Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر March 10, 2020
A A A
من الطاعون إلى “كورونا”.. العالم بمواجهة أوبئة دمّرته!
الكاتب: المحامي زكريا الغول - اللواء

تعتبر الأوبئة من أسوأ النوازل التي يمكن أن تحلّ بمجتمع من المجتمعات، ذلك أن تأثيرها يتجاوز الخسائر في الأرواح البشرية، كما أن المرض قد يُحدث تحوّلا في مصائر البشر إلى الأسوأ.

ومع إنتشار حالات إصابات بفيروس «كورونا» في معظم دول العالم، أصبح التخوّف من تحوّله إلى وباء يفتك بملايين البشر ويحصد أرواحهم، وتواترت في الذاكرة البشرية، العديد من الأوبئة التي ضربت العالم، وكانت سببا في وفاة ملايين الناس، ونستعرض من خلال هذا المقال الأمراض التي أصابت البشر عبر التاريخ، وكانت من الأوبئة المدمرة.

 

طاعون أثينا
كان طاعون أثينا، وباءً دمّر المدينة اليونانية خلال السنة الثانية من الحرب البيلوبونيزية التي وقعت بين أثينا وغريمتها مدينة إسبرطة في اليونان القديمة، والتي استمرّت 27 سنة، بين عامي 431 ق.م و404 ق.م، فقد حوّلت الإستراتيجية العسكرية التي انتهجها بريكليس (أحد أشهر السياسيين اليونانيين القدماء) أثينا إلى حاضنة للمرض، وحدث ذلك عندما أقنع مجلسها الشعبي بالتخلّي عن المناطق الريفية المحيطة لصالح كتائب المشاة الإسبرطيين، ونقل سكانها إلى داخل أسوار المدينة، وأرسل البحرية الأثينية لغزو السواحل البيلوبونيزية آملا في حمل القيادة الإسبرطية على وضع حد للحرب.

ولم يكن ذلك المنطق الإستراتيجي الذي إعتمده بريكليس تشوبه شائبة، إذ إن تجنّب وطأة جبروت العدو واستغلال المزايا بما يفضي إلى نتائج مثمرة هو في حد ذاته ضرب من الإستراتيجية، غير أن الاختباء خلف الأسوار العالية التي تحيط بأثينا وميناء بيرايوس الواقع في منطقة أتيكا الإدارية على بُعد تسعة كيلومترات باتجاه الجنوب، أفضى إلى عواقب وخيمة في غاية الأهمية فوباء الطاعون انتقل عبر البحر الأبيض المتوسط إلى بحر إيجة من شمال أفريقيا بواسطة بحارة على متن سفينة تجارية كانوا قد أُصيبوا بالعدوى، وما أن اجتاح الوباء مدينة بيرايوس حتى انتقل من جماعة من الناس إلى أخرى داخل المدينة المكتظة بالسكان، وكان للطاعون آثار خطيرة على مجتمع أثينا، مما أدّى إلى عدم الالتزام بالقوانين والمعتقدات الدينية، واستجابة لذلك أصبحت قوانين أكثر صرامة مما أدّى إلى معاقبة غير المواطنين الذين يزعمون أنهم أثينيون، وقد عاد الطاعون مرتين، في عام 429 قبل الميلاد وفي شتاء 427/426 قبل الميلاد، وقد تم اقتراح حوالى 30 من مسببات الأمراض على أنها تسبب الطاعون، ومع أن طبيعة المرض الدقيقة ما تزال لغزا رغم مرور أكثر من ألفي سنة على تفشيه، فإن بعض مواطني اليونان القديمة اعتبروه «انتقاما ربانيا» بسبب خطايا الأثينيين.

 

الطاعون الأنطوني
وقد ضرب هذا الطاعون، الإمبراطورية الرومانية في نهاية السلالة الأنطونية، خلال عهد ماركوس أوريليوس وخلفه كومودوس، بين سنتي 165 و190م، حيث أرجع هذا الوباء إلى الإمبراطورية الرومانية من طرف القوات العائدين من الحملات التي قاموا بها في الشرق الأدنى، فقد تسبب هذا الوباء في تدمير الجيش الروماني، بمعدل وفاة 2000 حالة يوميا، وتم تقدير العدد الإجمالي للوفيات بحوالى 5 ملايين شخص.

يرجع أصل تسمية هذا الطاعون «أنطوني» إلى اسم السلالة التي كانت تحكم الإمبراطورية الرومانية، وقد إشتبه العلماء في أنه كان إما مرض الجدري أو الحصبة، ليبقى السبب الحقيقي وراءه غير محدد.

 

الطاعون الأسود
يسمّى أيضا بـ (الموت العظيم أو الموت الأسود)، وقد اجتاح كافة أنحاء أوروبا بين عامي 1347 و1352، وتسبب في موت ما لا يقل عن ثلث سكان القارة، وقد انتشرت أوبئة مشابهة له في نفس الوقت في آسيا والشرق الأدنى، ويعتقد أن هذا الوباء نشأ أول الأمر في قارة آسيا، وانتشر على الأرجح عن طريق البراغيث التي كانت في الفئران التي تعيش على متن السفن التجارية.

