Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر April 15, 2021
A A A
من هو بيرني مادوف منفذ أكبر عملية احتيال في التاريخ؟
الكاتب: يُمن حلاق - عربي بوست

يجب أن تملك ذكاء خاصاً وشخصية جذابة وقدرة هائلة على الإقناع وجرأة كبيرة وإقداماً إلى جانب الضمير الميت بالتأكيد؛ لتستطيع تنفيذ عملية احتيال ضخمة بقيمة 65 مليار دولار أمريكي كتلك التي نفذها بيرني مادوف، المستشار المالي ورجل الأعمال البارز والمؤسس لواحدة من أهم شركات الاستثمار في وول ستريت.
لكن حتى لو امتلكت مواصفات هذا الرجل الذي خدع مئات المستثمرين على مدى عقود، لا ننصحك أن تحذو حذوه فنهاية الرجل كانت حكماً قضائياً بالسجن لمدة 150 عاماً. مع ذلك لا ينكر أحد أنه امتلك شخصية استثنائية مكنته من كسب ثقة العملاء من أشخاص وبنوك ومؤسسات وأمراء ورأسماليين. تعالوا نروِ لكم قصة أكبر جريمة مالية في التاريخ:
بيرني مادوف المحتال الذي نفذ أكبر جريمة مالية في التاريخ
لم يشهد وول ستريت -وهو الشارع الذي يضم أقوى المؤسسات المالية في الولايات المتحدة- عملية تزوير مالي كتلك التي نفذها مادوف، بل لم تشهد الولايات المتحدة وحتى العالم عملية احتيال بتلك الضخامة، إذ تصنف الجريمة المالية التي ارتكبها مادوف على أنها الكبرى في التاريخ.
ولد بيرني مادوف لأسرة يهودية من نيويورك، وكان والده رائد أعمال تعرض في فترة من فترات حياته للإفلاس، الأمر الذي أثر ببيرني وجعله يعاهد نفسه ألا يواجه نفس المصير.
تخصص بيرني بالعلوم السياسية وتخرج من جامعة هوفسترا، لكنه اختار أن يدخل في مجال البورصة والاستثمار، لتبدأ قصته في عام 1960.
دخل بيرني هذا المجال بـ500 دولار فقط، وبدأ بتداول الأسهم مع العملاء خارج إطار البورصة، وبتسويق نفسه على أنه “مضارب” بارع يضمن الربح لعملائه.
المال والتحدي هما الدافع الأكبر
من أحد السجون الفيدرالية، وبينما يقضي بيرني مادوف سنوات عقوبته الطويلة، وافق على إجراء مقابلات هاتفية غير مسبوقة مع صحفي يدعى ستيف فيشمان، روى من خلالها قصة ما يقارب 35 عاماً من الاحتيال.
بالنسبة لمادوف كان المال والتحدي هما الدافع الأكبر، ففي عالم البورصة عليك أن تبدي تفوقاً على الآخرين إذا أردت الاستمرار، وفقاً لتعبيره.
كانت زوجة مادوف تعمل محاسبة، وكذلك والدها الذي كوّن لمادوف مجموعة عملاء من المحاسبين الذين يرغبون باستثمار أموالهم في البورصة .
ساهم كل من هؤلاء بمبلغ من المال، فيما اشترى مادوف أسهماً لعملائه خارج إطار البورصة بسعر دولارين للسهم الواحد، وذلك في عام 1962.
لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد انهارت البورصة في ذلك العام وفجأة وجد مادوف عملاءه الذين كانوا بمثابة أقاربه قد خسروا كل أموالهم، وكان أمام مفترق طرق، إما أن يعترف لعملائه بأنه خذلهم أو يسلك طريقاً مختلفاً.
اختار مادوف إخفاء الحقيقة عن عملائه، واستدان أموالاً ليدفع لهم أرباحهم من الأسهم، وبذلك اكتسب سمعة مضارب البورصة العبقري الذي استطاع أن يحافظ على أموال عملائه وينجو من الأزمة المالية التي عصفت بسوق الأسهم عام 1962.
