Beirut weather 25.21 ° C
تاريخ النشر May 10, 2024
A A A
من شمال غزة إلى جنوبها… المجازر مستمرّة بصمت
الكاتب: يوسف فارس

كتب يوسف فارس في جريدة “الأخبار”:
في الوقت الذي تحرف فيه تصريحات المسؤولين الأميركيين، الأنظار، في اتجاه مطالبة سلطات الاحتلال بفتح معبر كرم أبو سالم البري، للسماح بتدفق المزيد من المساعدات إلى قطاع غزة، وكأن أزمة مليون ونصف مليون إنسان في جنوب القطاع، بدأت تهاجمهم الدبابات والطائرات الإسرائيلية، تنحصر في الحصول على المأكل والمشرب، يواصل جيش الاحتلال ارتكاب المجازر الجماعية بحق العائلات، ليس في رفح فقط، إنما في شمال غزة ووسطها أيضاً. وفي أخبار باتت تمضي على نحو «اعتيادي» على مسامع العالم، قصفت المدفعية الإسرائيلية، أول من أمس، ثلاثة منازل مأهولة في منطقة تبة زراع شرقي مدينة رفح، ما تسبّب باستشهاد وإصابة العشرات من النساء والأطفال. وفي تل السلطان، وهو الحي الذي لم تشمله أوامر الإخلاء الإسرائيلية، والذي تحوّل إلى مقصد لآلاف العائلات التي غادرت الأحياء الشرقية من المدينة، ويزدحم في الوقت الحالي بمئات الآلاف من المواطنين الذين يفترشون الشوارع والطرقات بالمعنى الحرفي للعبارة، قصفت وسائط المدفعية الإسرائيلية خيام النازحين بالعشرات من القذائف. وتسبّب القصف المستمر على مدار الساعة، بسقوط العشرات من الشهداء، حيث راح ضحيته 60 شخصاً أول من أمس، و120 منذ بدء العملية العسكرية في رفح، والتي يقول الاحتلال إنها «محدودة»، علماً أن عشرات المصابين لم يستطيعوا الحصول على الرعاية الصحية المناسبة، بعدما أخرج جيش العدو مستشفى «أبو يوسف النجار» عن العمل، وحاصر «المستشفى الكويتي الميداني» بالنار، قبل أن يقصف بالقذائف «المستشفى الميداني الإماراتي».السلوك الإسرائيلي في رفح، هو ذاته في بقية مناطق غزة، حيث المشاهد التي تخلّفها الغارات تتوالى هي نفسها: أجساد لأطفال مقطّعين، وأيدٍ تظهر من أسفل الركام تطلب الغوث، ومنازل وأبراج تتحوّل إلى مقابر لسكانها. لا شيء جديداً في كل تلك المشاهد، غير الصمت، فيما ينجح الإعلام الأميركي والإسرائيلي في لفت الأنظار عن متن المشهد، وتطلق الخارجية الأميركية عشرة تصريحات في اليوم، تناقش فيها كمية المساعدات التي وصلت إلى القطاع، ولا يتطرق أي منها إلى شلال الدم المستمر. وفي الوقت نفسه، تنشغل الفضائيات العربية لساعات طويلة بمناقشة آفاق المفاوضات السياسية، وتتعامل مع مهاجمة مستشفيات رفح على أنه سلوك معتاد.
أما في شمال القطاع، وبينما كانت ساحة الشوا في وسط حي الدرج في مدينة غزة القديمة، تزدحم بالآلاف من المارة، فقد قصفت طائرات العدو بناية سكنية، ما تسبّب باستشهاد 10 مواطنين وإصابة العشرات، كما لم تتوقف المدفعية عن استهداف أحياء الزيتون والشجاعية ومخيم جباليا، بالعشرات من القذائف. وفيما تواصل عشرات العائلات البحث عن أبنائها المفقودين، أعلنت وزارة الصحة اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة في باحة «مستشفى الشفاء» تضم جثامين لـ62 شهيداً. وبهذه الحصيلة الجديدة، تصل أعداد المقابر الجماعية المكتشفة في باحات المستشفيات إلى 7، تغيب ملامح الشهداء فيها، وتتوارى الأسماء، ويُقيّد الضحايا تحت مسمى مجهول. أما قوائم مجهولي المصير الحقيقية، فأضحت تضم الآلاف من الغائبين، حيث اعتقل جيش الاحتلال وقتل خلال اقتحامه للأحياء المدنية والمستشفيات ومراكز الإيواء، الآلاف من النازحين، ولم يصدر منذ بداية الحرب أي قوائم تكشف أسماء من اعتُقل لديه أو قُتل على يديه. يمضي كل ذلك، على أنه أمر عادي، عادي إلى الحد الذي لا يتطلب إدانة رسمية من أي نظام عربي أو حتى… سلطة محلية!