Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر February 10, 2020
A A A
من وعد بلفور إلى وعد ترامب.. صفعة القرن مصيرها الفشل
الكاتب: د. قحطان السيوفي - الوطن

في 2 تشرين الثاني 1917 أرسل وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور، رسالة إلى روتشيلد الصهيوني أبلغه فيها «بموافقة بريطانيا على إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي».
بعد قرن ونيف من الصراع والحروب والقرارات الدولية والاتفاقات المزيفة منها اتفاق أوسلو عام 1993، وقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى جانبه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في 28 كانون الثاني 2020، خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض ليستكمل تطبيق وعد بلفور بهدف شطب فلسطين من الخريطة وإقامة إسرائيل من خلال خطته المزعومة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتي تعرف بصفقة القرن.
الصفقة كمصطلح تجاري تتم بين طرفين، الطرف الفلسطيني كان غائباً وظهر ترامب ونتنياهو كأنهما يقدمان للفلسطيني الغائب عرضاً تحاول إدارة ترامب شرعنتْه خلافاً للقوانين الدولية.
صفعة أو «صفقة القرن»، سمّها ما شئت، والتي ادعى ترامب، أنها ستحل القضية الفلسطينية، يتم الترويج لها بالصراخ، على حين من يقرأ تفاصيلها يدرك العكس، ومصيرها الفشل لأنها صُممت، لخداع الشعب الفلسطيني، وحرمانه من حقوقه الشرعية في الوجود المستقل، الصفقة الصفعة هي صفقة خاسرة وانحياز كامل لإسرائيل، وخرق للقواعد الدولية، لكنها كأي صفقة سياسية أو تجارية، لا يمكن عزلها عن الظروف المحيطة.
بمقتضى اتفاق أوسلو عام 1993 اعترفت السلطة الفلسطينية بإسرائيل، انقسم الفلسطينيون على الاعتراف، عمل الإسرائيليون خلال السنوات الخمس عشرة الماضية على حسم كل القضايا لمصلحة الدولة اليهودية، وجاء ترامب ليعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعترف لإسرائيل بضم الجولان السوري.
كانَ من الصعب الإعلان عن «صفقة» كهذه لو كانت ظروف المنطقة واهتماماتها وأولويات دولها مختلفة؛ كل ما فعلته القيادات الفلسطينية بعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، إغلاق الاتصال بالإدارة الأميركية!
ترامب يرى أن قضية القدس صارت خارج النقاش بمجرد نقل السفارة الأميركية إليها، والأمر ذاته بالنسبة إلى اللاجئين والمستوطنات.
أفضل تعريف للدور الأميركي الحالي أنه شريك كامل للمشروع الصهيوني الذي يقوم على الاقتلاع الكامل للفلسطينيين من أرضهم، وإحلال المستوطنين اليهود مكانهم، وغاية الصفقة الصفعة إلهاء جماهير العرب، وجميع المعنيين بالقضية الفلسطينية وبمصير القدس، بنقاشات وسجالات غير مجدية في وقت تقوم إسرائيل بقضم الأرض وتدمير وجود الفلسطينيين كشعب.
الصفقة بمنزلة برنامج انتخابي لإعادة ترامب إلى البيت الأبيض، ونتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، فكلاهما يمرّ بأوقات صعبة، ترامب الذي بدأ يستعد للانتخابات الرئاسية، ويعانى مشكلات داخلية معقدة، يريد استثمار هذا الأمر، للحصول على دعم اللوبيات الصهيونية الأميركية. نتنياهو متهم بارتكاب جرائم الرشوة والتزوير والفساد، و«صفقة القرن» يمكن أن تكون طوق النجاة له في الانتخابات الثالثة، ومحاولة لجعل الدولة الفلسطينية مجرد غيتو محاصر من أبو ديس إلى غزة، بعض الدول العربية حضرت إعلان الصفقة وبعضها امتنع عن انتقادها، بينما يحاول معظمهم التعليق عليها بعبارات غامضة، والعديد من الحكام العرب أصبحوا مجرد مروجين للسياسة الأميركية ويهرولون للتطبيع مع إسرائيل.
بالمقابل أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن «صفقة القرن» سوف تجبر القيادة الفلسطينية على اتخاذ تدابير ضد إسرائيل: منها سحب اعترافها بإسرائيل، ولن تنسق السلطة جهودها في الحفاظ على الأمن مع الجيش الإسرائيلي.
