Beirut weather 16.88 ° C
تاريخ النشر December 9, 2025
A A A
من الدوحة إلى عُمان وعودة لبنان إلى العرب
الكاتب: صلاح سلام

كتب صلاح سلام في “اللواء”

في خضم التحركات الدبلوماسية المتسارعة التي يشهدها لبنان، تبرز اللقاءات الأخيرة لرئيس الحكومة في الدوحة مع أمير قطر ورئيس مجلس الوزراء القطري وكبار المسؤولين، إلى جانب زيارة الرئيس جوزاف عون إلى سلطنة عُمان ومحادثاته الأخوية مع السلطان هيثم بن طارق، كإشارات واضحة على مرحلة جديدة من الانفتاح اللبناني على العالم العربي.
هذه المؤشرات ليست بروتوكولية فحسب، بل تعبّر عن توجّه سياسي واعٍ لإعادة وصل ما انقطع بين لبنان وعمقه العربي، بعدما عانى البلد لسنوات طويلة من عزلة غير معلنة فرضتها الحسابات الضيقة وبعض الخيارات السياسية التي وضعت بيروت في موقع التناقض مع محيطها الطبيعي.

لقد أثبتت التجارب المريرة أن لبنان لا يستطيع الخروج من أزماته الاقتصادية والمالية الخانقة من دون دعم أشقائه العرب، الذين كانوا دائماً الدعامة الأساسية في حماية استقراره وصون تنوّعه. ولعل الدور القطري يشكل نموذجاً حيّاً لهذه الوقفات الأخوية، من إعادة إعمار عدد كبير من القرى الجنوبية بعد حرب تموز 2006، إلى الدعم المالي والنفطي المتواصل للجيش اللبناني في أحلك الظروف.
وفي السياق نفسه، لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي لعبته المملكة العربية السعودية، وما تزال تلعبه، في احتضان لبنان ورعاية استقراره. فإلى جانب دعمها التاريخي لمؤسسات الدولة ومبادراتها المتكررة لمساعدة اللبنانيين في أوقات الشدة، يبرز اليوم حرص الرياض على متابعة الوضع اللبناني عن كثب، وتقديم ما يلزم من دعم سياسي وإنساني لمساعدته على تخطي تداعيات الاحتلال الإسرائيلي والتصعيد العسكري الراهن. لقد شكّلت السعودية على الدوام صمّام أمان للبنان، وسنداً أساسياً في تثبيت مقومات الدولة ومنع انزلاق البلاد نحو الفوضى.
ولا يمكن الحديث عن الروابط العربية اللبنانية دون التوقف عند الإرث الكبير للسلطان الراحل قابوس بن سعيد، الذي اختار أن يضع بصمته في النهضة الثقافية والحضارية للبنان، من خلال تبرعه بإنشاء مركز للثقافة والفنون في بيروت، ودعمه تأسيس جامعة بيروت الإسلامية عبر دار الفتوى، ومساهمته في إنشاء مركز للحوار بين الأديان والحضارات في الربوة عبر بطريركية الملكيين الكاثوليك، لتكون جميعها جسوراً للتواصل الإنساني تتجاوز الجغرافيا اللبنانية نحو الفضاء العالمي.
إن عودة لبنان إلى الحضن العربي ليست خياراً سياسياً ظرفياً، بل ضرورة وجودية لإعادة بناء الدولة واستعادة دوره في محيطه الطبيعي. والتقارب مع قطر وسلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية وسائر الأشقاء العرب يشكل بداية مسار جديد يمنح لبنان فرصة حقيقية للإنقاذ، ويعيد إلى اللبنانيين الأمل بأن أبواب النهوض ما تزال مفتوحة إذا أحسنوا التقاط اللحظة.
وفي زمن تتشابك فيه التحديات، يبقى الانفتاح على العمق العربي خشبة الخلاص الأكثر واقعية، والضمانة الأوسع لاستعادة وطن الأرز عافيته ودوره.