Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر July 16, 2022
A A A
من الاستيراد المنظّم للأدوية إلى شبكات التهريب والدولة شريكة
الكاتب: موريس متى - النهار

بلغت أزمة شح الدواء ذروتها في الفترة الاخيرة بعد أن تحولت يوميات اللبنانيين إلى رحلة بحث دائمة عن المواد الأساسية والأدوية، وانسحبت الأزمة على المستشفيات التي لجأت إلى سياسة التقنين ببعض الفحوص المخبرية والعمليات الجراحية غير الطارئة نتيجة النقص في عدد من الأدوية والمستلزمات الطبّية.

قُدّرت القيمة السنوية لاستيراد الدواء في لبنان قبل الازمة التي اندلعت في نهاية عام 2019 بمعدل مليار و120 مليون دولار تقريباً، أما على مستوى قطاع استيراد المستلزمات الطبية فإن لبنان يستورد 100% من هذه المستلزمات للمستشفيات. في ظل أزمة نقص الادوية في لبنان نتيجة أزمة السيولة بالعملة الاجنبية التي يعاني منها، لجأ العديد من اللبنانيين الى شراء الادوية مباشرة من صيدليات أو شركات أدوية في الخارج ومنها مصر والاردن وتركيا والامارات سعياً لتأمين ادوية الامراض المزمنة والمستعصية أو الادوية التي أصبح سعرها مرتفعاً جداً في لبنان. وتركيا كانت وما ما زالت الوجهة الاساسية لتأمين الادوية المفقودة في السوق اللبنانية حتى إن بعض الاطباء في لبنان باتوا يتعاملون مباشرة مع صيدليات في تركيا توافق مباشرة على صرف الدواء للبناني الذي يحمل وصفة من لبنان، فيما قامت العديد من الصيدليات في لبنان بالتنسيق مع صيدليات في تركيا لتأمين بعض الادوية التي لم يعد يمكن استيرادها في لبنان أو التي أصبح سعرها مرتفعاً جداً، حتى ازدهرت تجارة “الشنطة” بالنسبة للدواء التركي الذي يدخل لبنان.

لا أحد يعلم كمّية الأدوية المزوّرة التي دخلت لبنان من دون رقابة طبيّة فاعلة، لكن الأكيد أنّ تلك الأدوية منتشرة، والدليل ما كشفته بعض المستشفيات في الاشهر الماضية عن حوادث لمرضى تناولوا أدوية اكتُشف في ما بعد أنها طبخات مزوّرة ومنها أدوية للسرطان فليس كلّ ما نراه في علبة مغلّفة، عليها اسم الدواء، يكون دواءً أو مادّة جيّدة. فتسجيل الأدوية يتبع تسلسلاً إدارياً يخضع لرقابة اللجنة الفنية لتسجيل الأدوية في وزارة الصحة العامة. لذا يجب على جميع المنتجات الصيدلانية أن تكون مسجلة في وزارة الصحة العامة سواء كانت مصنعّة محلياً أو مستوردة. يُعدّ أي استيراد أو توزيع للأدوية التي لم توافق عليها وزارة الصحة العامة غير قانونية، وبالتالي يؤدي ذلك الى مصادرتها. ولكن، تؤكد مصادر وزارة الصحة أن ما يمكن للوزارة مراقبته هو ما تستورده الشركات المستوردة للأدوية، أما ما يأتي في “الشنطة” من خلال الأفراد ما ما يسمّى “تجار الدواء بالسوق السوداء” فهذا الامر من الصعب جداً السيطرة عليه ومراقبته” فالأدوية المزوّرة والمهرّبة تأتي من كلّ مكان، وليست محصورة بدولة واحدة، فضلاً عن مدى فاعليّتها نتيجة تهريبها، وتعرّضها للحرارة والرطوبة؛ فحتى إن كانت الأدوية جيدة فستصبح غير مجدية بسبب سوء نقلها وغياب الشروط اللازمة في عملية النقل ما يحتّم على كل من يشتري دواءً خاصة أدوية الامراض المزمنة والمستعصية ومنها السرطان مراجعة طبيبه والمستشفى الذي يتلقى العلاج فيه لفحص هذا الدواء في مختبراته لضمان جودته.

