Beirut weather 16.41 ° C
تاريخ النشر May 5, 2018
A A A
من خطاب المؤامرات الى انتخاب المتآمرين
الكاتب: رفيق خوري - الأنوار

الصمت الانتخابي المفروض عشيّة الاقتراع ليس صمتا بمقدار ما هو استمرار لضجيج المعركة بوسائل أخرى. وليس مجرد هدوء ما بعد العاصفة بل أيضا هدوء ما قبل العاصفة الأكبر المقبلة. عاصفة صدام الحسابات في اعادة تكوين السلطة ، بعد تبادل الاتهامات بالسرقة والفساد بين شركاء في السلطة ومع شركاء في النظام. وعاصفة الصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها وأبعد منها لاعادة ترتيب النظام الاقليمي والنظام العالمي.

هنا لا مفر من التسويات، وان قادت أحلام الغلبة والاستئثار الى ارتفاع منسوب البخار في الرؤوس الحامية لدى طرفين على الأقل. وهناك لا أحد يعرف الى أين تقود حرب أميركا واسرائيل على الاتفاق النووي، وبماذا والى ماذا ينتهي الصدام بين حرص طهران على تكبير دورها وتحقيق مشروعها الاقليمي وبين اندفاع دونالد ترامب نحو كبح النفوذ الايراني وتصغير الدور. لكن الكل يعرف ان عنوان المرحلة هو تكبير الدور الروسي في المنطقة والعالم. واذا كان الدخول العسكري الروسي المباشر في حرب سوريا ساهم في تكبير الدور، فان اكتمال التسليم به يحتاج الى صفقة مع أميركا لها أثمان في سوريا وأوكرانيا والحسابات مع ايران وسواها من دول المنطقة وانعكاسات على لبنان.

وهذا لم يمنع بالطبع الغرق في تفاصيل التفاصيل المحلية. ولا كان مصدر الشكوى هو فقط الخطاب الهابط، من حيث كان الرأسمال الكبير لمعظم الأطراف هو الخطاب الحاد، خطاب العصبيات الطائفية والمذهبية. فالخطاب الهابط ليس سوى تعبير عن هبوط السياسة ومستوى السياسيين. والخطاب الحاد وسيلة للحماية من مؤامرات وحصارات وحروب إلغاء الى حدّ التركيز اليومي في الخطاب عن سبع مؤامرات كل واحدة ضدّ طرف. والأفظع هو الخطاب التافه وتمنين الناس بالخدمات، بحيث يمكن ان نضيف الى تفاهة الشرّ حسب تعبير حنه أرندت تعبير تفاهة الخير على الطريقة اللبنانية.

واذا أخذنا بالالتزامات التي سمعناها من الجميع، فان الحرب على الفساد تتصدّر جدول الأعمال بعد الانتخابات وبدء صلاحيات المجلس الجديد وتأليف الحكومة. لكن ما لم نلمسه هو، في الحدّ الأدنى، الاقتداء بقول كونفوشيوس: الرجل الذي ينقل جبلا يبدأ بحمل حجارة صغيرة. فالفساد في لبنان أكبر من جبل. ولا شيء يوحي، وسط اعلان الاستعداد لنقل الجبل، ان هناك من بدأ نقل حجارة صغيرة كرمز لخطوة عملية في مكافحة الفساد. وعلى العكس، فان المعركة الانتخابية زادت من الشهيّة للفساد والقيام بخطوات عملية تكرّس الفساد إرضاء لنافذين ومن أجل حفنة من الأصوات.

وغدا يوم آخر له ما بعده في الرهانات، ومزيد من الشيء نفسه في الواقع.