واستطاع مادوف أن يروج لنفسه بذكاء، لدرجة أن العملاء باتوا يعتقدون أنه إذا قبل أن يأخذ نقودهم ليستثمر بها، فهو بذلك يسدي إليهم خدمة كبيرة، ومن هنا بدأ الرجل بتنفيذ أكبر عملية “بونزي” عرفها التاريخ.
في الطابق السابع عشر.. حيث تدار عملية “بونزي”
تطور عمل مادوف الذي بات مستشاراً مالياً يملك شركته الخاصة، وخلال عقدين من الزمن أصبح رئيس مجلس إدارة بورصة ناسداك وأحد عمالقة الصناعة المالية.
عمل مادوف في أحد أشهر الأبنية في وول ستريت إذ امتلك هناك ثلاثة طوابق، وفي الطابق السابع عشر من المبنى كان لدى مادوف غرفة سرية لا يستطيع أحد الدخول إليها إلا بشفرة خاصة، هناك حيث كان مادوف يدير عملية الاحتيال الشهيرة باسم “بونزي”.
ما هي عملية “بونزي”؟
عملية “بونزي” هي نظام بيع هرمي وشكل من أشكال الاحتيال نبسطها لكم كما يلي:
تدعي شركة استثمارية -مثل شركة مادوف- بأنها تستثمر في قطاعات مختلفة مثل أسهم البورصة أو العملات وحتى النفط أو الغاز، وإذا قمت بإيداع مبلغ من المال في هذه الشركة ستستثمر الشركة في أموالك وتضاعفها لك بعد فترة، فتحصل على مبلغ أكبر من ذاك الذي أودعته مع الشركة في البداية.
أين الاحتيال تحديداً؟ في بداية الأمر تدفع الشركة مبالغ مضاعفة للمستثمرين فعلاً، لكن لا تدفع تلك الأموال من أرباحها في البورصة أو غيرها من المجالات، إنما تدفع من أموال المستثمرين الجدد. وكلما استطاعت الشركة بناء ثقة أكبر لدى المستثمرين والترويج لنفسها على أنها شركة ناجحة تستطيع مضاعفة أموال زبائنها بالفعل كلما استثمر عدد أكبر من الأشخاص أو الجمعيات أو الشركات مع هذه الشركة التي تستمر في الدفع للمستثمرين القدامى من أموال المستثمرين الجدد.
حتى إن المستثمرين الذين تضاعفت أموالهم عبر هذه الشركة يعودون لاستثمار المبلغ الجديد كاملاً للحصول على ربح أكبر.
أما عن نهاية هذه العملية، فإما أن تصل الشركة إلى حد تخرج فيه الأمور عن السيطرة ولا تعد قادرة على دفع أرباح مستثمريها فتتوقف ثقة المستثمرين الجدد بالشركة ويتوقف تدفق الأموال إليها ثم ينهار كل شيء فجأة، أو يصل صاحب الشركة إلى رقم معين، فيجمع الأموال التي حصدها من عملية “بونزي” ويلوذ بالفرار. وقد سميت هذه العملية باسم “بونزي” نسبة إلى تشارلز بونزي أول محتال اتبع هذه الطريقة.
بيرني مادوف ينقل “بونزي” إلى مستوى عالمي
لم يكتف مادوف بالأرباح التي جناها من المستثمرين المحليين، فبدأ بالتعامل عام 1992 مع مستثمرين أوروبيين، وقد كان من بين هؤلاء المستثمرين بنوك أوروبية وصناديق استثمار عالمية، جميعهم وضعوا ثقتهم بمادوف وائتمنوه على ملايين الدولارات.
يقول مادوف إن رؤساء بنوك ضخمة في سويسرا والعالم كانوا على استعداد لاستثمار مبلغ مليار دولار في شركته، بالرغم من أنهم كانوا يجب أن يعلموا بوجود إشارات خطر، فلم يكن مادوف يمد عملاءه بأي حقائق عن حجم أعماله ولم يكن مسموحاً لهم بالحضور للتحقق من سلامة الاستثمارات، كان مادوف يقول للمستثمرين ببساطة: “إن لم تكن تعجبكم الطريقة التي أدير بها الاستثمارات تستطيعون سحب أموالكم”. وبالطبع لم يفعل أحد ذلك.