 

طاعون عمواس
هو ذلك الوباء الذي ضرب بلاد الشام خلال فترة خلافة عمر بن الخطاب، في العام 640 م، وقد سمّي بهذا الإسم نسبة إلى قرية عمواس في فلسطين، حيث بدأ فيها وإنتشر لاحقا في بلاد الشام، وقد توفي جراء ذلك خمسة وعشرون ألفا، وقد مات من الصحابة نتيجة الطاعون أبو عبيدة من الجراح، معاذ بن جبل، وغيرهم.

ولمعالجة ذلك الوباء كتب الخليفة عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص، بضرورة توجّه سكان المدن إلى الجبال، وقد إختفى الوباء بناء على قرار الخليفة عمر بن الخطاب.

 

الطاعون الأسود في مصر
هاجم وباء «الطاعون» مصر خلال الفترة من تشرين الأول 1347م وكانون الثاني 1349م، وقد لقي نحو 200 ألف مصري حتفهم على طريق القوافل الذي يربط ما بين القاهرة وبلبيس، وقد قيل أيضا إن الجثث كانت تتناثر في كل مكان على طول الطريق، وأتى الطاعون والمجاعة بعد ذلك على الأخضر واليابس بين عامي 1347م و1349م.

وقد تسبب الطاعون الأسود الذي أصاب مصر في حصد الكثير من أرواح المصريين، لدرجة أن الطرقات امتلأت بجثث المصابين، وكان يخرج من القاهرة يوميا نحو 800 جثة لتدفن خارج العاصمة، حتى أن الأكفان نفدت من الأسواق، وأصبح الدفن دون تغسيل أو صلاة أو تكفين.

 

الجدري
دمّر الجدري الذي تعرّضت له أستراليا، في مقتل حوالى 50% من السكان الأصليين في السنوات الأولى من الاستعمار البريطاني، كما أدّى إلى قتل العديد من النيوزيلنديين الماوريين، وفي الفترة ما بين (1848-1849) تشير التقديرات إلى وفاة حوالى 40 ألف من أصل 150 ألف من سكان هاواي بسبب الحصبة والسعال الديكي والإنفلونزا، وفي عام 1875 قتلت الحصبة أكثر من 40 ألف فيجي، أي ما يقرب من ثلث السكان، ودمّر المرض سكان أندامانيس، وكذلك انخفض عدد سكان آينو بشكل كبير في القرن الـ 19، بسبب الأمراض المعدية التي جلبها المستوطنون اليابانيون الذين تدفقوا على هوكايدو.

 

الإنفلونزا الإسبانية
انتشرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى في أوروبا والعالم وخلّفت ملايين القتلى، وتميّز الفيروس بسرعة العدوى حيث تقدّر الإحصائيات الحديثة أن حوالى 500 مليون شخص أصيبوا بالعدوى، وما بين 50 إلى 100 مليون شخصا توفوا جراء الإصابة بالمرض أي ما يعادل ضعف المتوفيين في الحرب العالمية الأولى.

وقد قدمت عدة تفسيرات حول سبب الوباء، من سوء التغذية الى قلّة النظافة.

 

انفلونزا هونغ كونغ
في 13 تموز من العام 1968 في هونغ كونغ، تم الإبلاغ عن أول حالة لهذه الإنفلونزا، الذي يشار إليها بإسم انفلونزا هونغ كونغ، وفي غضون ثلاثة أشهر امتد إلى الفلبين والهند وأستراليا وأوروبا والولايات المتحدة.

كان معدل الوفيات في العام 1968 منخفضا نسبيا، إلا أن الفيروس أدّى إلى وفاة أكثر من مليون شخص، بمن فيهم 500 ألف من سكان هونغ كونغ نفسها، أي ما يقرب من 15% من سكانها في ذاك الوقت.

لطالما شكّلت الأوبئة مصدر خوف للبشرية، وقد ساهمت في الفتك بأعداد كبيرة من البشر، وتبيّن ان البعض من تلك الأوبئة كانت من فعل البشر، بقصد الإضرار بأعدائهم وإلحاق الهزائم بهم.

وهنا يستحضرنا ما يحدث حاليا من إنتشار سريع لفيروس كورونا، والذي بعد مضي حوالى أقل من ثلاثة أشهر على ظهوره، نراه ينتشر بسرعة في كافة أصقاع المعمورة، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة إستفهام حول بداية هذا الفيروس وإنتشاره، وبمراجعة لخريطة إنتشار الفيروس، يتبيّن مفارقة غريبة هي سرعة إنتشاره في طرق التجارة التي كانت تعتزم الصين أو بالأحرى بدأت تحديثها لتشكّل إمتداد لطرق تجارة الحرير القديمة، فهل هذا الفيروس هو محض وباء تفشّى جراء عادات غريبة لمواطني الصين في أكلهم؟ أم هو وباء إنتشر بسرعة نظرا لسهولة الإنتقال بين الدول؟ أم هو حرب بكتيرية تخوضها الدول فيما بينها؟

بإختصار: الكورونا وباء تفشّى، وأثبت للبشر، أنه رغم تقدّمهم، جاء وباء على شاكلة انفلونزا، جعل البشر يرتعدون خوفا.