Beirut weather 19.1 ° C
تاريخ النشر June 16, 2024
A A A
من ١٦ حزيران ١٩٢٩.. ٩٥ سنة في خدمة زغرتا ولبنان
الكاتب: الباحث روي عريجي

 

في الذكرى ال٩٥ لدخول النيابة الى بيت فرنجيه وعبرها الى زغرتا وفي الزمن الذي يطوف فيه الفارغون على مستنقع لبنان السياسي، سأعرض عليكم احبائي لمحة صغيرة عما جرى في ١٦ حزيران من سنة ١٩٢٩، هذا النهار العظيم من تاريخ زغرتا التي توحدت حول قبلان بك فرنجيه لكي تعود الى خارطة سياسة لبنان الكبير.

في انتخابات المجلس النيابي دورة الـ ١٩٢٩ في الدور الثاني من الانتخابات ايام الانتداب الفرنسي والتي كان يقترع فيها ممثلون عن الشعب للنواب آنذاك، احتدمت المعركة النيابية في الشمال واشتدّ وطيسها وخاصة بين قبلان بك فرنجيه الحائز على ثقة مواطنيه الزغرتاويين وجيرانه البشرانيين ووديع بك طربيه المقرّب من سلطات الانتداب الفرنسي التي تسعى الى انجاحه بشتى الوسائل حتى بتزوير النتائج، هذا الأمر الذي رفضه الزغرتاويون. على وقع فشل مساعي البطريرك الحويك اقناع طربيه الخروج من المعركة.
ففي ١٤ حزيران ١٩٢٩ كان يوشك ان يحصل اول اشتباك في طرابلس بين انصار قبلان بك فرنجيه المشكلين من كل زغرتا ومن بشري وانصار خالد بك عبد القادر من جهة وانصار عبود بك عبدالرزاق الداعم لوديع بك طربيه من جهة اخرى، لولا تدخل بعض العقلاء الزغرتاويين الذين طلبوا من الشباب المتواجد في طرابلس الصعود الى زغرتا، وتمرّد بعض الشباب وبقوا في طرابلس.
وفي اليوم التالي بدأ تحدي عبود عبد الرزاق ورجاله للزغرتاويين والبشرانيين القلائل في احد مقاهي تل طرابلس. ووقع الاشتباك، فتمكن الزغرتاويون من حصر جماعة عبد الرزاق في دار زعيمهم واصيب من زغرتا حبيب حنا زخيا بطعنة في خاصرته والبدوي طنوس نده معوض بطلق ناري في رجله، كما اصيب خمسة من رجال عبدالقادر وصادروا بعض الأسلحة.
ووصل الخبر الى زغرتا التي هبت الى طرابلس بنسائها ورجالها.. وقامت نجيبة الرعيدي والدة الجريح البدوي نده معوض بمحاولة التعلق بإحدى السيارات النازلة الى طرابلس عند محلة “خناق الدجاج” فوقعت ارضاً ودهستها السيارة فقتلت.. في الوقت الذي صودف مرور شقيقها بولس لما هبّ عليه الناس ليخبروه بما جرى لشقيقته، فكانت ردة فعله من ثلاث كلمات: “فدا زغرتا ومرشحها”، واكمل طريقه الى طرابلس التي امتلأت ساحتها بالنساء الزغرتاويات اللواتي يحملن العصي والرجال المسلحين، ما اجبر رجال عبود بك عبد الرزاق على البقاء في منزل زعيمهم. وتدخل الكثيرون لدى قبلان بك للطلب من اهله ترك طرابلس حفاظا على الأمن، ولما أبوا تنفيذ هذا الطلب لعب الفرنسيون لعبة فأقنعوا الوجهاء الزغرتاويين بأن سلطات الانتداب لن تتدخل في المعركة، فعادوا الى زغرتا غير مطمئنين..
وفي فجر يوم الأحد في ١٦ حزيران ١٩٢٩ دقت اجراس كنيسة سيدة زغرتا وسيدة الحارة في زغرتا ومار جرجس ومار بطرس وسيدة الحارة في اهدن فهبّ الزغرتاويون الى طرابلس لمنع عملية التزوير. ولما وصلوا الى كركون ( مخفر) الجبل، وقفت في وجه الجموع مفرزة من الجند اللبناني مؤلفة من ٢٠ جنديا ما لبثوا ان انسحبوا لعدم قدرتهم على مواجهة هذا المد.
وما ان وصل الموكب الزغرتاوي الى القبة حتى كمن له العسكر الفرنسي واللبناني وبدأوا بإطلاق النار عليهم فاستشهد من الزغرتاويين بطرس انطانيوس فرنجيه وجرجس بو عيسى يمين وجرح طنوس الجعيتاني وتوفيق يوسف معوض وكتور زوجة اسعد داوود صوما.
والجديد بذكره ان فريدة زوجة الشهيد بطرس فرنجيه التي رأت زوجها يسقط امامها حبست حزنها واخذت منديلها وغطت وجهه به قائلة لكل سائل ان زوجها أُغمي عليه من جراء ضربة على رأسه طالبة منهم اكمال طريقهم.
ووصل الزغرتاويون الى سرايا طرابلس تحت الرصاص الفرنسي واللبناني. ولما بلغت الساعة الثامنة موعد الانتخابات وفي آخر جولة، اتفق الزغرتاويون والبشرانيون وانصار خالد بك على الهجوم على السراي التي حجز فيها الفرنسيون المندوبين بعد منتصف الليل. وعلى اثر توتر الوضع اشتبك الفريقان فسقط من الجند اللبناني قتيل وعدد من الجرحى، ومن زغرتا جُرح عبود السكا معوض وجرجس يوسف الزلوعا وسعيد موسي تادروس وفريد القلع زخيا ورزق خالد الرهبان ومحسن صوما ويوسف نجيب فرنجيه وعزت بطرس يمين والعديد غيرهم لكن اصاباتهم كانت خفيفة.
على وقع مشاهدة وديع بك طربيه الذي كان موجودا في السراي للمعركة وللقتلى والجرحى قرر الانسحاب وحل محله مرشح زغرتا والمناطق المحيطة بها قبلان بك فرنجيه الذي عاد الى زغرتا مع اهله المنتصرين والذين زفوا شهداءهم بمهرجان كبير..

وهكذا دخلت النيابة الى بيت فرنجيه والى زغرتا بقوة الحق محصنّة بدماء الشهداء في ١٦ حزيران ١٩٢٩ ولم تخرج منهما رغم كل ما حصل ويحصل.

الصور:

صفحة من جريدة صدى الشمال العدد ٢٨٣ الاربعاء ١٩ حزيران ١٩٢٩

قبلان بك فرنجيه اول نائب عن زغرتا بريشة الفنان صليبا الدويهي والمحفوظة في قصر الرئيس سليمان فرنجيه