ألف مليار ليرة لمعرفة ثقلها على المكلفين. فهناك نحو 12 الف مليار ليرة ضرائب ورسوماً جديدة ستقتطع من جهتين لا ثالثة لهما، وهما:

– مؤسسات القطاع الخاص التي تعمل في ظل اقتصاد منكمش بنسبة تفوق 20 في المئة، خسر 50 في المئة من حجم ناتجه الوطني منذ العام 2020. حيث تراجع الناتج من حدود 54 مليار دولار إلى 20.8 ملياراً اليوم.

– المواطنون الذين يرزح أكثر من 80 في المئة منهم تحت خط الفقر. والذين خسرت قدرتهم الشرائية بالليرة اللبنانية أكثر من 95 في المئة من قيمتها.

لا مفرّ من تراجع الإيرادات

في المقابل تتجاوز النفقات العادية على الاجور وخدمة الدين العام وتشغيل الادارة الـ 40 ألف مليار ليرة لتشكل حوالى 90 في المئة من النفقات. ما يعني أن العجز المصرح به سيكون بحدود 11 ألف مليار ليرة إذا سلمنا جدلاً بتحصيل كامل الايرادات المتوقعة. أما في حال العجز عن تحصيل الايرادات رغم رفع الضرائب بسبب الانكماش الاقتصادي والتوقع بزيادة التهرب والتهريب، فان العجز سيرتفع الى أرقام أكبر بكثير. وستضطر عندها الخزينة إلى تغطية الفارق الاساسي من طباعة الاموال في مصرف لبنان. وبالتالي خلق مزيد من التضخم وانهيار في القدرة الشرائية والاضطرار مرة جديدة لزيادة الرواتب والاجور… وهكذا دواليك.

تظهر دراسة مقارنة أن زيادرة الرسوم والضرائب حتى لو جرى احتسابها على متوسط سعر صرف 33 ألف ليرة، ستؤدي إلى تراجع إيرادات الدولة وليس زيادتها. وللمثال التعديل في شطور الضريبة التصاعدية كما في موازنة 2022 الذي سيؤدي إلى تراجع حتمي في الايرادات بنسبة 86.3 في المئة.

«ان الغرض من هذه الموازنة ليس «تصحيحياً» كما يعتبر البعض، والأكيد أنه ليس إصلاحياً، إنما فقط للقول اننا أقرينا موازنة العام 2022 بحسب مطالب صندوق النقد الدولي في الوقت الذي تعتبر فيه الموازنة مصلحة لبنانية لتصحيح مسار الازمة»، يقول خبير المحاسبة المجاز والعضو في «جمعية مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد» الاستاذ جوزف متّى. و«عليه تكون الموازنة لزوم ما لا يلزم،. كما أن نشرها في الجريدة الرسمية كما تقتضي أصول التشريع، ودخولها حيز التنفيذ يتطلب ما لا يقل عن أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. عندها يكون كل المتبقي من العام الحالي لا يتجاوز الشهرين على أبعد تقدير. في الوقت الذي كان يفترض فيه أن يصار في هذه الفترة الى مناقشة وتحضير موازنة 2023 وإحالتها إلى البرلمان قبل نهاية العقد العادي للإقرار».

الخشية من أن يكون الاستعجال في إقرار موازنة 2022 على عيوبها الكثيرة ليس إرضاء فارغاً لصندوق النقد الدولي فحسب، إنما «بهدف العمل عليها على أساس القاعدة الاثنتي عشرية في العام 2023. وبالتالي نعيش على الموازنة «التصحيحية» مع صعوبة بارزة في أن تبصر تلك الاصلاحية الموعودة النور»، برأي متىّ. و«هي بذلك تكون سرقة موصوفة بشكل مموه بسبب ضرائبها المرتفعة التي ترهق المواطنين، ولا تزيد الايرادات بالاضافة إلى الاستيلاء على ودائع المواطنين في المصارف. فرغم التخفيضات اللاحقة بالتنزيلات العائلية في ما يتعلق بالتصريح عن ضريبة الدخل، تبقى أعلى على المكلف صاحب الدخل المحدود والموظفين مما كانت عليه سابقاً. وبالتالي تفتقر هذه الموازنة إلى بُعد النظر والمسؤولية في التعاطي مع الاقتصاد والافراد ومؤسسات الانتاج. وهي تفتقر أيضاً إلى أبسط شروط إعداد الموازنات العامة من خلال آليات وضعها وتحضيرها». كما يغيب عنها من وجهة نظر متىّ «احتساب الموازنة بأثرها على البيئة الضريبية والاجتماعية وعلى قطاعات الصحة والتعليم. فارقامها وضعت «شلفاً» أي من دون دراسة موضوعية وواقعية، وبزيادات كبيرة محتسبة دفترياً لا أكثر ولا أقل. وهذا ما صرح فيه الكثير من النواب أثناء مناقشتها».