ويقول عباس هذه الصفقة لن تمر، وستذهب إلى مزبلة التاريخ، بالمقابل الصفقة قد تلعب دوراً إيجابياً في إعادة اللحمة بين الفلسطينيين واتخاذ مواقف موحدة.
أوروبا تلقت خطة السلام الأميركية بشكوك كبيرة. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال: لن يكتب النجاح لأي خطة سلام على الإطلاق إذا لم يرغب الجانبان في تحقيق السلام من خلال الجهود المشتركة.
السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما دانيال شابيرو يرى أنه لا يوجد أي مسوغ لإعلان صفقة القرن الآن. لا توجد حكومة في إسرائيل يمكن التعامل معها، الفلسطينيون سيرفضون الخطة فور إعلانها.
على حين قال مساعد وزير الخارجية السابق للشرق الأوسط ومبعوث عملية السلام مارتن إنديك: إن تصميم ترامب على إعلان صفقة القرن قبل انتخابات إسرائيل ومن دون طرف فلسطيني، دليل على أنها، لعبة هزيلة من بدايتها لنهايتها، ورفض الفلسطينيين يقتلها.
يعتقد المفاوض الأميركي السابق آرون ديفيد ميلر أن طرح صفقة السلام قبل أسابيع من ثالث انتخابات إسرائيلية في أقل من عام واحد ومن دون أي اعتبار لموقف الفلسطينيين يأخذ الدبلوماسية الأميركية لمستوى جديد من السقوط، وأضاف: ستفشل صفقة القرن.
اعتبر الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، أن صفقة ترامب تقوض فرص سلام عادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتنتهك القانون الدولي المتعلق بتقرير المصير وحيازة أراض بالقوة.
إدارة ترامب ذات الهوى الصهيوني عينت سفيراً في إسرائيل يحمل الجنسية الإسرائيلية ومن تيار الليكود، حاربت «أونروا» وأغلقت مكاتب منظمة التحرير في الولايات المتحدة، وصولاً إلى انتهاك قرارات الأمم المتحدة بشأن القدس ومرتفعات الجولان، تتضمن الصفقة استمرار السيطرة الإسرائيلية على معظم الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وبقاء مدينة القدس موحدة وتحت السيطرة الإسرائيلية، ولإسرائيل السيطرة الكاملة على منطقة أغوار الأردن، ولها الحق في إبقاء المواقع الإستراتيجية الحسّاسة تحت سيطرتها، وحق السيطرة على المجالين الجوي والمائي، ونزع سلاح الدولة الفلسطينية، ولإسرائيل حق السيطرة على المعابر، وهو ما يجعل منها مجرد معتقل فلسطيني كبير بالنسبة للاجئين ليس لهم حقّ العودة إلى دولة إسرائيل، واحتفاظ إسرائيل بحق اختيار هويّات وأعداد العائدين إلى «اللادولة» الفلسطينية.
الصفقة تؤكد غياب البعد الأخلاقي لكل القيم الأميركية المعلنة من حقوق إنسان وشرعية دولية وحق تقرير المصير.
مغامرة ترامب في «صفقة القرن» ستواجه فشلاً ذريعاً، ولن يكون حظها أفضل من خطط السلام الأميركية السابقة على مدار الأعوام السبعة والعشرين الماضية، بدءاً بالاتفاق في أوسلو.
الصفقة تشكل مأزقاً لترامب ونتنياهو اللذين يحاولان التحكم في العالم اليوم، وجعل منطق القوة يهيمن، ليصبح كل المنطق محض قوة دون الحد الأدنى من الحق، الصفقة الصفعة لا يمكن القبول بها من شعب فلسطين الذي حمل كفنه على ظهره عشرات السنين، وقدّم قوافل من الشهداء. صفقة القرن لم تراعِ الحد الأدنى للمطالب والحقوق الفلسطينية، بل تشرعن لـ«يهودية إسرائيل» بالمجان، على حين تؤجل قيام الدولة الفلسطينية المجزأة أربع سنوات أخرى مقبلة.
يأتي إشهار صفقة ترامب ليوفر مناسبة لتوسيع دائرة المواجهة المتعدّدة الأشكال، السياسية الشعبية والعسكرية، هذه المواجهة قد تأخذ شكل مقاومة كحرب عصابات منظمة، ويمكن أن يصبح ذلك محنة كبيرة لإسرائيل في حال توسعها.
يبقى الأمل في وعي وسلوك فلسطيني وعربي إستراتيجي، يصوّب مسار النهوض العربي ويعيد إلى العرب القدرة على المبادرة في قرار السلم والحرب، وإنهاء الاختراقات الخارجية لحقوقهم السيادية.