حتى إن بعض الأمراء والرأسماليين حول العالم استثمروا جزءاً من أموالهم في شركة مادوف، ومن بينهم أمير مايكل من يوغسلافيا، والرأسمالي فيليب جونوت، وليليان بيتينكور أغنى امرأة في العالم آنذاك.
مع العلم أن هؤلاء المستثمرين كانوا يضحون بعوائد مالية أكبر سيحصلون عليها من شركات أخرى في سبيل التعامل مع مادوف، فالتعامل معه بالنسبة لهم يعني الاستقرار والنتائج المضمونة.
انهيار إمبراطورية مادوف
بدأت الشكوك تدور حول مادوف، وقام بعض المحللين الماليين بمهاجمته عدة مرات واتهامه بالاحتيال بعد دراسة الحقائق المتاحة حول نظام عمل شركته.
وفي عام 2004 أجرى المجلس الأعلى للوكالة الفيدرالية 3 اختبارات وتحقيقاً واحداً بحق مادوف لكنها خلصت إلى أن أعماله فوق الشبهات.
نجاة مادوف تكراراً من التحقيقات دفعت المحللين الماليين لزيادة هجماتهم عليه ونشر المزيد من الإثباتات على احتياله لكن دون جدوى، ولم تبدأ الإمبراطورية التي بناها مادوف بالانهيار حتى عام 2008 عندما عصفت أزمة مالية بالولايات المتحدة وصفت أنها الأسوأ في تاريخ سوق الأسهم.
أصاب الذعر المستثمرين الذين وجدوا أنه من الأضمن أن يستعيدوا أموالهم بدلاً من المخاطرة بالخسارة في سوق الأسهم الآخذ بالانهيار، وهنا كانت المفاجأة، مادوف غير قادر على الدفع للمستثمرين ببساطة لأن الجميع يريد سحب الأموال ولا أحد يريد إيداعها، بمعنى أن عملية “بونزي” لم تعد نافعة بعد الآن.
خسائر بالمليارات وانتحار أحد المستثمرين
كانت عائلة مادوف بالكامل تعمل معه، أخوه وزوجته وولداه، وعندما بات مادوف عاجزاً عن السداد للمستثمرين اجتمع معه ولداه ليفهما الحقيقة، وصدما بأن والدهما كان يحتال على عملائه منذ 35 عاماً.
استشار الولدان محامياً على الفور، ونصحهما أن يسلما والدهما، وهذا ما كان.
دمر مادوف حياة عائلات بأكملها مع وجود المئات من الأشخاص الذين وثقوا به ووضعوا بين أيديه كل ما يملكونه من أموال، ليكتشفوا في نهاية الأمر أنها عملية احتيال وأنهم مفلسون تماماً، حتى إن واحدة منهم قالت إنها لم تعد تملك مالاً لدفع الإيجار وأنها تعيش على المعونات الحكومية وتبحث عن الطعام في القمامة.
وبعد القبض عليه، أعلنت بنوك في كل من إسبانيا وسويسرا وفرنسا وإيطاليا ودول أخرى ضياع مليارات الدولارات بسبب احتيال مادوف.
وقدرت الخسائر التي تسبب بها بيرني مادوف لمستثمريه بـ50 إلى 65 مليار دولار، لكن المحققين أقروا بأن حصر الأموال المنهوبة سيكون شبه مستحيل وفقاً لما ورد في موقع Britannica.
أما المتضرر الذي لم يستطع تحمل الخسارة، فقد كان مدير صندوق استثمار فرنسي يدعى تييري ماغون دو لا فيل أوشي، خسر قرابة مليار ونصف كان قد استثمرها مع مادوف وانتحر.
150 عاماً من السجن
قام الرجل بحماية عائلته بالاعتراف بأنه مذنب وبأن أحداً غيره لم يكن يعلم بأمر الاحتيال، وفي 2009 حكم على مادوف بالسجن لمدة 150 عاماً بتهمة الاحتيال دون إمكانية الإفراج المبكر.
ومع ذلك فقد انتحر أحد أبنائه بعد سنة واحدة، إذ وجد مشنوقاً في شقته في نيويورك، أما والده فقد مات في السجن عام 2021 عن عمر يناهز 82 عاماً.