 

 

التساهل بالإعفاءات لمصلحة من؟

تضمنت موازنة 2022 في نسختها الاولى الاصلية مئة وثماني وثلاثين مادة، ضريبية في معظمها، تعرف بـ «فرسان الموازنة». مواد أثارت غضب حتى رئيس مجلس النواب، نبيه بري الذي قال لرئيس الحكومة «هذه آخر مرة يا دولة الرئيس بقبل بفرسان الموازنة، «مش» معقول 120 قانون بجلسة واحدة». من ضمن هذه الفرسان مثلا برزت المادة 22 التي أثارت حفيظة نائب رئيس مجلس النواب، معتبراً أنه «ما بقى رح تدفع ولا شركة الضرائب، عم نفلس الدولة». فما هي هذه المادة وما هو تأثيرها؟

تتعلق هذه المادة بتسوية الغرامات المفروضة بموجب قوانين الضرائب. حيث يمنح المكلفون بالضرائب والرسوم التي تتولى مديرية المالية العامة في وزارة المالية فرضها وتحصيلها، مهلة 6 أشهر من تاريخ نشر هذا القانون لتسديد كامل الضرائب والرسوم سواء المترتبة بموجب التكليف الذاتي، أو بموجب تكاليف تصدرها الادارة الضريبية، بتاريخ سابق لنشره مع تخفيض 85 في المئة من غرامات التحقق والتحصيل المتوجبة على تلك الضرائب والرسوم. وفي حال عدم تسديد تلك الضرائب والرسوم المخفضة المتوجبة عليها ضمن المهلة المحددة أعلاه، يتوجب على المكلفين تسديدها مع كامل الغرامات، ولا يمكن إرجاء تسوية عليها.

تضمين الموازنة هذه المادة يعود بحسب متى في جذوره إلى «حيثيات تطبيق قانون الإجراءات الضريبية 44/2015 الذي تضمن غرامات قاسية وعالية. وللتخفيف من انعكاساتها على المؤسسات تم اعتماد قرارات بين الفترة والاخرى بموجب قوانين من ضمن الموازنة العامة، أو عبر قرارات من وزير الداخلية بناء على مرسوم. واستمرت الامور على هذا المنوال منذ العام 2015، تاريخ إصدار قانون الاجراءات الضريبية، نظراً إلى نسبة الغرامات الكبيرة على الشركات والافراد الخاضعين لضريبة الدخل وغيرها». إلا أن «هذه الآلية سمحت وشجعت المكلفين على عدم تسديد الضرائب وانتظار صدور قانون التسوية لتسديد المتوجب عليهم بحسومات كبيرة، بإضافة غرامات بنسب قليلة اليها»، بحسب متىّ. و«بهذه الطريقة يتم تعليق عملية تسديد الضرائب بانتظار تسوية مستقبلية. وللاسف تكون فيها قيمة العملة قد تدنت. وبالتالي يستفيد المكلف من هذا الوضع. وعليه أصبحت التسوية مفيدة لاصحاب العمل لكي يتقاعسوا عن القيام بواجباتهم الضريبية في تاريخه والاحتفاظ بالسيولة جاهزة لديهم». وللمثال فان التخلف عن تسديد ضريبة الدخل عن ربح بقيمة 100 مليون ليرة عن سنة معينة يوجب غرامة تحقق مقطوعة، إضافة إلى غرامة تسديد شهرية بنسبة 5 في المئة، وأخرى بنسبة 1.5 في المئة تحصيل شهرياً. فيصبح المبلغ المتوجب دفعه هائلاً. لذا ينتظر المكلفون التسويات لتسديد المبلغ مع حسم 85 في المئة، ولو دفعوا غرامة بنسبة معينة تبقى أفضل لهم بما لا يقاس من تسديد أساس الضريبة في وقتها. وفي حال التخلف عن الدفع تعود الادارة الضريبية إلى تطبيق القانون 44/2015. وبالتالي يعتكف المكلفون بانتظار إعفاء جديد.

بالمبدأ يفترض بالحكومة إرسال مشروع قانون موازنة 2023 إلى البرلمان منتصف تشرين الاول من العام الحالي. أي بعد نحو 18 يوماً. وعلى الاخير أن يقرها في مهلة حدها الاقصى 31 كانون الاول 2022. وهذا ما يبدو واضحاً أنه لن يحصل. وسيغرق الاقتصاد واللبنانيون في رمال موازنة 2022 المتحركة طيلة العام القادم.