بحسب معلومات “النهار” شهدت الاشهر الماضية ارتفاعاً كبيراً في أعداد الادوية “المضروبة” من تركيا وغير الصالحة التي يحملها مرضى السرطان معهم الى المستشفيات لتلقيها، فبعض المستشفيات تقوم بمراجعة الدواء الذي يؤمّنه المريض بنفسه للتأكّد من نوعيّته وجودته، ما يسمح بكشف التلاعب والغشّ الحاصل. لذلك هذه الجهود يقوم بها بعض الأطباء والممرّضين والمستشفيات لبعض الأدوية الحسّاسة كالأدوية السرطانية بعد محاولتهم التواصل مع الشركات المصنّعة للتأكّد من الرقم التسلسليّ للدواء وبعض المعلومات الخاصّة به. وهذا البحث ساعد على الكشف عن بعض حالات التزوير، إلا أن العدد أكبر بكثير خاصة أن مرضى القلب والضغط والأمراض المزمنة ليس هناك من يطلب مراجعة أدويتهم التي يؤمّنونها، وبالتالي لا يمكن معرفة مدى سلامتها وفاعليتها.

بحسب نقيب مستوردي الادوية في لبنان كريم جبارة أصبح سوق “الدواء غير الشرعي” أي الذي يأتي عبر تجار الشنطة أو الافراد ضمن شبكات منظمة، يشكل ما يقارب 35% من سوق الدواء المستورد في لبنان وهذا أمر خطير جداً على صحة المواطن، معتبراً أن الحل لوضع حد للسوق السوداء لبيع الدواء في لبنان هو من خلال ملء الفراغ الناتج من الانقطاع الدوائيّ في السوق اللبنانية وهو ما ساعدت شبكات التهريب منذ سنة على انتشاره، حيث أصبح هناك شبكات تهريب منظّمة وبرحلات متواصلة إلى الخارج لجلب الأدوية من دون رقابة الوزارة والجمارك ونقابة الصيادلة. فالمطلوب حالياً هو إما رفع الميزانية المخصصة لاستيراد الادوية المدعومة للأمراض المزمنة والمستعصية، وهذا الامر حالياً مستحيل نتيجة أزمة السيولة. أما الحل فهو السماح للشركات باستيراد الأدوية المدعومة في لبنان على أن لا يُدعم استيرادها جزئياً ليُباع بالفريش دولار لمن يشتري حالياً الادوية بالدولار النقدية من تركيا أو من تجار الشنطة، وهذا ما يغطي جزءاً كبيراً من الطلب على الادوية المقطوعة التي يلجأ المرضى الى الخارج لشرائها دون أي رقابة.

ففي غياب خطة دوائيّة واضحة تؤمن في نهاية المطاف الادوية المقطوعة وغير المتوافرة ستبقى الأدوية المهرّبة والمزوّرة تدخل لبنان بشتّى الطرق من دون حسيب ولا رقيب حيث إن المريض يحتاج إلى دوائه، وهذا ما يدفع ببعض تجار السوق السوداء إلى استغلال الأزمة بعيداً عن فاعلية هذه الأدوية وجودتها.

جزء كبير من سوق الدواء في لبنان يقع خارج الرقابة المنتظمة للوزارة والنقابات، وأصبح جزء من هذه السوق يعتمد على التهريب، بما يشمل من تزوير، ويبدو أن الدولة اللبنانية أصبحت شريكاً أساسياً في “شرعنة” السوق السوداء للدواء نتيجة غياب الخطط الدوائية والحلول التي تسهم في تأمين الدواء بالطرق النظامية ومن خلال سدّ هذا الفراغ الدوائيّ ودعم شبكة تنظيم الدواء وتفعيلها، من أجل الاستيراد ودعم الصناعة المحلية ما يسهم في خرق شبكات التهريب غير القانونية.